تشاد تلك الدولة مترامية الأطراف، التي تعاني من كونها تفتقد لوجود سواحل بحرية، تكمن مشكلتها الرئيسة في عدم الاستقرار السياسي والأمني، وقد شهد العالم مؤخرًا مقتل رئيسها إدريس ديبي، ومازالت الأمور هناك غير مستقرة.
ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على وضعها الاقتصادي، وتراجع مشروع التنمية.
وتعكس الأوضاع المالية هشاشة اقتصادها، ففي عام 2019 تراجعت احتياطياتها من النقد الأجنبي إلى 310 ملايين دولار فقط، وذلك حسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، في حين كانت قد بلغت هذه الاحتياطيات 1.18 مليار عام 2013، قبل أن تحل أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية.
وكان عامي 2016 و2017 هما الأسوأ فيما يتعلق برصيد احتياطي النقد الأجنبي بتشاد، حيث وصل هذا الاحتياطي إلى 8.5 ملايين دولار لا غير.
وفي ظل أزمة كورونا، لجأت تشاد إلى صندوق النقد الدولي، لمعالجة أوضاعها المالية والحصول على قرض سريع بنحو 183 مليون دولار من خلال شريحتين خلال النصف الأول من عام 2020، في ضوء إعادة ترتيب أوضاعها المالية، التي ازدادت خللًا بسبب التداعيات السلبية لجائحة كورونا، وكذلك تراجع أسعار النفط.
الجدير بالذكر أن تشاد كانت تصدر النفط على مدار نحو عقدين من الزمن، ولكن لم تستغل عوائد النفط لتأسيس مشروع تنموي، بل استغلت أموال النفط في شراء السلاح والحروب الداخلية، وشراء الولاءات، وفق مراقبين.
ونلقي الضوء من خلال السطور القادمة على الملامح العامة للاقتصاد في تشاد، عبر الإجابة عن مجموعة من الأسئلة
رغم أن البلاد تضم مساحة كبيرة من الأراضي، التي تبلغ 1.25 مليون كلم مربع فإن ناتجها المحلي شديد الضعف، فقد بلغ عام 2019 نحو 11.31 مليار دولار، في حين كان هذا الناتج قبل أزمة انهيار أسعار النفط عند 13.9 مليارا عام 2013، وانخفض بشكل كبير عام 2017، حيث بلغ 10 مليارات فقط.
وانعكس تراجع الناتج المحلي الإجمالي على نصيب الفرد فيها من الناتج. فبعد أن كان عام 2014 نحو 1020 دولارا، انخفض إلى 709 دولارات عام 2019، وكان عام 2017 الأكثر انخفاضًا لنصيب الفرد من الناتج المحلي حيث بلغ 665 دولارا.
ويعتمد الناتج المحلي الإجمالي على قطاعين مهمين، الأول الزراعة، والتي تمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وتساهم بنحو 80% من الصادرات السلعية، وتضم 80% من القوى العاملة هناك.
أما المصدر الثاني للناتج المحلي فهو النفط والغاز الطبيعي، حيث يتوفر لتشاد 1.5 مليار برميل من الاحتياطيات المؤكدة، حسب تقديرات عام 2018، ويبلغ الإنتاج اليومي 140 ألف برميل، يتم تصدير 90% منها.
يبلغ عدد السكان نحو 15.9 مليون نسمة، وفق أرقام عام 2019، والمستمدة من قاعدة بيانات البنك الدولي، وتصنف تشاد على مؤشر التنمية الإنسانية لعام 2020 -الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة- ضمن أقل دول العالم نموًا، فقد جاء ترتيبها في المرتبة 187 من بين 189 دولة شملها المؤشر.
ليس هذا فحسب بل إن البيانات المتعلقة بواقع الفقر متعدد الأبعاد، على مدار الفترة من 2008- 2019، تظهر صعوبة المستويات المعيشية، فقد بلغت نسبة الفقر متعدد الأبعاد خلال الفترة المذكورة 85.7% من إجمالي السكان، كما بلغت نسبة شدة الحرمان خلال نفس الفترة 62.3% من السكان.
من المتعارف عليه في الاقتصاديات النامية، وخاصة الأقل نموًا منها، أنها تحظى بارتفاع معدلات البطالة، ولكن من خلال الاطلاع على الأرقام الخاصة بمعدلات البطالة في تشاد، نجد أنها عند أقل معدلاتها، ففي عام 2020 تظهر بيانات البنك الدولي أن معدل البطالة بلغ 2.26%، في حين كان عام 2019 نحو 1.96%.
