الرئيسية / الاقتصاد العالمي / المنطقة الحرة الأوروبية الأمريكية العرب قد يطولهم من الحب جانب

المنطقة الحرة الأوروبية الأمريكية العرب قد يطولهم من الحب جانب

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 14-02-2013
  • 115
المنطقة الحرة الأوروبية الأمريكية العرب قد يطولهم من الحب جانب
  • المصدر: موقع الأناضول

في خطوة جديدة لم يكن يتوقعها البعض، أُعلن عن توافق كل من الاتحاد الأوروبي وأمريكا على بدء المحادثات الخاصة بإنشاء منطقة تجارة حرة بين الطرفين، على أن تدخل حيز التنفيذ مطلع عام 2014.

وكان قادة الاتحاد الأوروبي قد أطلقوا مبادرتهم يوم الجمعة الماضي الموافق 8 نوفمبر الحالي، وعولوا كثيرًا على موافقة الرئيس الأمريكي على مقترحهم، وهو ما تحقق بالفعل، حيث أتت موافقة أوباما على بدء المباحثات خلال خطابه السنوي عن حالة الاتحاد الثلاثاء 12 فبراير الحالي.

ويرجع توقع البعض في الماضي بعدم إقدام الطرفين على هذه المبادرة إلى الخلافات بينهما منذ الأزمة المالية العالمية حول طريقة التعامل والسياسات الاقتصادية الواجب اتباعها لمواجهة الأزمة، فأمريكا كانت تتبنى وجهة نظر تعتمد على زيادة الإنفاق العام وإنعاش الطلب العالمي، بينما كانت أوروبا تتخوف من قضية المديونية وزيادة العجز بالموازنات العامة للدول أعضاء الاتحاد الأوروبي.

وبشكل عام فإن موقف كل منهما مختلف تجاه حرية التجارة، فأوروبا ليس لديها مشكلات في تحرير التجارة وتدعو إلى ذلك ،بينما نجد أمريكا على العكس من ذلك حيث تميل إلى ممارسة الحماية الجمركية.

ولعل فرض رسوم الإغراق الأمريكية على واردات الحديد من الاتحاد الأوروبي واليابان حاضرة في الأذهان إبان تولي بوش الابن السلطة في أمريكا. وهي أحد القضايا التي نظرتها إدارة فض المنازعات بمنظمة التجارة العالمية، وألغت رسوم الإغراق الأمريكية.

القدرات الاقتصادية

في حالة نجاح منطقة التجارة الحرة بين الطرفين فهذا معناه أن المنطقة ستضم  850 مليون نسمه يمثلون 11.7 % من سكان العالم، ولكن العبرة هنا في عدد السكان هو متوسط دخل الفرد، حيث يعد متوسط الدخل لدى الطرفين من أعلى معدلات متوسطات الدخول بين سكان العالم، وبالتالي سوف ينعكس ذلك إيجابيًا على حجم النشاط الاقتصادي.

كما يستحوذ الطرفان على نحو 33 تريليون دولار كناتج محلي إجمالي يمثل نحو 47 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي البالغ 69.9 تريليون دولار في عام 2011. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين 645 مليار دولار، كما يصل نصيب كل من الاتحاد الأوروبي وأمريكا على نحو 40 % من حجم التجارة العالمية.

ومن جهة أخرى فإن الطرفين يتمتعان بانخفاض معدلات التضخم بين باقي مناطق العالم، حيث يبلغ معدل التضخم في أمريكا 1 % وفي أوروبا 1.1 %.

ولكن لابد أن نأخذ في الاعتبار أن كلا الطرفين لا يزالا يعانيان من الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية، وبخاصة في ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو، فمعدلات البطالة في الاتحاد الأوروبي بلغت 10.7 % في ديسمبر 2012 مقارنة بنحو 10 % في نفس الشهر من العام الماضي، بينما معدلات البطالة في امريكا خلال عام 2012 كانت بحدود 8 %.

وفي منطقة اليورو لا يزال معدل النمو الاقتصادي بحدود 1.5 %، بينما في أمريكا 1.8 %، وهي معدلات لا تتناسب مع التحديات الاقتصادية التي يواجها الطرفان. كما لازالت قضية التمويل خانقة، سواء فيما يتعلق بقضية الديون أو عجز الموازنة، ففي أمريكا تجاوز الدين العام نسبة 100% من الناتج المحلي هناك، وفي العديد من الدول الأوروبية تجاوز الدين العام المحلي معدلات 100 % من الناتج المحلي الإجمالي أيضًا.

الآثار الاقتصادية للاتفاقية

 ثمة مخاوف قد تواجه اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وعلى رأس هذه المخاوف الكونجرس الأمريكي وهو حمائي بطبعه، وقد يقف حجر عثرة في وجه التوقيع على الاتفاقية، والأمر الآخر هو تلك المشكلات العالقة في العلاقات التجارية بين الطرفين مثل المواد الزراعية المنتجة في إطار الهندسة الوراثية، حيث تعترض دول الاتحاد الأوروبي على دخول هذه السلع لأراضيها، بينما تطالب أمريكا بضرورة دخول هذه السلع لحيز التجارة البينية.

وفي ظل نجاح الطرفان في التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة، فسوف يؤدي ذلك إلى زيادة تكريس تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في هذه الدول عما هو عليه الآن، ومعنى ذلك أن الدول النامية والصاعدة سوف تتأثر سلبًا وفق مؤشر تدفق الاستثمارات الأجنبية، في الوقت الذي تحتاج فيه كل من الدول النامية والصاعدة لهذه الاستثمارات بشكل كبيرة لمواجهة مشكلات التنمية، فضلًا عن مواجهة الزيادة السكانية والفقر.

