تمثل تجربة الآسيان أحد التجارب الناجحة للدول النامية، وتُستخلص منها دروس كثيرة للنهوض من حالة التخلف، ويضم التجمع عشرة دول (إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، بروناي، فيتنام، لاوس، ميانمار، كمبوديا).
ويصل الناتج المحلي للآسيان إلى 2.3 تريليون دولار في عام 2013، كما يبلغ متوسط معدل النمو 5.1%، وتبلغ حصة التجارة الخارجية للآسيان 2.5 تريليون دولار، نصيب التجارة البينية منها 608.6 مليار دولار، وبما يعادل نسبة 25%، ويستحوذ التجمع على 122.3 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وقد قام تجمع الآسيان على مجموعة من المبادئ المهمة منها: حل النزاعات بالطرق السلمية، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء، واحترام الاستقلال والسلامة الإقليمية، وعدم دعوة القوى الخارجية للتدخل في صراعات المنطقة وحلها في إطار التجمع.
ولكن من الصعب التغاضي عن الجرائم الإنسانية التي ترتكب في بعض دول التجمع، ومن أبرزها ما يواجهه مسلمو "الروهنجيا" في ميانمار.
وتحمل وكالات الأنباء العالمية خلال الساعات الماضية مأساة المهاجرين غير الشرعيين من "الروهنجيا"، والذين حملتهم مجموعة من المراكب على شواطئ إندونيسيا وماليزيا وتايلاند، وقد امتنعت هذه الدول عن استقبالهم.
وتذهب حكومات ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند إلى ضرورة الوصول لحل سياسي لقضية هؤلاء المهاجرين، وكأن الحل السياسي يمكن أن يتم وهؤلاء المعذبين يواجهون الموت على شواطئ البحار، لقد تحركت ماليزيا مؤخرًا لانقاذ بعض المراكب من الغرق على شواطئها، ولكنها لم تستقبل المهاجرين إليها من "الروهنجيا".
إن المبادئ التي قام عليها تجمع الآسيان مهمة وإيجابية من زاوية، وشديدة السلبية من زوايا أخرى، مثل تلك التجاوزات التي تتم على مدار عقود ماضية من قبل حكومة ميانمار تجاه مسلمو "الروهنجيا".
فعلى الرغم من انعقاد قمة الآسيان بماليزيا في أبريل/نيسان الماضي، لم تبحث المجموعة في إطار اجتماعها عن حل سياسي لقضية "الروهنجيا".
إن إقامة أية تجمع يجعل من الاقتصاد واجهته الأولى، دون الاعتبار للأوضاع الإنسانية، كشف عن وجهة آخر لتجمع الآسيان، يتسم بالسلبية تجاه قضية انسانية لا تحتاج إلى دليل.
فلا يعقل أن يعلن أن حل القضية يكمن في حل سياسي والمهاجرين يتعرضون للموت على شواطئ ثلاث دولة من دول الآسيان، أو أن يطلب أحد الأطراف من هؤلاء المهاجرين العودة إلى بلادهم، وهم معرضون للموت.
إن عرض قضية "الروهنجيا" ليس ابتزازًا سياسيًا، أو تشجيع على الهجرة غير الشرعية، ولكنه دعوة لتحقيق حالة نجاح لتجمع تجاوز مشكلاته الاقتصادية، ولديه فرصة للنجاح على الصعيد الإنساني، فالإنسان جوهر عملية التنمية.