ويرجع السبب في ذلك إلى استيعاب قطاع الزراعة للعدد الأكبر من العاملين بالبلاد، ولا يعني ذلك أن العمل بهذا القطاع يعطي أجورا مجزية، أو يوفر بيئة عمل لائقة، أو يأتي في إطار الاقتصاد المنظم.
فواقع الفقر في تشاد يظهر مدى تدني الأجور، وقد لا يعني استيعاب قطاع الزراعة لهذا العدد الكبير من العاملين فرص عمل حقيقية، بقدر ما يعبر عن مجرد حشد لغياب الزراعة الحديثة.
تقرير الشفافية الدولية لعام 2020، يوضح أن تشاد لاتزال ضمن أكثر 20 دولة الأكثر فسادًا في العالم، حيث حصلت على 20 درجة فقط من درجات المؤشر البالغة 100 درجة، وحلت في المرتبة 160 من بين 180 دولة شملها التقرير.
وإن كانت تشاد قد تحسنت في ترتيبها عام 2020 إلى 160، حيث كانت عام 2019 في المرتبة 162، إلا أن ذلك لا يعني أن ثمة جهودا بذلت لمكافحة الفساد، بحسب مراقبين
ويعتقد محللون أن ارتفاع نسبة الفساد هناك يعود إلى ممارسة الرئيس إدريس ديبي الذي لقي مصرعه مؤخرًا في مواجهات مسلحة مع قوات المعارضة.
من الواضح أن تراجع أسعار النفط له أثر كبير على التجارة الخارجية لتشاد، وبخاصة الصادرات السلعية التي بلغت عام 2019 حوالي 2.62 مليار دولار، في حين كانت قيمتها عام 2012 نحو 4.8 مليارات.
أما الواردات السلعية فقد بلغت عام 2019 نحو 1.07 مليار دولار، وكانت عام 2014 نحو 4.4 مليارات.
وحسب بيانات عام 2016، فإن الشركاء التجاريين الكبار لتشاد يتمثلون في الولايات المتحدة والصين وفرنسا، بالإضافة إلى الكاميرون، باعتبارها دولة المنفذ الخارجي للتجارة الخارجية لتشاد بالإضافة إلى نيجيريا، وإن كانت الأخيرة بحكم عدم الاستقرار السياسي فيها تعد أقل من الكاميرون في تصريف تجارة تشاد الخارجية.
وتعد فرنسا المورد الأكبر لتشاد بنسبة 21.1% من وارداتها الإجمالية، في حين تستوعب الولايات المتحدة 51.3% من الصادرات السلعية لتشاد.
وتتمثل الصادرات السلعية لتشاد في البترول الخام، والقطن الخام، والماشية الحية، واللحوم والأسماك، في حين أن وارداتها السلعية هي العدد والآلات، والمواد الغذائية، والمنسوجات.
بحكم وجود النفط في تشاد، فلا سبيل لاستخراجه، إلا عبر الشركات الأجنبية، حيث لا تسمح إمكانياتها بالدخول في استثمار كثيف لرأس المال مثل استخراج النفط، لذلك نجد أن هناك 3 شركات كبرى تعمل في مجال النفط هناك، وإن كانت الكميات التي يتم تصديرها محدودة بحجم صادرات دول أخرى، ولكن الشركات الكبرى عادة ما توجد في مثل هذه الأسواق ليكون لها اليد العليا في حالة تطور الاكتشافات وزيادة معدلات الإنتاج فيما بعد.
وتوجد في تشاد شركات نفطية مثل الوطنية الصينية (Cnpcic) وإكسون موبيل (Exxonmobil) وغلينكور (Glencore).
وفيما يتعلق بالاقتصاد الداخلي، من حيث التجارة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، فقد حرص النظام في عهد ديبي -يقول محللون- على أن تكون في إطار رجال أعمال داعمين له، أو ممن لهم ارتباط بزعماء القبائل التي تدعمه.
ووفق هؤلاء لا يتمتع الاقتصاد في تشاد بقدر كبير من الشفافية، وثمة وقت طويل حتى ترى نشاطا اقتصاديا يعود بثمار إيجابية على شريحة كبيرة من الشعب هناك.