انتظر عالم الاقتصاد والمال قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الخميس الماضي بعد الهبوط الكبير لأسعار النفط بالسوق الدولية، لتعلن المنظمة عدم خفض إنتاجها، ما أثار تعجب البعض من هذا القرار، إذ أنه يسهم في المزيد من انهيار لأسعار الخام نظراً لزيادة المعروض وقلة الطلب على الذهب الأسود.
وتنتج أوبك 31.6 مليون برميل يومياً، وهو يمثل 43.4% من حجم الإنتاج العالمي البالغ 72.8 مليونا.
ويحتل النفط أهمية قصوى لاقتصادات دول أوبك، وقد اكتسبت الأخيرة أهمية دولية بعد عام 1973، حيث استخدم النفط العربي ورقة ضغط على الغرب لوقف دعمه لإسرائيل. ولكن السؤال الذي يطرح هو إذا كان النفط ما زال بهذه الأهمية لدول أوبك، فلماذا أصرت المنظمة على قرار عدم تخفيض الإنتاج؟
هناك مجموعة من الأسباب وراء موقف أوبك الأخير، ومنها أسباب تتعلق بالمنظمة نفسها، والأوضاع الداخلية لكثير من الدول الأعضاء فيها، ومن الأسباب ما يتصل بالمناخ الاقتصادي العالمي وتحولات في سوق النفط.
منذ سنوات طويلة، لم يعد هناك قرار حظي بإجماع أعضاء أوبك، والتزمت به أعضاؤها، فأصبحت المنظمة مجرد منتدى يضم مجموعة من الفرقاء تتعارض أهدافهم الاقتصادية والسياسية، وقد لوحظ هذا أكثر من مرة إبان رغبة الدول المستهلكة، وبخاصة الغربية منها، بعدم تجاوز سعر النفط لحاجز مائة دولار للبرميل.
وكانت هناك رغبة لبعض الدول، ومن أبرزها إيران، بأن يزيد السعر وفق آليات العرض والطلب، وطالبت طهران أعضاء المنظمة بخفض الإنتاج للوصول لسعر يرضي المنتجين، إلا أن السعودية كانت ترفض هذه المقترحات، وتضخ كميات إضافية للحفاظ على سعر النفط عند السعر الذي يرضي المستهلكين، وبخاصة الدول الغربية.
وقد مارست السعودية ودول أخرى بالمنظمة سياسة زيادة الإنتاج إبان الأحداث السياسية التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط، والتي كان من شأنها أن تزيد من سعر النفط، وصرح وزراء النفط السعوديون في مرات عديدة بأنهم يرفضون تسييس النفط واتخاذه ورقة ضغط، وهو ما تعارض مع سياسة دول أخرى بالمنظمة وأبرزها إيران.
لم تعد سوق النفط تعمل وفق آلية العرض والطلب، ووفق معادلة تقول إن المنتجين والمستهلكين شركاء في صناعة السوق، ولكن الواقع أنه منذ انتهاء عقد السبعينيات من القرن الماضي تحولت سوق النفط إلى ملعب تتحكم فيه كبريات الدول المستهلكة عبر مخزوناتها الإستراتيجية وعبر تطويرها لتكنولوجيات استهلاك الطاقة، أو سياساتها الداخلية المشجعة على توفير استهلاك الطاقة.
وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع تحرك عجلة الاقتصاد العالمي للوصول إلى معدلات نمو تتجاوز حاجز الـ4%، أتت تقديرات صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتشير إلى أن النمو المتوقع بنهاية 2014 يبلغ 3.3%، بانخفاض قدره نحو 0.2% عن التقدير السابق للصندوق.
وكان البنك الدولي قد تبنى تقديرات أشد قسوة من صندوق النقد فيما يتعلق بالنمو المحتمل خلال عام 2014، حيث أشار البنك، الصيف الماضي، إلى أن النمو العالمي سيكون بحدود 2.8%، في حين يتوقع أن يتحسن النمو في العامين المقبلين ليناهز 3.4% و3.5% على التوالي.
وقد أثر تراجع معدلات النمو العالمي، سيما في الدول المتقدمة، كثيرا في انخفاض الطلب على النفط، ومن المحتمل أن تظل الأسعار في مستويات منخفضة العام المقبل والذي يليه إذا ما بقي النمو عند نسبة 3.5% كحد أقصى.
تفيد القراءة المتأنية للوضع الاقتصادي لدول أوبك البالغ عددها 12 بأنها لم تنجح في خلق اقتصادات متنوعة على مدار العقود الماضية، وذلك على الرغم من عوائد النفط المتدفقة وبأسعار مرتفعة في العقد الأخير، أو ما قبله، من فورات نفطية في السبعينيات والثمانينيات.
فالنفط يمثل السلعة التصديرية الأولى لكل دول أوبك، ويمثل نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي، وكذلك من حجم الإيرادات.
ومن جانب آخر، تعيش معظم -إن لم نقل كل- الدول الأعضاء بأوبك حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، مما يجعلها مضطرة لتصدير النفط مهما كان الثمن من أجل تأمين الاحتياجات الاقتصادية، وكذلك الإنفاق على الأمن والتسليح لمواجهة التحديات التي تعيشها سواء ما تعلق بالصراعات المسلحة (ليبيا والعراق ونيجيريا) أو العقوبات الدولية (إيران) أو الاضطرابات التي تسبب فيها صعود تنظيم الدولة الإسلامية (دول الخليج).