الاقتصاد الإسلامي نظام اقتصادي يعبر عن أيديولوجية لديها تصورها تجاه المال والإنسان وبقية عناصر العملية الاقتصادية بشكل واضح.
لكن التجربة التي شهدتها الدول الإسلامية في سبعينيات القرن العشرين بميلاد الصيرفة الإسلامية جعلت البعض يختزل النظام الاقتصادي الإسلامي في عملية إنشاء بنوك إسلامية.
وحتى البنوك الإسلامية صوّرها البعض على أنها مجرد تكرار للبنوك التقليدية، غير أنها لا تتعامل وفق آلية سعر الفائدة، والخطأ الأكبر عندما روجوا لأن البنوك الإسلامية تعتمد على القرض الحسن.
أخطاء بحق الاقتصاد الإسلامي
ماهية نظام الاقتصاد الإسلامي
البنوك الإسلامية والتنمية
قد أسهم في نشر هذه الأخطاء بحق الاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية عدة أمور، منها:
– أن من ورثوا المال والثروة في دولنا الإسلامية الحديثة كانوا أشد تأثرًا بالغرب وحضارته، ولم يعوا تلك الشمولية التي يتسم به الإسلام كمنهج حياة، "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيك لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ"، فضلا عن أن من قاموا على أمر الدولة الحديثة بعد زوال الاستعمار في صورته العسكرية، حرصوا على استنساخ النظم الحضارية، بما فيها متطلبات الحياة الاقتصادية، وكانت خياراتهم ما بين نظام رأسمالي أو آخر اشتراكي، وقليل منهم من اختار نظامًا مختلطًا.
"
إن ما حدث بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتركيز علماء غربيين على مزايا الاقتصاد الإسلامي بوصفه نظاما، والبنوك الإسلامية بوصفها مؤسسات مالية، كان بمثابة ميلاد جديد للاقتصاد الإسلامي
"
-تعرض مفهوم الاقتصاد الإسلامي، وكذلك البنوك الإسلامية، لحرب أيديولوجية من قبل أنصار الاقتصاد الرأسمالي، وكذلك أنصار الاقتصاد الاشتراكي، ومحاولة وصمه بأنه اقتصاد ديني، بينما ما يدعوننا إليه من نظم رأسمالية أو اشتراكية هي نظم مدنية.
ومن هنا شهدت الحياة الثقافية قبل ميلاد البنوك الإسلامية مقولات كانت رائجة مثل "لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير ربا". ثم ما إن خرجت البنوك الإسلامية للنور في منتصف السبعينيات من القرن العشرين حتى تبددت هذه المقولات، وأصبحت في عالم الإهمال.
إلا أن الاقتصاد الإسلامي كعلم ونظام اقتصادي، وكذلك البنوك الإسلامية، واجها الكثير من تحديات البقاء والاستمرار، ثم التحدي الأكبر، وهو تحدي النجاح.
-ومما أسهم كذلك في الترويج لأخطاء بشأن الاقتصاد الإسلامي والبنوك الإسلامية، ما قدمه أصحاب الفكر والتجربة أنفسهم، حيث استعجلوا في طرح ما لديهم من مفاهيم وأفكار وتجارب تاريخية، تدلل على حيوية الاقتصاد الإسلامي، وثراء فقه المعاملات، واستيعابه مستجدات العصر، فقدموا ما لديهم في الصورة نفسها التي كتب بها فقهاؤنا الأكارم في عصور ماضية، وبالمصطلحات الفقهية نفسها، دون تطويع لمتطلبات العصر.
يضاف إلى ذلك تأخر المشتغلين بالفقه في الاجتهاد بشأن معاملات العصر الاقتصادية، وانشغال معظم دارسي الاقتصاد الإسلامي بالتأصيل لما تطرحه النظم الاقتصادية الأخرى، ونسوا أن لدينا ما نقدمه في ثوب يتسم بالذاتية والاستقلالية، وإن التقى مع النظم الرأسمالية والاشتراكية في بعض المبادئ.
لقد ظل الاقتصاد الإسلامي غريبًا في بلداننا الإسلامية، وكذلك المصارف الإسلامية، بل لا زالت بعض الدول الإسلامية -ونحن في عام 2015- تنظر إمكانية السماح للبنوك الإسلامية بالعمل على أراضيها.
إلا أن ما حدث بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتركيز علماء غربيين على مزايا الاقتصاد الإسلامي بوصفه نظاما، والبنوك الإسلامية بوصفها مؤسسات مالية، كان بمثابة ميلاد جديد للاقتصاد الإسلامي، بعد أن سمحت الجامعات الغربية بتدريس الاقتصاد والتمويل الإسلامي، بمراحل الدراسة الجامعية، وما بعد الجامعية، بل والتوسع الفعلي في عمل المالية الإسلامية، بفروعها المختلفة (بنوك، وأسواق مال، وشركات تكافل تأمينية، وغيرها من أدوات التمويل).
وتقدر أصول المالية الإسلامية بنهاية عام 2014 بنحو 2.3 تريليون دولار، ويتوقع أن تشهد الأصول المالية الإسلامية زيادة سنوية تقدر بنحو 15% حتى عام 2020.
