الرئيسية / الاقتصاد العالمي / العلاقات الاقتصادية المصرية التركية: الواقع والآفاق

العلاقات الاقتصادية المصرية التركية: الواقع والآفاق

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 13-03-2016
  • 106
العلاقات الاقتصادية المصرية التركية: الواقع والآفاق
  • المصدر: المعهد المصري للدراسات

مثلت التجربة التنموية لتركيا، مصدر إعجاب وإلهام لدى قطاع عريض من المصريين، وبخاصة أن تجربة تركيا مع حزب العدالة والتنمية في عام 2002 بدأت من ظروف مشابهة اقتصاديًا واجتماعيًا للأوضاع في مصر.

كما أن الملمح البارز الذي جذب المصريين للتجربة التركية، أنها تعاملت مع التحديات في ضوء تعظيم مصالحها الاقتصادية والسياسية، في إطار أجندة وطنية، فضلًا عن الخصوصية الإسلامية التي مثلت مرجعية حزب العدالة والتنمية، وإن لم يفصح عنها نظريًا، ولكنها كانت بادية من خلال السلوك والممارسة، بترسيخ قيمة العدل والحرية، وامتداد العلاقات مع الدول العربية والإسلامية.

ولذلك كانت التجربة التركية حاضرة بقوة بعد ثورة 25 يناير، لدى شريحة كبيرة من الثوار في مصر، سواء من الإسلاميين أو غيرهم، وبعد وصول الإسلاميين للسلطة في مصر، وعلى رأسهم حركة الإخوان المسلمين، كانت أحلام رجل الشارع بمصر، أن ينقل الإخوان تجربة تركيا، للخروج من دوامة الفقر والبطالة، والبدء في مراحل النمو وتحقيق طفرات إنتاجية حقيقية تغير من وجه مصر المتخلف اقتصاديًا واجتماعيًا.

ولكن بعد الانقلاب العسكري بمصر في 3 يوليو 2013، بدأت هذه الصورة الناصعة لتركيا تتعرض لأكبر عملية تشويه، وتصوير الأتراك على أنهم المحتلون العثمانيون الجدد، بل أصبح كل ما هو تركي محل تسفيه من قبل إعلام الانقلاب العسكري بمصر. وتمت عمليات تصعيد سياسي من قبل مصر بعد معارضة تركيا للانقلاب العسكري، فتم الإعلان عن عدم رغبة بقاء السفير التركي بمصر، وتم تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وفي أبريل 2015 تم إلغاء اتفاقية الترنزيت “الرورو” من خلال عدم تجديدها من قبل مصر.

إلا أن التعاملات التجارية والاقتصادية ظلت قائمة بين البلدين، وإن تعرضت لبعض التراجع، ولكنه يعزي بشكل رئيس للأوضاع الاقتصادية المصرية، ومواجهتها لعدة أزمات اقتصادية، وليس لاعتبارات تخص العلاقات الاقتصادية والتجارية البينية مع تركيا.

مشكلة البحث

بعد انقلاب 3 يوليو 2013، اعترت مصر الكثير من المتغيرات الاقليمية والدولية، مما يجعلنا بحاجة لقراءة مستقبل العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا، وهل يمكن أن تؤثر العلاقات السياسية الحالية واستمرار تقوقعها على المزيد من التراجع في العلاقات الاقتصادية بين البلدين؟ والعكس كذلك هل من شأن عودة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين أن تحقق مصالح اقتصادية لتركيا، أكبر مما هي عليه الآن؟

هدف البحث

قراءة وقع العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا قبل وبعد الانقلاب العسكري بمصر، واستشراف مستقبل تلك العلاقات في ظل توتر العلاقات السياسية بين البلدين، والإجابة على سؤال هل عودة العلاقات المصرية التركية من شأنها أن تفضي إلى مصالح للبلدين؟

النطاق الزمني للبحث

اقتصرت الفترة التي يغطيها البحث على المتاح من بيانات عن السنوات من 2011 – 2015، أما ما يتعلق بالاستثمارات المباشرة، فتم مد أجل تلك الفترة لتشمل تغطية أكبر للاستثمارات التراكمية.

