المطالبة بحقوق الدول النامية ومطالبة الدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها التي توجبها عليها عضويتها في منظمة التجارة العالمية موقف واضح لمجموعة الـ 15 من النظام العالمي التجاري الجديد، حيث نجد أن القمة الحادية عشرة التي شهدتها جاكارتا في أواخر مايو الماضي قد أكدت هذه المعاني بإقرارها عقد مائدة مستديرة بالقاهرة، بهدف صياغة ورقة عمل موحدة تعبر عن وجهة نظر القطاع الخاص بدول المجموعة تم طرحها خلال المؤتمر الوزاري الرابع بالدوحة المقام حاليا خلال الفترة ( 9 – 13 ) نوفمبر.
وبالفعل عقد اتحاد غرف التجارة والصناعة والخدمات بدول المجموعة مؤتمرًا خلال يومي 7 و8 من أكتوبر الماضي في القاهرة، ناقش المؤتمر الدراسة التي أعدت بغرض بلورة ورقة العمل المطلوب تقديمها لمؤتمر الدوحة، والجدير بالذكر أن هذه هي المرة الثانية التي يشارك بها الاتحاد بإعداد ورقة عمل لمؤتمر منظمة التجارة العالمية. وكانت المرة الأولى في مؤتمر سياتل الذي انتهى بالفشل..
وعلى عكس ما هو متوقع نتيجة الأحداث التي تعيشها أمريكا بعد 11 سبتمبر، وكذلك حالة الركود التي تسيطر على أوروبا واليابان، وتأثيرها المتوقع على مطالب الدول النامية تجاه مؤتمر منظمة التجارة الرابع بأن تعتمد مطالب الدول النامية بلا أي نقاش، فقد انتهت أعمال المؤتمر بمفاجأة رفض الاتحاد لعقد جولة جديدة من المفاوضات في المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية المقرر عقده في الدوحة، كما حدد الاتحاد مطالبه من مؤتمر الدوحة والتي تتفق مع مصالح الدول النامية بوجه عام، ويعد مؤتمر الاتحاد من المؤتمرات القليلة التي عقدت في هذا الشأن بعد أحداث أمريكا وقبل عقد مؤتمر الدوحة بنحو أقل من أسبوعين.
1- أن الاستثمار ليس من المسائل التجارية؛ ولذلك لا تصلح مناقشته في منظمة التجارة العالمية لما في ذلك من إخلال بالنظام التجاري العالمي، والأصل هو أن تحتفظ الدول النامية بحقها في تنظيم الدخول إلى أراضيها وفرض الشروط التي تراها مناسبة على الاستثمارات الأجنبية، كما أن المناقشات الدائرة في مجموعة العمل الخاصة بالتجارة والاستثمار لم تُستكمل ولم تتوصل لنتائج محددة؛ وبالتالي لا يمكن وضع اتفاقية للاستثمار بأي شكل كان دون اكتمال المحادثات والفهم الكامل لها.
2- أن الدول النامية ترى أن جوهر المنافسة يكمن في الحد من أنشطة الدمج والحيازة بين الشركات العملاقة، التي تهدد القدرة التنافسية للمؤسسات المحلية بها، كما أن إساءة استخدام قواعد مكافحة الإغراق التي دأبت عليها دول الغرب تحد من المنافسة وتعد تعنتا ضد الدول النامية، كما أن تفسير الدول المتقدمة للمنافسة واستخدام آلية الإغراق ووسائل الحماية المختلفة يهدف في الحقيقة لتأمين أسواقها المحلية، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى الإخلال بمبدأ المنافسة لصالح الشركات متعدية الجنسيات.
3- تدرك الدول النامية أن مؤسسات الدولة هي أكبر مشتر على المستوى القومي؛ ولذا فإن إخضاع هذا القطاع لقواعد المنظمة يحرم الدولة حقها من تنشيط مؤسساتها الوطنية، ويقيد ما يتبقى لها من حرية تجاه قطاعاتها القومية.
4- تدخل منظمة التجارة العالمية بشدة في مسائل تمس السياسات الداخلية، مثل: قوانين حقوق الملكية الفكرية والاستثمارات الداخلية وسياسات الدعم، بالإضافة إلى تناول موضوعات غير تجارية مثل معايير البيئة والعمالة.
