الرئيسية / الاقتصاد العالمي / بالأرقام.. حقيقة الإنفاق العسكري في السعودية

بالأرقام.. حقيقة الإنفاق العسكري في السعودية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 22-01-2019
  • 144
بالأرقام.. حقيقة الإنفاق العسكري في السعودية
  • المصدر: العربي الجديد
  • هل سيتحسن الوضع المالي السعودي إذا تم إغلاق ملف حرب اليمن؟
  • ماذا يجعل المتابع للشأن السعودي يشك في أرقام الميزانية السعودية، فيما يخص الإنفاق العسكري؟
  • تورطت السعودية في صفات سلاح لكسب دعم دول كبرى لعدم اعتبار مقتل خاشقجي جريمة دولة أو حكومة.
  • لم تفصح السعودية عن تكاليف حرب اليمن في الميزانية العامة أو التقارير الاقتصادية والمالية والتصريحات الرسمية.

رصدت الميزانية السعودية لعام 2019، مخصصات للإنفاق العسكري بقيمة 191 مليار ريال (50.9 مليار دولار)، ليحل هذا الإنفاق في المرتبة الثانية من حيث قيمة المخصصات بعد التعليم، في قائمة بنود الإنفاق التسعة التي تضمّنها بيان الميزانية.

لكن يلاحظ على مستوى البيانات أن ما تم رصده كتقدير عن الإنفاق الحقيقي في 2018 بنحو 218 مليار ريال، يختلف عما كان مدرجا في بيان ميزانية 2018، حيث تجاوز الواقع الفعلي ما هو مخطط في بداية 2018 بنحو 8 مليارات ريال.

وبشكل عام، فإن هناك عدة ملاحظات تجعل المتابع للشأن السعودي ينظر بعين الشك والريبة إلى أرقام الميزانية السعودية، فيما يخص الإنفاق العسكري.

فتقرير معهد استوكهولم للسلام ذهب إلى أن مشتريات السعودية من السلاح في 2017 بلغت 69.4 مليار دولار، لتحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد أميركا والصين.

لكن بيان الميزانية لعام 2018 يظهر أن مخصصات الإنفاق العسكري كانت بحدود 224 مليار ريال (59.7 مليار دولار)، أي أن معهد السلام ذهب إلى أن نفقات التسليح فقط زادت عما هو مدرج في ميزانية السعودية بنحو 10 مليارات دولار، وذلك بدون باقي بنود الإنفاق العسكري.

وإذا كانت هناك أسباب لزيادة قيمة الإنفاق العسكري للسعودية في 2017، من استمرار الحرب على اليمن بقيادة التحالف السعودي الإماراتي، أو فرض الحصار على قطر في يونيو/حزيران 2017، فإن نفس الأسباب ما زالت قائمة.

ولم يظهر بعد أفق سياسي لحل الأزمتين، بل تزيد عليهما الأزمة التي تعيشها السعودية بسبب مقتل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا.

حيث يلاحظ أن ثمة صفات سلاح يتم التورط فيها بسبب كسب دعم بعض الدول، لعدم تصوير أمر مقتل خاشقجي على أنه جريمة دولة أو حكومة.

كانت تقديرات بيان ميزانية 2018 أن يتراجع الإنفاق العسكري السعودي بنحو 6.3% عما كان عليه في 2017. وتذهب تقديرات ميزانية 2019 إلى خفض هذا الإنفاق بنحو 12% عما هو مقدر في 2018.

الإنفاق العسكري له ضروراته، خاصة أنه يتعلق بدور أصيل للدولة، وهو الدفاع الخارجي. لكن يتطلب الأمر تدقيق البيانات الخاصة بالميزانية، فالواقع الذي أدى إلى تصدّر هذا الإنفاق مراتب متقدمة من الإنفاق العام السعودي.

بدأ مع تورط السعودية في حرب اليمن في مارس 2015، وهو ما يعني أن مرور ما يقرب من 4 سنوات، كفيل بأن يجعل صانع السياسة المالية السعودية على دراية بالتقديرات والتكاليف الحقيقية.

جدوى الإنفاق العسكري

تقويم أي إنفاق في الميزانية العامة للدولة لا يكون من خلال قيمته، لكن من خلال المردود المتحقق منه، فقد يكون الإنفاق يمثل أعلى نسب من الإنفاق الإجمالي.

ويعتبر إنفاقا إيجابيا لأنه حدد الهدف منه، وقد لا تمثل مخصصات بند معين شيئا يذكر من إجمالي الإنفاق العام، ويعد إهدارًا للمال العام، لأنه فقد تحقيق الهدف منه، ولم يعُد على المجتمع بشيء إيجابي.

وإذا ما نظرنا إلى الإنفاق العسكري السعودي نلحظ أنه يتصاعد بشكل ملحوظ، وتؤيد ذلك بيانات الميزانية العامة، كما هو الحال في تقديرات 2018.