صعوبات الدراسة:

تضارب البيانات الرسمية من قبل البلدين، فيما يتعلق بالمؤشرات التي ترصد العلاقات بينهما، في المجال التجاري والاستثمار، وكذلك اختلاف المعيار الزمني الخاص برصد البيانات، حيث تعتمد البيانات المصرية بشكل عام على العام المالي المصري ( أول يوليو – نهاية يونيو)، بينما البيانات التركية تصنف وفق العام الميلادي. فضلًا عن عدم اتاحة البيانات من الجانب المصري بشكل منتظم فيما يتعلق بالتعاملات التركية، كما هو موجود في أعداد السائحين الأتراك بمصر، وكذلك البيانات الخاصة بعدد الشركات التركية، وحجم رؤوس أموالها، كما عرضته بيانات وحدة المناطق الصناعية المؤهلة، بوزراة التجارة والصناعة المصرية.

محتويات الدراسة:

أولاً: التبادل التجاري بين مصر وتركيا

ثانياً: الاستثمارات المتبادلة

ثالثاً: الحركة السياحية بين البلدين

 

أولًا: التبادل التجاري بين مصر وتركيا

تعكس حركة التبادل التجاري بين الدول، طبيعة العلاقات الاقتصادية، كما تساعد على التنبؤ بمستقبل هذه العلاقات، وأيضًا تفسر هذه العلاقات طبيعة الأداء الاقتصادي لكلا الدولتين، وأيهما يعتمد على الآخر.

تشمل الصادرات التركية لمصر سلع (حديد التسليح، الأسمنت، الكيماويات، المنسوجات، السيارات، السلع الكهربائية)، بينما تشمل الواردات التركية من مصر سلع (السماد، الرمال، الكيماويات، الملابس الجاهزة، الملح، البولي إثلين)

وفيما يلي نستعرض العلاقات التجارية السلعية بين مصر وتركيا، وما توصل إليه الباحث من استنتاجات ليستقرأ في ضوئها مستقبل العلاقات التجارية بين البلدين1.

الميزان التجاري بين مصر وتركيا الفترة 2011 – 2015 (بالميلون دولار)

المصدر: المعهد التركي للاحصاء، تم تجميع بيانات الجدول وحساب النسب بواسطة الباحث

من خلال بيانات الجدول عاليه، يمكن رصد مجموعة من الملاحظات، التي تفسر واقع العلاقات التجارية السلعية بين مصر وتركيا، خلال الفترة محل عمل البحث، والتي يمكن إيجازها فيما يلي:

1ـ إن إجمالي التبادل التجاري كان الأفضل في عام 2012 من بين سنوات الفترة، إذ بلغ 5.02 مليار دولار، وشهد تراجعًا خلال الأعوام التالية ليصل إلى 4.3 مليار دولار في عام 2015، بانخفاض يصل إلى 0.67 مليار دولار، ولكن يلاحظ أن التراجع في عام 2015 لم يمثل الحد الأدنى للتبادل التجاري بين البلدين، إذ كان عام 2011 أقل من حيث التبادل التجاري مقارنة بعام 2015، ففي عام 2011 كان حجم التبادل التجاري 4.1 مليار دولار، بينما في عام 2015 بلغ التبادل التجاري بين البلدين 4.3 مليار دولار.

2ـ قد يفسر التراجع في التبادل التجاري بين مصر وتركيا في إطار الخلاف السياسي منذ الانقلاب العسكري بمصر في يوليو 2013، ولكن الأسباب الحقيقة لهذا التراجع تعود لتدهور الأوضاع الاقتصادية خلال هذه الفترة بمصر، حيث تراجعت الصادرات المصرية بعد الانقلاب، ويظهر ذلك من خلال تراجع الواردات التركية من مصر في عامي 2014 و2015 على التوالي، وفي نفس الوقت زادت الواردات المصرية بشكل عام، ولكن كان السبب في زيادة الواردات المصرية حصة مصر من الواردات البترولية، وهي سلعة لا تصدرها تركيا، وعند قراءة الأرقام الخاصة بين مصر وكل من الإمارات والسعودية، نجد أنها ارتفعت بصورة ملحوظة، ويعود ارتفاعها بشكل واضح لواردات مصر البترولية.

