منذ أيام قلائل أعلنت هيئة السوق المالية السعودية عن حصولها على موافقة مجلس رئاسة الوزراء هناك على دخول المؤسسات الأجنبية بشكل مباشر للعمل في البورصة السعودية، على أن تبدأ هذه الممارسات بالسوق بصورة فعلية في النصف الأول من عام 2015.
وخلال هذه الفترة سوف تضع هيئة السوق المالية ضوابط عمل المؤسسات الأجنبية، وقد اعتبر الإعلام وبعض العاملين في مجال الأوراق المالية، أن هذه الخطوة تعكس إيجابيات عديدة على السوق السعودي، أبرزها التدفقات المنتظر دخولها للسوق السعودي، والتي يقدرها البعض بعشرات المليارات من الدولارات.
وحسب ما هو منشور على موقع هيئة السوق المالية السعودية، فإن دخول المؤسسات الأجنبية للسوق سيكون بشكل تدريجي، لكي لا يحدث الدخول مرّة واحدة نوعاً من الارتباك بالسوق.
الجدير بالذكر أن القيمة السوقية لسوق الأوراق المالية السعودية تقدر بنحو 531 مليار دولار، وهي من أكبر أسواق المال في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية. وتعادل القيمة السوقية للسوق السعودية نحو 75% من حجم الناتج المحلي السعودي في عام 2013، والبالغ قيمته 735 مليار دولار.
لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه، هل السعودية بحاجة لرؤوس أموال أجنبية للاستثمار في بورصتها؟ وهل لهذه الخطوة مردود على الاقتصاد الحقيقي في المملكة العربية السعودية؟
إن الدافع وراء هذه الأسئلة المخاطر المتوقعة من تواجد الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في السوق السعودي.
لقد عصفت هذه الأموال غير مرّة باقتصاديات كبرى، ولعل الدرس المستفاد من الأزمة المالية العالمية في عام 2008، هو أن طغيان الاقتصاد المالي على حساب الاقتصاد الحقيقي سوف يترتب عليه مضاربات غير محمودة من جهة، فضلًا عن تعرض العملة الوطنية للعديد من المخاطر والمضاربات.
لقد عانت اقتصاديات كبرى من الاقتصاديات الصاعدة من عمليات الهروب المفاجئ للاستثمارات الأمريكية غير المباشرة، وتسببت خلال عام 2013 في تخفيض قيمة عملات عدة، منها " الروبية الهندية 24 %، والراند الجنوب افريقي 17%، والريال البرازيلي 15%، والروبل الروسي 8%.
تعد السعودية واحدة من دول الفائض المالي، من حيث ما تحققه من وفورات نفطية بشكل دوري، أو من خلال رصيدها من تقديرات الصناديق السيادية الحكومية، حيث تقدر مؤسسة swfinstitute المتخصصة في دراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية، الأصول المالية للصندوق السيادي السعودي بـ 675 مليار دولار، وذلك في مطلع عام 2014.
كما تعد المملكة العربية السعودية صاحبة المرتبة الأولى عربياً في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، على الرغم من تراجع تدفقات الاستثمار المباشر على مستوى العالم، أو في ظل الظروف غير المستقرة التي تعيشها المنطقة العربية منذ 4 سنوات.
وفق ما ورد بقاعدة بيانات البنك الدولي، فإن السعودية استحوذت على 103.2 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة خلال الفترة من 2009 – 2013.
وبالتالي فإن تدفقات المؤسسات الأجنبية للاستثمار غير المباشر، قد لا تمثل إضافة للسعودية، ولكنها ستخلق نوعاً من الارتفاعات غير المبررة في أسعار الأسهم، وباقي الأدوات المالية بالسوق السعودية، فمن غير المعقول أن تستطيع السعودية تأهيل شركات جديدة، أو أن تحدث توسعات استثمارات في الشركات القائمة تمكنها من استيعاب تدفقات المؤسسات الأجنبية مع النصف الأول من عام 2015.
لذلك هناك مطالبات بتوسع السوق السعودي في إصدار السندات والصكوك لترفع من القدرة الاستيعابية للسوق.
يعاني الاقتصاد السعودي من آفة عدم التنوع الاقتصادي، إذ يغلب النفط على باقي مكونات الناتج المحلي الإجمالي، كما يمثل النفط ما يزيد عن 95% من الصادرات السعودية، وعلى الرغم من الإعلان عن تبني استراتيجية لتنوع أداء الاقتصاد السعودي منذ عقدين تقريباً، إلا أنها لم تغيّر من واقع أداء الناتج المحلي السعودي في شيئ.
وما لم يتم توجيه الاستثمارات الأجنبية المملوكة للمؤسسات الأجنبية، التي تنوي الحضور للسعودية، نحو مشروعات إنتاج حقيقي، فإننا أمام مزيد من طغيان الاستثمار المالي على حساب مساهمة الاقتصاد الحقيقي في السعودية، فلا يزال النفط يمثل أكثر من 60% من مكونات الناتج المحلي الإجمالي، ويمثل الإيرادات النفطية نحو 90% من الإيرادات الحكومية السعودية.
