كل الشواهد تدل على تصعيد النزاع بين التحالف الخليجي والحوثيين في اليمن، بل ويتوقع البعض أن تشهد الفترة المقبلة نزاعًا مباشرًا بين إيران والسعودية، بعد أن طالت صواريخ الحوثيين قصور الأمراء والملوك السعوديين، كما حدث يوم الثلاثاء 19 من ديسمبر/كانون الأول 2017.
ولكن الميزانية السعودية لعام 2018 -والتي أعلن عنها في نفس يوم وصول الصاروخ الحوثي إلى أحد القصور السعودية- حملت مفاجأة غير متوقعة، حيث جاء في صفحة 75 من البيان المالي للميزانية أن مخصصات الإنفاق العسكري ستنخفض إلى 210 مليار ريال مقارنة بـ 224 مليار ريال في عام 2017، وبتراجع تبلغ قيمته 14 مليار ريال، وبنسبه 6.3%.
وحسب أرقام البيان المالي لميزانية 2018 بالسعودية، فإن حجم الإنفاق العسكري يمثل نسبة 21.4% من إجمالي الإنفاق العام البالغ 978 مليار ريال، مقارنة بنسبة 24.1% في عام 2017 من إجمالي إنفاق عام بلغ 926 مليار ريال.
وبعيدًا عن أجواء التوتر والنزاع المسلح، فمن الطبيعي أن يشهد الإنفاق العسكري تخفيضًا لصالح مخصصات بنود أخرى تهدف لرفع معدلات التنمية، ولكن في ضوء نزاع مفتوح، وحرب لم يستطع أحد الطرفين حسمها على مدار أكثر من عامين، من الصعب أن تنخفض مخصصات الإنفاق العسكري، وبخاصة أن الحلول السياسية تغيب عن الساحة، أو مستبعدة في الأجل القصير.
فإحصاءات معهد استكهولم للسلام تبين أن السعودية مازالت تحتل مرتبة متقدمة على قائمة الدول ذات الإنفاق المرتفع على التسليح، ففي عام 2016 بلغ حجم الإنفاق للسعودية على التسليح 63.6 مليار دولار. ونحسب أن التقديرات التي تضمنتها الميزانية السعودية لعام 2018 عن حجم الإنفاق العسكري، سوف يتم تجاوزها، وفي أقل التقديرات لن تقل عن حجم إنفاق العام 2017.
وإن كان الإنفاق العسكري ليس المخصص الوحيد الذي شهد تراجعًا بمخصصات ميزانية 2018، إلا أنه الأقل من بين أربعة قطاعات أخرى شهدت تراجعًا في مخصصاتها، ففي حين كان التراجع بالإنفاق العسكري 6.3%، فإن قطاع الإدارة العامة شهد تراجعًا بنسبة 13.3%، والأمن والمناطق الإدارية شهد تراجع بنسبة 8.2%، بينما قطاع التعليم ناله النصيب الأكبر في تراجع مخصصاته بنسبة 15.8%.
وبلا شك فإن تحميل قطاع التعليم بنسبة تخفيض أكبر في مخصصاته لعام 2018، سيكون له مردود تنموي سلبي، وإن كان الأمن يشكل أولوية لدى السعودية بشكل خاص والخليج بشكل عام، في ظل التحديات والنزاعات التي تشهدها المنطقة، والتي يتوقع لها البعض بأن تمتد لنحو عقد من الزمن.
تظهر إحصاءات معهد استكهولم للسلام أن حجم إنفاق السعودية على التسليح خلال الفترة 2010 – 2016 بلغ 470 مليار دولار، أي أن المتوسط السنوي للإنفاق العسكري بلغ خلال هذه الفترة نحو 67 مليار دولار.
وكما توضح قواعد الاقتصاد السياسي، فإن العبرة ليست بحجم الإنفاق، ولكن بمدى المردود الإيجابي لهذا الإنفاق، وحسب ترتيب السعودية في قائمة الدول المستوردة للسلاح، واحتلالها للمرتبة الرابعة بين هذه الدول، فإنها لم تعد دولة آمنة على الصعيد الإقليمي، فضلًا عن أن تكون دولة ردع بالمنطقة.
وعلى الرغم من هذا الإنفاق مازالت السعودية ومعها الإمارات غير قادرتين على حسم الحرب في اليمن مع جماعة الحوثيين، بل تحولت الحرب إلى مصدر تهديد مباشر تجاوز الحدود، إلى قلب العاصمة السعودية، وليس ببعيد أن ينال الأراضي الإماراتية.
وقد تكون الإحصاءات الواردة بالميزانية السعودية للعام 2018، على غير الحقيقة، فوزير المالية السعودي محمد الجدعان رفض الإجابة أمام وسائل الإعلام عن تكلفة الحرب في اليمن، واكتفي بقوله “سيكون إنفاقنا بلا حدود من أجل تأمين حدود المملكة”.
الحديث حول الأرقام التي تضمنتها ميزانية 2018 في السعودية عن الإنفاق العسكري، تأتي أهميته من كون الأزمة التي تورطت فيها السعودية في اليمن، وورطت معها دول خليجية أخرى، أصبحت أحد أسباب أزمتها الاقتصادية، ليس من حيث حجم الإنفاق العسكري ونسبته من الإنفاق العام فقط، واستمرار السعودية في الإنفاق على التسليح بمبالغ كبيرة، ولكن من حيث غياب الاستقرار السياسي والأمني، الذي أصبح يهدد الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالسعودية، ليس فقط على صعيد الاستثمار الأجنبي، ولكن على صعيد الاستثمارات المحلية أيضًا.
ولولا حرب التحالف الخليجي مع اليمن بقيادة السعودية، لكانت المملكة في سعة من أمرها في تدبير أزمتها الاقتصادية الناتجة عن انهيار أسعار النفط، ولاستطاعت أن تخفض حجم إنفاقها على التسليح لصالح مجالات التنمية المختلفة.