3ـ مثل عام 2012 أفضل معدلات الأداء لصادرات التركية لمصر ليبلغ 3.6 مليار دولار، وأخذ في التراجع على مدار الأعوام 2013 و2014 و2015، ليصل في عام 2015 إلى 3.1 مليار دولار، ولكن يلاحظ أنه على الرغم من هذا الانحدار، أنه لم يتراجع إلى معدلات أداء عام 2011، حيث كانت الصادرات التركية لمصر بحدود 2.7 مليار دولار. ولابد أن نأخذ في الاعتبار العقبات والتحديات التي عانى منها المستوردون المصريون بعد الانقلاب العسكري، بسبب تراجع قيمة العملة المصرية، وصعوبة الحصول على العملة الصعبة من البنوك، فضلًا عن القيود التي وضعها البنك المركزي المصري للتعامل بالنقد الأجنبي للأفراد والشركات، مما ساعد على إحداث تأثير سلبي لأداء الواردات المصرية من تركيا.

3ـ من الأهمية بمكان الإشارة إلى حصة الصادرات التركية لمصر كنسبة من إجمالي الصادرات الإجمالية لتركيا، فتوضح البيانات أن صادرات تركيا لمصر مثلت في أفضل حالتها 2.4% في عام 2014، وتراجعت في عامي 2013 و2014 لتصل إلى 2.1% في العامين. ثم عاوت هذه النسبة للارتفاع في عام 2015 لتصل إلى 2.2%، وعلى الرغم من أنها لم تصل إلى النسبة الخاصة بعام 2012، إلا أن معدلات التراجع في تلك النسبة لم تصل إلى معدلات 2011. وبشكل عام نجد أن نسبة الصادرات التركية لمصر من إجمالي الصادرات الإجمالي لتركيا، متدنية، ولا تعكس درجة عالية من الأهمية فهي بحدود 2.1% في المتوسط سنويًا على مدار الفترة من 2011 – 2015.

4ـ أيضًا يلاحظ أن الواردات التركية من مصر في عام 2015 هي الأقل بين السنوات الخمس محل عمل البحث، حيث بلغت 1.2 مليار دولار، بينما كانت في عام 2011 بحدود 1.3 مليار دولار، بينما كانت الورادات التركية من مصر في أفضل حالاتها في عام 2013 بنحو 1.6 مليار دولار. ويعود تراجع الواردات التركية من مصر إلى الصعوبات التي واجهتها الصادرات المصرية بشكل عام، من حيث عدم الاستقرار السياسي والأمني في مصر من جهة، ومن جهة ثانية إلى عجز إمدادات الطاقة في مصر للصناعة بعد الانقلاب العسكري، وكذلك صعوبات الحصول على العملات الصعبة لتدبير مستلزمات الإنتاج، وهو ما يعني أن الصادرات المصرية تعتمد على الواردات بشكل كبير.

5ـ أما عن أداء واردات تركيا من مصر كنسبة من إجمالي الواردات التركية، فيلاحظ أن النسبة في معدلات غاية في التدني، فتراواحت بين أدنى معدل في عام 2012 بنسبة 0.56%، و0.64% عام 2013. أي أن واردات تركيا على مدار خمس سنوات من مصر لم تصل في أي عام إلى نسبة 1% من إجمالي وارداتها، ويعود ذلك إلى طبيعة الصادرات المصرية، فهي سلع تنافسية مع المنتجات التركية، مثل الملابس الجاهزة، أو القطن، أو المواد الكيماوية.