5- لم تف الدول المتقدمة بالتزاماتها بتحرير تجارة أسواقها للتجارة الدولية، كما أنها تدعي أن المزيد من تحرير التجارة سيعود بالفائدة على الدول النامية، وتطالبها أن تتحمل لفترة قادمة ألم التأقلم السريع، في الوقت الذي تطلب فيه لنفسها المزيد من الوقت للتأقلم في قطاعي الزراعة والمنسوجات اللذين يتمتعان بالحماية لعقود طويلة، وهو الأمر الذي يظهر ازدواج المعايير.
في 26 أكتوبر الماضي نشرت منظمة التجارة العالمية مشروع البيان الختامي لمؤتمر الدوحة المقام حاليا، وقد رأى الاتحاد أن البيان قد حوى جانبًا إيجابيًا تمثل في المطالبة بالمفاوضات لتحسين قواعد منظمة التجارة العالمية بخصوص الدفاع عن التجارة، إلا أن هناك الكثير من نقاط الخلل، عرض الاتحاد مقترحات لتعديلها حتى يمكن قبوله كأساس يسمح بالتوصل إلى نص متوازن يمكن عرضه خلال المؤتمر الوزاري بالدوحة، وهي:
النص على أهمية أن يتم توزيع فوائد ومنافع النظام العالمي على نحو أكثر توازنًا وإنصافًا مما هو عليه الآن، والتأكيد على المبادئ والأهداف التي أسست عليها منظمة التجارة العالمية في اتفاق مراكش، والتي تضمن للبلدان النامية والأقل نموًا نصيبًا من نمو التجارة الدولية يتناسب مع احتياجات التنمية في تلك البلدان، مع التعهد بنبذ استخدام إجراءات الحماية التي تتخذها الدول الكبرى.
أ – تأكيد الإقرار والاعتراف بأن البلدان النامية لم تجن الفوائد الكاملة من النظام التجاري العالمي نتيجة لعدة عوامل، أهمها عدم وفاء الدول الصناعية بوعودها في إتاحة الأسواق للبلدان النامية، وهو ما أوجد عدم التوازن في القواعد التجارية.
ب – التعهد بتصحيح أوجه عدم التوازن والخلل بشكل ملزم، من خلال معالجة كل المسائل المعلقة الخاصة بالتنفيذ، وحلها بشكل مرض وفى إطار زمني محدد.
ج – اعتماد تدابير فعالة لبناء القدرات الاقتصادية للبلدان النامية.
د – ضمان عملية اتخاذ القرار بمشاركة الجميع وبشكل شفاف.
ضرورة أن يتم النص على أن منظمة التجارة العالمية هي منتدى متعدد الأطراف تعمل في إطار قواعد التجارة وتحريرها، وفى المجالات المتفق عليها في حدود اختصاصاتها فقط.
نرفض التنويه إلى إدخال معايير العمل تحت مظلة المنظمة؛ ولذلك تحذف الفقرة 6 بالكامل من مشروع البيان.
تأكيد أنه لا ينبغي أن تُطالب الدول النامية بأي التزامات تفوق إمكاناتها وقدراتها التنموية.
تأكيد ضرورة تكليف المجلس العام للمنظمة باتخاذ التدابير الملموسة؛ لضمان مشاركة البلدان النامية والأقل نموًا في المناقشات والمفاوضات واتخاذ القرارات.
ضرورة وضع إطار زمني محدد لحل المسائل المعلقة الخاصة بالتنفيذ، وذلك فيما يختص بالجانب الزراعي.
ضرورة إضافة فقرة خاصة عن البلدان التي تعتبر مستوردًا صافيًا للغذاء والأمن الغذائي.
النص على ضرورة الحد من أو إلغاء الرسوم الجمركية والحواجز الأخرى غير المتعلقة بالرسوم التي تمارسها حاليًا، وتفرضها البلدان المتقدمة لعرقلة إتاحة الأسواق للمنتجات غير الزراعية، مع تأكيد تداعيات هذه السياسات وآثارها على التنمية بالدول النامية والأقل نموًا.
أ – أن كل حكم من أحكام اتفاقية "TRIPS" سوف يقرأ ويفسر في ضوء أهدافه ومبادئه وغايته.
ب – في ضوء الطبيعة الملزمة لاتفاقية "TRIPS" يوافق الاتحاد على أن يقوم الأعضاء من البلدان المتقدمة بالتنفيذ الفوري لالتزامات ذات قيمة ملموسة؛ لتشجيع نقل التكنولوجيا مع تكليف مجلس "TRIPS" بحلول يناير 2002 بمتابعة وتقديم تقرير عما تم تنفيذه من قبل البلدان المتقدمة.