 إلا أن بعض الدول الصاعدة التي لديها وفورات مالية مثل الصين التي تمتلك نحو 4 تريليون دولار كاحتياطي من النقد الأجنبي، قد تتوجه بهذه الاستثمارات لسوق الاتحاد الأوروبي وأمريكا لإنتاج سلة ذات منشأ أمريكي أو أوروبي لتستفيد من مزايا الإعفاء الجمركي الذي تتيحه منطقة التجارة الحرة، وبذلك تتلاشى الصين حاجز تراجع منتجاتها تنافسيًا بهذه الأسواق.

وقد يدفع اتفاق المنطقة الحرة للاتحاد الأوروبي وأمريكا تجمع دول البريكس (الصين، الهند، روسيا، البرازيل، جنوب أفريقيا ) إلى خطوة مماثلة، وهو تجمع يضم الدول الصاعدة، ولديه معدلات نمو اقتصادي جعلت معظم بلدانه أقل تأثرًا بالتداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية. وهو ما يعني استمرار محور التوصيف الاقتصادي "الشمال  - شمال"، و"الجنوب – جنوب". في حين كانت منظمة التجارة العالمية تستهدف وجود نظام تجاري عالمي يضم كافة الفاعلين التجاريين على مستوى العالم.

ومن شأن هذا التجمع بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا أن يقوي موقفهما في جولة مفاوضات الدوحة التي بدأت في عام 2001 ولم تنته بعد، بسبب إصرار كل من الاتحاد الأوروبي وأمريكا من جهة على استمرار تقديم الدعم للقطاع الزرعي لديهما، بينما تطالب الدول النامية وعلى رأسها الدول الصاعدة بإلغاء هذا الدعم وتحرير تجارة السلع الزراعية أسوة بالسلع الصناعية، حيث ترى الدول النامية أن بقاء دعم القطاع الزراعي لدول الاتحاد الأوروبي وأمريكا نوع من الحماية ضد المنتجات الزراعية للدول النامية في الأسواق الأوروبية والأمريكية، إذ تكون المنافسة لصالح السلع المدعومة في هذه الأسواق.

ومن القضايا الجامعة بين الطرفين" الامريكى – الأوروبي" موضوع الطاقة النظيفة، وكليهما ينفق مبالغ طائلة على هذا المجال من استخدامات الطاقة الجديدة والمتجددة، وبلا شك أن تبادل التكنولوجيا في هذا المجال سوف يقوي موقفهما التنافسي، كمنتجين لتكنولوجيا الطاقة الجديدة والمتجددة.

موقف المنطقة العربية من الاتفاقية

نجد بالمنطقة العربية اتفاقيات مع الطرفين، ولكن بشكل قُطري وليس بالشكل الإقليمي، حيث ترتبط كل من مصر وتونس والمغرب باتفاقيات شراكة مع دول الاتحاد الأوروبي، بينما ترتبط كل من عمان والبحرين والأردن باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وبحكم ما هو متعارف عليه في اتفاقيات التجارة الحرة فإن المستفيد من الإعفاء الجمركي الناتج عن هذه الاتفاقيات السلع ذات المنشأ بالدول الأعضاء، وبالتالي فإن أيًا من الدول العربية التي لديها اتفاقيات شراكة أو مناطق حرة مع الطرفين لن تستفيد من الإعفاءات الجمركية، لأنها تفتقد لشروط المنشأ الأوروبي أو الأمريكي.

وبالتالي ليس أمام الأطراف العربية إلا أن تتوجه باستثماراتها إلى كل من الاتحاد الأوروبي وأمريكا لكي تنتج سلعًا على أراضي تلك الدول لتسفيد من الإعفاء الجمركي، وهو أمر لا يتناسب مع الظروف الاقتصادية للمنطقة العربية الآن، حيث تنادي الأصوات الداعية للتعاون الاقتصادي العربي بضرورة عودة الاستثمارات العربية للمنطقة، لتحقيق طفرة اقتصادية تواجه الفقر والبطالة والتبعية الاقتصادية بدول المنطقة.  

وسوف تفرض المنطقة الجديدة المزمع إنشاها بين أمريكا والاتحاد الأوروبي تحد جديد أمام صادرات الدول العربية إلى كل من أمريكا وأوروبا، فمثلًا ستجد المنتجات العربية المصدرة لأوروبا منافسا قويا بحجم الاقتصاد الأمريكي، كما ستواجه نفس الموقف في أمريكا في وجه المنتجات الأوروبية.

ولعل هذه التحديات تدفع الدول العربية لتوطيد أواصر التعاون الاقتصادي بينها، لتزيد من حجم التجارة البينية، وكذلك تستفيد من التعاون مع كيان إقليمية أخرى تستطيع أن تعظم تجارتها وتعاونها الاقتصادي معها، وأن تتخلص من عقدة تركز تجارتها في الاتحاد الأوروبي أو أمريكا، حيث يعد الطرفان أكبر الشركاء التجاريين لدول المنطقة.

وعمومًا فاتفاقية التجارة الحرة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي تعد خطوة لإحياء مقولة الكيانات الاقتصادية الكبرى، التي ظن البعض أنها إلى زوال بعد الأزمة المالية العالمية في نهاية عام 2008، لما اعترى اقتصاديات أمريكا واوروبا من مشكلات، وكذلك بعد ما حدث في الأزمة الأوروبية وتداعي اقتصاديات بعض الدول المشاركة في الاتحاد مثل اليونان واسبانيا وايطاليا وبلغاريا، مما أوجد بعض المقولات التي تتنبأ بانهيار الاتحاد الأوروبي. وعلى أية حال فإننا بصدد مبادرة قد يكتب لها النجاح أو الفشل، وسوف يكون لكلا السيناريوهين ما يمكن قوله في حينه.