وفي إطار هذه الاعتبارات يمكن الوقوف على عدد من الاستنتاجات الأساسية:

(أ) فيما يتعلق بمستقبل العلاقات التجارية السلعية بين مصر وتركيا، أنها يمكن أن تشهد تراجعًا خلال الفترة المقبلة، ولكن مرجع هذا الأمر يعود للأوضاع الاقتصادية في مصر، من حيث صعوبة توفير العملات الصعبة للمستوردين من جهة، ومن جهة ثانية القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية بشأن ترشيد الاستيراد، وكذلك فرض الحكومة المصرية رسم إغراق على بعض المنتجات التركية2، وبلا شك سوف يكون لها تأثيرها السلبي على الصادرات التركية لمصر خلال الفترة المقبلة، وقد تصل إلى حدود نسبة 30%، بسبب أن معظم الصادرات التركية في شكل منتجات نهائية، ولها بديل محلي في مصر.

(ب) ثمة تفسير خاطئ لتراجع الصادرات التركية لمصر، في إطار ما يبثه الإعلام المصري من مشاعر سلبية تجاه تركيا كدولة، وتجاه المنتجات التركية التي طالبت بعض وسائل الإعلام وكذلك سياسيو الانقلاب بمقاطعتها. فعلى الجانب الآخر وجد أن ثمة حملات إعلامية مضادة وهي أكثر تأثيرًا من قبل الداعمين للشرعية، بتفضيل المنتج التركي على غيره من المنتجات المستوردة، وأخرها ما طرح من أن المنتجات التركية تصلح كبديل بشكل كبير للمنتجات الفرنسية والروسية، بعد حملات الاعتداء من قبل فرنسا وروسيا على الإسلام والمسلمين.

(ج) يلاحظ أن قيام مصر بإلغاء اتفاقية (الرورو) المنظمة لنقل الصادرات التركية لدول الخليج في أبريل 2015، وعدم تجددها، واجهته تركيا بالتعامل مباشرة مع الموانئ السعودية، واعتبرها نقطة توزيع أو ترنزيت لبقية دول الخليج.

(د) قد تواجه الصادرات التركية لمصر خلال الفترة القادمة بعض العقبات بسبب اتجاه الشركات السعودية والإماراتية للسيطرة على الاقتصاد المصري، سواء فيما يتعلق بالسلع الغذائية، أو الخدمات المالية، أو الخدمات الصحية.

(هـ) إذا كان هناك تراجع في التبادل التجاري بين مصر وتركيا، فإنه نال كلا الدولتين، ولكن بمعدلات ضعيفة، ورغم ارتفاع حدة الخلاف السياسي، إلا أنه لم يصل إلى درجة المقاطعة الاقتصادية أو الوصول لمعدلات انخفاض مخيفة. وفيما يخص تركيا فيمكن تعويضه من خلال الفرصة التي خلقتها حالة رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، حيث يمكن للمنتجات التركية أن تنافس في السوق الإيراني بقوة لاستيفائها شروط الدخول للأسواق الأوروبية، ومن جهة أخرى القرب الجغرافي.

 

ثانيًا: الاستثمارات المتبادلة:

إذا كانت حركة التبادل التجاري بين أي بلدين تعبر عن طبيعة العلاقة بينهما، فإن الاستثمارات المتبادلة تؤدي إلى عمق أكبر في تلك العلاقات، لذلك تحرص الدول النامية وصاحبة أي مشروع تنموي ناجح على استقدام الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ولذلك يلاحظ أن العلاقات الاستثمارية من قبل تركيا تجاه مصر بدأت بعد عام 2005، أي في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، الذي تبنت استراتيجية الاتجاه شرقًا لتحقيق التوازن في علاقات تركيا بالغرب، وتخفيف حدة ضغوط أوروبا لقبول تركيا بعضوية الاتحاد الأوروبي.

1ـ البيانات التركية عن الاستثمارات المتبادلة3 (القيمة بالمليون دولار)

ومن واقع الجدول: بلغ إجمالي الاستثمارات التركية (978) مليون دولار، والمصرية (58) مليون دولار، وهنا يمكن الوقوف على عدد من الملاحظات:

(أ) من خلال القيم المطلقة للاستثمارات المتبادلة بين مصر وتركيا، نجد أن الفارق كبير بين مساهمة الاستثمارات التركية في مصر، وبين الاستثمارات المصرية في تركيا، فعلى مدار الفترة من 2001- 2014 وصلت الاستثمارات التركية بمصر إلى 978 مليون دولار، بينما كانت استثمارات مصر بتركيا بحدود 58 مليون دولار فقط. وتمثل الاستثمارات المصرية بتركيا 6% تقريبًا من حجم استثمارات تركيا بمصر.