ج - ضرورة توضيح أن النباتات والحيوانات والأجسام الدقيقة وكل الأحياء الأخرى وأجزائها غير قابلة للخضوع لبراءات الاختراع، وكذلك العمليات المؤدية لإنتاج النباتات والحيوانات والأحياء الأخرى.
د – تكليف مجلس "TRIPS" أن يوضح أن للأعضاء الحق في تحديد النظام الخاص الذي يتناسب معهم بخصوص حماية أنواع النباتات، كما نوافق على تمديد الفترة الانتقالية لتنفيذ المادة 9/27 لمدة خمس سنوات أخرى من تاريخ انتهاء المراجعة.
نرفض هذه الفقرة ونطالب بحذفها، وموقفنا واضح بأن الاستثمار موضوع منفصل لا يخضع لقواعد منظمة التجارة العالمية، مع الموافقة على استمرار الدراسة الخاصة بالعلاقة بين التجارة والاستثمار، ورفع تقرير حول هذا الموضوع إلى الدورة الخامسة للمؤتمر الوزاري.
نرفض أي قرارات تربط بين سياسة المنافسة والتجارة، ونوافق على استمرار الدراسة الخاصة بالتفاعل بينهما، ورفع تقرير حول هذا الموضوع إلى الدورة الخامسة للمؤتمر الوزاري.
نوافق على استمرار الدراسة لتحديد عناصر الاتفاق بشأن الشفافية في عملية المشتريات الحكومية، مع رفض أي قرارات ملزمة بها حاليًا.
نوافق فقط على استمرار العمل الجاري لمراعاة مخاوف واحتياجات البلدان النامية والأقل نموا لتيسير إتاحة المزيد من الأسواق العلمية لها، وليس العكس مع ضرورة تقديم المساعدات التقنية لدعم بناء القدرات التصديرية.
الموافقة على إجراء مفاوضات تستهدف توضيح وتحسين وتعديل التفهم الخاص بتسوية المنازعات فقط في ضوء الخبرات المكتسبة.
نؤكد ضرورة دراسة الآثار السلبية المحتملة للتدابير البيئية على إتاحة الأسواق لمنتجات الدول النامية، كما نؤكد دراسة التداعيات السلبية لأحكام اتفاقية Trips على جهود وقدرات البلدان النامية عند اعتمادها سياسات وتدابير بيئية.
تأكيد ضمان عدم اتخاذ العمليات وأساليب الإنتاج غير المتعلقة بالمنتجات ذاتها كأساس للمعايير.
ضرورة إقرار التزامات صريحة لتوفير الموارد المالية اللازمة؛ لتقديم المساعدات التقنية ومساعدات بناء القدرات للدول النامية والأقل نموًا.
أ – ضرورة أن تتم المفاوضات وغيرها من الأعمال بأسلوب شفاف تمامًا، وعلى أساس جدول زمني مناسب؛ بغية تيسير المساهمة الفعالة للأعضاء خاصة أعضاء البلدان النامية.
ب – يجب أن تعود نتائج المفاوضات والأعمال الأخرى بالنفع على كل الأعضاء، وأن تؤدي إلى توازن عام في منظمة التجارة العالمية، مع الأخذ في الاعتبار أن الخلل الموجود حاليًا في غير صالح البلدان النامية.
يلاحظ من قراءة أسباب رفض الاتحاد لعقد جولة جديدة من المفاوضات متعددة الأطراف وأيضًا مقترحاته بالتعديل على مشروع البيان للمؤتمر الوزاري الرابع المقام حاليا، أنها جاءت متطابقة مع البيان الختامي لمجموعة الـ 15 الذي عُقد في جاكارتا في نهاية مايو الماضي، بل قد يكون بيان جاكارتا هو الأساس الذي انطلقت منه دراسة الاتحاد وورقة العمل التي قُدّمت باسمه في مؤتمر الدوحة، وهناك اتفاق تام بين ما خلص إليه الاتحاد ونتائج مؤتمرات التنسيق التي عُقدت في الإطار العربي وتجمع الكوميسا في أغسطس الماضي، وهو ما يدل على أن موقف الدول النامية تجاه النظام التجاري العالمي لم يتأثر نتيجة الأحداث الجارية وظروف الكساد العالمي، وما زال متمسكا بحق الدول النامية في النمو.