الوضع المالي لـ "داعش" يشهد تطورًا ملحوظًا، فبعد الاتهام بالاستيلاء على بنوك عراقية وسورية، ثم بيع النفط في السوق السوداء من الآبار التي تقع في المناطق التي يسيطر عليها، شرع "داعش" في سك عملات خاصة به، ثم مؤخرًا الإعلان عن مصرف إسلامي يستبدل العملات ويقبل الودائع.
ورغم محدودية هذه التصرفات على الصعيد المالي، إلا أننا أمام الدلالات الرمزية لها، فـ "داعش" يهدم قواعد النظامين العراقي والسوري في المناطق التي يسيطر عليها، ويمارس أعلى وظائف الدولة بإصدار النقود وإداراتها، وقبول المجتمع الذي يسيطر عليه "داعش" لهذه الخطوات والتعاطي معها، سوف يدفعه لخطوات أخرى، من شأنها أن تعلي من ممارسة دور الدولة الكامل على الصعيد الاقتصادي.
فما زلنا نتحدث عن موارد محدودة، لا تتعدى ملايين الدولارات، هي إيرادات "داعش"، من النفط وغيره، وهي موارد محدودة، ولم تصل لمليارات، وإنما تبقى ما قام به "داعش" من خطوات إصدار العملة وإنشاء مصرف، خطوة لها دلالاتها الرمزية لوجود دولة، حتى وإن لم تستكمل كامل مقوماتها بعد.
لكن هل سيدوم الحال لممارسة "داعش" كل الوظائف الاقتصادية للدولة، من إدارة العلاقات الاقتصادية الداخلية وتنظيم الأسواق، وعمليات الإنتاج، وباقي مكونات العلاقات الاقتصادية الخارجية؟
إن ما يقوم به "داعش" الآن يصلح لممارسة دور في مجتمع بدائي، وليس في إطار دولة عصرية، لها تعقيداتها الاقتصادية على الصعيدين الداخلي والخارجي، فأمام "داعش" تحديات تتعلق بإدارة مقدرات المجتمع زراعيًا وصناعيًا، وكذلك الموارد البشرية، التي لن يكون وظيفتها الوحيدة في الدولة التجنيد في صفوف القتال.
فالظرف السياسي والأمني الذي تعيشه المنطقة، لا يسمح ببقاء "داعش" وتمدده، لكي تستكمل باقي الأدوار الاقتصادية للدولة، وإن سعى هو لذلك، فجميع من حول التنظيم يرغبون في زواله، لتستقر النظم الحاكمة في سيطرتها على دولها، واستعادة ما أخذ منها من موارد اقتصادية، أهمها آبار النفط.
إن وجود "داعش" اقتصادي بالدرجة الأولى، على الرغم من الواجهة السياسية والعسكرية التي اكتسبها التنظيم منذ اليوم الأول، فبقاؤه مرهون باستنزاف المنطقة اقتصاديًا، لتستمر عمليات الإنفاق التي لا تتوقف على التسليح والأمن.
فتظل دول الخليج وإيران والعراق، في هذه الدوامة التي تستهلك عوائد النفط في مواجهة "داعش"، ولا تلتفت هذه الدول إلى نجاحات في مجال التنمية، أو النظر إلى معضلات البطالة والفقر التي تنهش هذه المجتمعات حاليًا.