فقد أتى الإنفاق العسكري على رأس قائمة قطاعات الإنفاق العام بنحو 218 مليار ريال، أو من خلال ما ترصده تقارير معهد استوكهولم للسلام، والذي كان يضع السعودية في المرتبة الرابعة على مستوى العالم من حيث مشتريات السلاح حتى عام 2016، ثم احتلت السعودية المرتبة الثالثة على مستوى العالم عام 2017.

كانت حرب اليمن تحديًا كبيرًا للسعودية وتحالفها، حيث إن المملكة هي من بدأت الحرب، وعلى مدى ما يقرب من 4 سنوات، ما زالت الحرب مشتعلة، بل وتحولت إلى تهديد للداخل السعودي، الذي طاولته صواريخ جماعة الحوثيين، عبر المدن السعودية، بل وفي بعض الأوقات طاول قصور الأمراء.

وإذا كنا بصدد الحديث عن الميزانية، وهو حديث يفرض تناول أمر الشفافية والإفصاح، لكن الحكومة السعودية لم تفصح عن تكاليف هذه الحرب، لا من خلال الميزانية العامة أو غيرها من التقارير الاقتصادية والمالية المعبّرة عن الحكومة، ولا من خلال تصريح لوزير أو مسؤول.

الأزمة المالية

المتابع للشأن السعودي في المجال الاقتصادي والمالي، يجد أن ملامح الأزمة التمويلية في المملكة لا تخطئها عين، فالعجز في الميزانية عاد من جديد، بعد أزمة انهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014. وعلى الرغم من التحسن في أسعار النفط خلال 2017 و2018، إلا أن الميزانية السعودية عانت من عجز تراوح بين 9.7% و4.6%، خلال العامين على التوالي، وتنتظر ميزانية 2019 عجزًا بنحو 4.2%.

وإن كانت مؤشرات سوق النفط العالمي تشير إلى استمرار انخفاض الأسعار على الأقل خلال الشهور الستة الأولى من عام 2019، وهو ما يعني أن الميزانية السعودية سوف تشهد عجزًا في الواقع أكبر مما هو مقدر، عند 4.2%.

وبلا شك، فإن الإنفاق العسكري له دور في أزمة التمويل التي تمر بها السعودية، منذ دخولها في الحرب على اليمن، وكذلك الدخول في أزمة حصار قطر، خاصة أن السعودية قبل هذه الأزمات كانت تتمتع بعلاقات جيدة على مستوى الجوار والإقليم.

وكانت إحدى النتائج السلبية للتوسع في الإنفاق العسكري السعودي، أن السياسة المالية عاودت اللجوء إلى تمويل الميزانية عبر الاقتراض والدين العام، والذي يتوقع له أن يصل بنهاية 2019 إلى نحو 678 مليار ريال.

سوء تقدير

مع نهاية بيان ميزانية 2019، تم ذكر التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي في ذلك العام، وهي انخفاض أسعار النفط، وتراجع أداء الاقتصاد غير النفطي، وتباطؤ الاقتصاد العالمي. ولم تتم الإشارة إلى حالة الحرب التي تعيشها السعودية منذ مارس 2015، وما يتكبّده اقتصاد من نفقات، كان من شأنها أن تخرجه من أزمته المالية والاقتصادية.

التحديات التي تناولها بيان ميزانية 2019 تتسم بالمصداقية، وهي حقيقة واقعة، ولكن من حق المواطن السعودي أن يعلم تكاليف هذه الحرب التي بدأت بلا هدف!

فالفرصة البديلة للإنفاق المتزايد على الجانب العسكري، هي تحسين أوضاع معيشة الأفراد، وإعفاؤهم من ضريبة القيمة المضافة، أو رفع أسعار السلع والخدمات، أو تلك الرسوم التي فرضت على العمالة الوافدة، وما أدت إليه من تداعيات اجتماعية واقتصادية سلبية على هذه العمالة.

بل إن الوضع الاقتصادي، في ظل استمرار سياسة زيادة الإنفاق العسكري، أدى إلى زيادة عدد الطالبين للدعم لمواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة، فنحو 63% من السعوديين تقدّموا إلى صندوق "حساب المواطن" للحصول على الدعم الذي رصدته الدولة لمواجهة الأعباء السلبية للإجراءات التقشفية التي نفّذتها مطلع 2017.

هناك سؤال مهم هو: إذا تم إغلاق ملف حرب اليمن، هل سيتحسن الوضع المالي السعودي؟

والإجابة تتوقف على فاتورة التعويضات التي ستفرضها الجهود الأممية المعنية بذلك، فضلًا عن العقوبات التي قد تنال السعودية في إطار ما سيوجه إليها من أفعال وصفها البعض بأنها جرائم حرب.