وما يتم في السعودية بدعوى الإصلاح الاقتصادي ليس أكثر من تطويع للرأي العام، وإيصال رسالة بأن هناك عزم ونية للإصلاح.
أُعلن مؤخرًا عن عزم الحكومة السعودية ضم صناديق التنمية (قرابة 7 صناديق) في صندوق واحد، كما أُعلن أيضًا عن مراجعة قوائم من يحصلون على معاش الضمان الاجتماعي لاكتشاف أن بعض من يحصلون على المعاش يمتلكون سيارات نقل وخلافه.
وهذه الإجراءات مطلوبة وضرورية، ولكنها ليس الوحيدة، كما أنها تأتي في إطار ما يسمى بالإصلاح الجزئي الذي قد يستهلك عواطف أفراد المجتمع في فترات زمنية معينة، لكن المجتمع يظل متعلقًا بالإصلاح الاقتصادي الكامل، الذي يشمل عدالة توزيع الثروة، والمشاركة في اتخاذ القرار الاقتصادي، وممارسة الرقابة على الأعمال المالية للحكومية، ووجود مجلس تشريعي منتخب تكون من صلاحياته اعتماد ومراقبة الميزانية العامة للدولة.
وما يتم في السعودية بدعوى الإصلاح الاقتصادي ليس أكثر من تطويع للرأي العام، وإيصال رسالة بأن هناك عزم ونية للإصلاح، وأن الأمور تسير بالتدريج، وهي أداة لا تعدو أن تكون أكثر من عملية للإلهاء السياسي، لأن أي مطالب بالإصلاح الشامل للأوضاع في البلاد، يقال له لا تتعجل، فالأمور تسير وفق خطة، وهناك إجراءات تمت، وأخرى في الطريق.
تشير الأدبيات الاقتصادية إلى وجود شركاء ثلاثة للتنمية (الحكومة، ومجتمع الأعمال، والمجتمع المدني)، والتجربة السعودية تفتقد إلى وجود هذه المنظومة بعناصرها الثلاثة، إذ يتم اختيار الحكومة بعيدًا عن المشاركة الشعبية، حيث ما زالت السعودية تُحكم بعيدًا عن التجارب الديمقراطية، والتي تؤدي فيها الأحزاب السياسية دورًا أساسيًا في تشكيل الحكومات.
كما أن مجتمع الأعمال السعودي، يمتلك هيكلًا أشبه بالهياكل الطبقية، إذ تحتكر الطبقة العليا من مجتمع الأعمال السعودي طبقة الأمراء، الذين يسيطرون على الأنشطة التجارية والاقتصادية الكبرى، سواء في القطاعات الإنتاجية أو الاستهلاكية.
أما المجتمع المدني، فهو بعيد تمامًا عن صناعة القرار الاقتصادي، وآخر ما يسمح له به هو المشاركة في العمل الخيري، والذي تعرض منذ سنوات للتقليص بدعوى محاربة التطرف والإرهاب.
وبالتالي فالحديث عن إصلاح اقتصادي في السعودية دون أن يشمل وجود حكومة حقيقية، ومشاركة فعالة لمجتمع الأعمال والمجتمع المدني، لا يؤتي ثماره، ولا يؤدي إلى نتائج إيجابية. ولذلك تحصل السعودية على درجة صفر من 100 في الاستبيان العالمي للموازنة، والذي يجرى كل عامين، وأُجرى أخرى مرة عام 2015.
وجد السعوديون أنفسهم منذ شهور أمام توجهات اقتصادية جديدة، لم يمهد لها لا على الصعيد الأكاديمي والفكري، ولا على صعيد مسؤولي الدولة، أو مجتمع الأعمال، وطُرحت رؤية 2030 على أنها المستقبل الاقتصادي للسعوديين، وتبشرهم بما بعد عصر النفط.
ولكن للأسف لم تحظ هذه الرؤية بمشاركة مجتمعية، ووجد السعوديون أنفسهم أمام إجراءات تقشفية، غير مدروسة، نعم هناك تراجع في عوائد النفط بسبب أزمة انهيار أسعاره في السوق العالمية منذ منتصف 2014، ولكن هناك موارد متراكمة على مدار أكثر من عقد من الزمن، كيف تم التصرف فيها؟ فالسعودية وحسب الأرقام المنشورة على موقع وزارة المالية بلغت الإيرادات النفطية خلال الفترة من 2003 – 2013 إلى ما يزيد عن تريليوني دولار.
ومع ذلك تقدمت السعودية لصندوق النقد الدولي مؤخرًا بأنها سوف تعيد النظر في الإجراءات التقشفية التي اتخذتها خلال العامين الماضيين، بسبب حالة الركود التي يعيشها الاقتصاد السعودي، نتيجة تراجع الإنفاق العام، كما أدت هذه السياسات إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى 12.8% خلال الربع الثاني من عام 2017.
فالسياسة الاقتصادية لا تصنع بمعزل عن المشاركة المجتمعية، وحساب التداعيات السلبية على كل قطاع، وكيفية تخفيف حدتها، ووجود تنسيق بين مكونات السياسة الاقتصادية، فعندما قبلت الحكومة السعودية روشتة صندوق النقد الدولي، لم يكن ذلك من خلال مشاركة مجتمعية، بل من خلال مجموعة من القرارات الإدارية، واسقاط فوقي، لا يراعي التدريج أو تأهيل المجتمع السعودي لتلك النتائج التي ستؤدي إلى زيادة عدد الفقراء بالمجتمع السعودي بلا شك.
بالرجوع إلى المثالين اللذين تم ذكرهما في صدر المقال نجد أنهما ليس أكثر من أمثلة على سطحية وجزئية الإصلاح، فهل العبرة في إصلاح شأن صناديق التنمية، هو جمعها في صندوق واحد؟ أو تركها كما هي؟ أم أن العبرة هي مراجعة أهداف هذه الصناديق، وما أُعطي لها من موارد، ومدى نجاحها أو فشلها في تحقيق ما وضعته لنفسها، أو وضعته لها الحكومة من أهداف؟
قد تنجح الحكومة السعودية في ضم هذه الصناديق في صندوق واحد، ولكن لا يؤدي ذلك إلى شئ إيجابي، وتظل معوقات العمل والنتائج السلبية كما هي، فالعبرة بالرقابة والمحاسبة حتى لا تكون عملية الإصلاح شكلية.
أما المثال الثاني بقيام الحكومة السعودية بمراجعة قوائم المستفيدين من معاشات الضمان الاجتماعي لاكتشاف أن بعض هؤلاء المستفيدين لديه ممتلكات شخصية تصل إلى الاستحواذ على سيارة نقل. وفرز المستفيدين أمر جيد، ولكن الأفضل أن تكون المحاسبة شاملة، بأن يتم محاسبة من قدم رشوة لرئيس وزراء ماليزيا العام الماضي قدرت بنحو 650 مليون دولار، وكذلك عدم وجود هيئات رقابية حقيقية على إيرادات النفط، على مدار العقود الماضية، وكذلك كيفية التصرف في استثمارات صندوق الثروة السيادي، أو الشفافية المفتقدة بشأن حجم الإنفاق على الحرب في اليمن، والتي امتدت إلى ما يزيد عن عامين، ولا يعلم لها نهاية.