إن حاجة الاقتصاد السعودي تتمثل في مشروعات توفر فرص عمل لمواجهة البطالة المتزايدة والتي تقدر بنحو 15%، وتزيد لضعف هذه النسبة بين الشباب، ولذلك فإن وجود المزيد من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، لن يعدو أن يكون مجرد تحركات نقدية بين اللاعبين في السوق السعودي، ولن تؤدي إلى تغييرات جوهرية تعود بالنفع على المواطن السعودي.
على الرغم من أن الهيئة المالية السعودية قد أعلنت عبر موقعها أنها ستجري نقاشاً مع المتعاملين بالسوق من المواطنين بشأن دخول المؤسسات الأجنبية، من أجل الوصول لضوابط تحكم ممارسات المؤسسات الأجنبية، إلا أن الأمر يستلزم الأخذ في الاعتبار عدة أمور منها:
1- فرض ضرائب: وجود الضرائب في العديد من بورصات العالم، ليس أمرًا عبثيًا، ولكنه يحقق أكثر من غرض، الأول حماية السوق من عمليات الدخول والخروج السريع، وممارسة مضاربات تضر بالسوق وبالعملات الوطنية، وقد زادت دول أمريكا اللاتينية من هذا الإجراء الاحترازي تجاه الاستثمارات الأجنبية، عندما استردت الحكومة الأمريكية سندات بقيمة 600 مليار دولار، وذهبت هذه الأموال من أجل المضاربة في أسواق أمريكا اللاتينية مما دعا هذه الدول بفرض شريحة أعلى على هذه الاستثمارات لكي تزيد من فرص استقرارها وعدم هروبها.
2- مواجهة الاستحواذات: على الرغم من درجة الحرية الاقتصادية الكبيرة التي يتمتع الاقتصاد السعودي، إلا أن الأمر لا يسلم من أن تكون المؤسسات الأجنبية غير المباشرة سُلم للاستحواذ على الشركات المحلية المطروحة في البورصة السعودية، وبخاصة تلك المتعلقة بالسلع الغذائية، أو الخدمات المالية، حيث تلقى هذه الخدمات رواجاً كبيراً في السوق السعودي، الذي يحظى بمتوسط دخل يساعد على زيادة معدلات الطلب على السلع والخدمات.
وبالتالي لابد من ضوابط تحافظ على ملكية مناسبة للشركاء المحليين، حتى لا يجد السعوديون أنفسهم بعد فترة سكرة الربح في أسعار الأسهم، أن شركاتهم وباقي مؤسساتهم بيد المؤسسات الأجنبية، والتي ستسترد ما دفعته من أثمان للأسهم في غضون سنوات قليلة، ثم تستفيد من ريع طويل الأمد.
3- في ظل تواجد المؤسسات الأجنبية بالسوق السعودية خلال النصف الأول من عام 2015 يتوقع أن تشهد السوق ارتفاعاً في أسعار الأسهم بشكل تدريجي، ولكن في الأجل القصير ستكون هناك طفرة سعرية، وهو الأمر الذي يتخوف معه من أن يذهب اصحاب المدخرات بالبنوك بسحب مدخراتهم للاستثمار في البورصة جرياً وراء الربح السريع، وبخاصة أولئك أصحاب المدخرات الصغيرة. والتخوف هنا أن يؤثر ذلك على قدرة البنوك في توفير القروض للاستثمارات المحلية التي تعتمد على التمويل البنكي.
ومن ناحية أخرى فإن على هيئة السوق المالية أن تضع بعض الضوابط لحماية صغار المدخرين الذين يتحولون من الجهاز المصرفي للبورصة، حتى لا يكونوا فريسة لممارسات المؤسسات الأجنبية ذات الخبرة العالمية في المضاربات بسوق الأوراق المالية.
ويتوقع كذلك أن تشهد السوق السعودية مع دخول المؤسسات الأجنبية للاستثمار في البورصة، ارتفاعاً في معدلات التضخم، فهذه الأموال التي تضخ في شرايين الاقتصاد السعودي، لا يقابلها سلع وخدمات حقيقية، وبالتالي ستساعد على وفرة نقدية بالسوق، تؤدي لارتفاع معدلات التضخم.
وعلى صانع السياسة النقدية أن يضع من الضوابط التي تأخذ في الحسبان مواجهة الارتفاعات التضخمية، وبخاصة في ظل البيانات التقديرية لارتفاع معدلات الفقر بالمجتمع السعودية.
ومن هنا فسوف تجد السعودية نفسها أمام التزامات متزايدة في إطار ما يعرف بالحماية الاجتماعية، في ظل ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، والتحول من الأنشطة الإنتاجية للاستثمار المالي.
إن ما ذكر في هذه السطور من مخاوف هي تجارب لدول، عايشت مشكلات اقتصادية بسبب ما تسببه الاستثمارات غير المباشرة، وأبرزها ظاهرة الأموال الساخنة، وإن كانت السعودية لديها فوائض مالية تمكنها بعض الشيئ من التعامل مع هذه الظاهرة السلبية، إلا أن مردودها النفسي يؤثر على الأداء الاقتصادي.