يُعرف النظام الاقتصادي الإسلامي بأنه "مجموعة القواعد المنبثقة من الأصول الإسلامية (القرآن والسنة، والاجتهاد الفقهي الاقتصادي) التي تعتني بالمعاملات الاقتصادية داخل المجتمع"
"
البنوك الإسلامية مؤسسات مالية في الأصل، ولكن دورها مرتبط بمرجعيات أيديولوجية وحقيقة نظام اقتصادي، ارتضاه المودع والمستثمر بها
"
وهناك تعريف آخر بأنه "مجموعة الأهداف والقواعد والمؤسسات التي يفضل المجتمع مراعاتها في حياته المعيشية". وهذا يصدق على كل نظام، بيد أن النظام الإسلامي فيه جوانب أساسية أتى بها الوحي ونصت عليها الشريعة الإلهية في القرآن والسنة، وفيه جوانب أخرى يتوصل إليها بالاجتهاد الإنساني المعتمد على ما يستنتجه العلماء من الشريعة، أو ما يستنتجه العلماء مما عرفه الإنسان من السنن والطبائع التي أودعها الله في الكون والإنسان.
ويتسم النظام الاقتصادي الإسلامي بمجموعة من الخصاص، هي: الإيمان بالله عز وجل، والإنسان أساس التنمية، والقسط: وهو العدل في المعاملات الذي يجمع بين الروح والمادة، والفرد والجماعة، والتنمية والرعاية، دون إفراط أو تفريط، والاستخلاف، فالإنسان هو خليفة الله عز وجل في أرضه.
ويحرر مفهوم الاستخلاف نظام الملكية في الإسلام، فالملكية الحقيقية لهذا الكون وللسماوات والأرض لله عز وجل، وأن ملكية الإنسان هي ملكية استخلاف.
وقد أقر الإسلام ثلاثة نظم للملكية، هي: الملكية الخاصة، وملكية الدولة، والملكية العامة، ويتنوع دور الدولة الاقتصادي في النظام الاقتصادي الإسلامي حسب الحاجة؛ فتوجد صور مختلفة لعلاقة الدولة بالنشاط الاقتصادي، فمنها ما يتعلق بممارسة النشاط الإنتاجي، وملكية المرافق العامة والسيطرة على الموارد الطبيعية العامة، ومنها ما يتعلق بتنظيم الأسواق والرقابة عليها، ومنها ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية الخارجية.
ثمة مجموعة من المغالطات يروج لها في ما يتعلق بدور البنوك الإسلامية في التنمية، فالبعض يرى أن دور المصارف -أيا كانت وجهتها- مجرد وسيط مالي بين طرفين، المدخر والمستثمر.
والحقيقة أن البنوك الإسلامية مؤسسات مالية في الأصل، ولكن دورها مرتبط بمرجعيات أيديولوجية وحقيقة نظام اقتصادي، ارتضاه المودع والمستثمر بها. فحاجات المجتمع الأساسية هي مناط عمل البنوك الإسلامية، ولا يعني ذلك مساهمة البنوك الإسلامية في أنشطة اجتماعية لا تحقق ربحًا، أو القيام بدور الدولة في تقديم الخدمات العامة.
لكن البنوك الإسلامية لا تمول المحتكرين، ولا تمول مشروعات لها ضرر اجتماعي واقتصادي، وإنما تسعى لتمويل ما يبني الإنسان والمجتمع ويحدد إستراتيجيتها. وهذه هي المقاصد العامة للشريعة الإسلامية بشكل عام، ومقاصد الشريعة في الأموال بشكل خاص.
"
مهمة البنك الإسلامي التعامل مع رأس المال في إطار المخاطرة، والمساهمة مع بقية عوامل الإنتاج، دون أن تكون له ميزة عن بقية العناصر الأخرى، وإن الأصل في التعاملات المالية هو المشاركة في المغنم والمغرم
"
فمن الواجب أن تكون لدى إدارات الاستثمار بالبنوك الإسلامية أولويات المجتمع من احتياجات ضرورية، وتحسينية، وكمالية، وتعمل على توظيف ما لديها من مدخرات وفق هذه الأولويات.
وثمة أمر مهم يلزم الإشارة إليه هنا، وهو علاقة البنوك الإسلامية بالقرض الحسن؛ فالأصل أن البنوك الإسلامية ليست مؤسسات خيرية تقوم على جمع وتوزيع الصدقات أو التبرعات، ولكنها تقوم بعمل اقتصادي بالدرجة الأولى، ولديها وسائلها الاستثمارية المعروفة (المشاركة، المضاربة، المرابحة، الاستصناع، المزارعة، الأجارة، والسلم…، إلخ) ومن بين أنشطة البنوك الإسلامية القرض الحسن، ولكنه يأتي في إطار توظيف المحفظة الاستثمارية للبنك.
فمهمة البنك الإسلامي التعامل مع رأس المال في إطار المخاطرة، والمساهمة مع بقية عوامل الإنتاج، دون أن تكون له ميزة عن بقية العناصر الأخرى، وأن الأصل في التعاملات المالية هو المشاركة في المغنم والمغرم، أي في الربح والخسارة.
وفي الختام، تبقى أمور مهمة لا بد من الإشارة إليها، وهي تلك المخاوف السياسية التي تجذرت لدى دولنا العربية والإسلامية تجاه النظام الاقتصادي الإسلامي والبنوك الإسلامية، لكون من طرحوا هذا المشروع ينتمون في أغلبهم إلى المعارضين للنظم الحاكمة.
كما أسهمت البنوك الإسلامية كذلك في تكوين صورة سلبية لدى المجتمع عنها، من خلال عدم طرح نفسها بصورة مبسطة، وفي الوقت نفسه عدم شعور الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة بأن البنوك الإسلامية تعمل على تلبية احتياجاتهم