(ب) يلاحظ أن الاستثمارات التركية كثفت من حجمها وحضورها في مصر منذ عام 2007، بنحو 38 مليون دولار في ذلك العام، ثم بلغت ذروتها لتصل إلى تدفق سنوي 202 مليون دولار في عام 2013، وترجع هذه الزيادة السنوية في الاستثمارات التركية بمصر، من وجهة نظر الباحث لسببين:

الأول: أن توقيع مصر على اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (كويز) مع الكيان الصهيوني وأمريكا، وكذلك تفعيل اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية في فترة قريبة من هذا التوقيت، شجع الاستثمارات التركية على التواجد في السوق المصري للاستفادة من المزايا التي تتيحها تلك الاتفاقيات، حيث ستنفذ المنتجات التركية المصنوعة بمصر إلى الأسواق الأوروبية وأمريكا على اعتبار أنها منتجات مصرية.

السبب الثاني، أن تركيا رسخت لتوجهها الاستراتيجي بالتوسع شرقًا وزيادة تعاملاتها التجارية والاقتصادية مع الدول العربية، وتمثل مصر محور مهم في هذه الاستراتيجية، لاعتبارات الموقع والسكان وكذلك البعد التاريخي والحضاري.

(ج) على الرغم من أهمية أية مبالغ للاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر، إلا أن حجم الاستثمارات التركية، لا يزال ضعيفًا وغير مؤثر بشكل كبير على حركة الاقتصاد المصري، فبالنظر إلى المتوسط السنوي لتلك الاستثمارات على مدار نحو 14 سنة، نجد أنه بحدود 70 مليون جنيه سنويًا تقريبًا، وهو مبلغ متواضع مقارنة بما كانت تحصل عليه مصر من تدفقات الاستثمار الأجنبي في تلك الفترة، والتي كانت تتراوح في المتوسط بنحو 6 مليارات دولار، وإن كان أغلبها يذهب للصناعات الاستخراجية في مجال النفط والغاز.

(د) نفس الملاحظة يمكن رصدها على أداء الاستثمارات المصرية المباشرة في تركيا، فمتوسطها السنوي على مدار 14 سنة، بلغ نحو 4.1 مليون دولار تقريبًا. وهو مبلغ شديد التواضع مقارنة بحصة تركيا من الاستثمارات الأجنبية، والتي كانت لا تقل عن 13 مليار دولار سنويًا في المتوسط بنفس الفترة5.

2ـ البيانات المصرية عن الاستثمارات التركية6

التدفق السنوي للاستثمارات التركية المباشرة لمصر الفترة (2004/2005 – 2014/2015) (القيمة بالمليون دولار)

المصدر: تم إعداد الجدول بمعرفة الباحث من خلال البيانات الخاصة بالنشرة الاقتصادية الشهرية للبنك المركزي المصري، أعداد ديسمبر للأعوام 2015، و2010، و2005.

(أ) على مدار 11 سنة بلغت الاستثمارات التركية المباشرة تراكميًا نحو 402.3 مليون دولار، وبمتوسط سنوي يصل إلى 36.5 مليون دولار، ويعد عام 2012/2013 هو الأفضل بالنسبة لاستقبال مصر للاستثمارات التركية المباشرة، حيث بلغت في هذا العام 169 مليون دولار، بينما يُعد عام 2004/2005 هو الأقل من حيث تدفق تلك الاستثمارات بنحو 0.2 مليون دولار، ويمكن تفسير تزايد الاستثمارات التركية في عام 2012/2013، بحالة التفاؤل التي سادت مستقبل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين مع مجيئ الدكتور محمد مرسي كأول رئيس مدني منتخب بمصر، حيث توقع الكثيرون حدوث أفاق إيجابية للعلاقات بين البلدين، لما يجمع بين المشروع التركي والمصري في هذا العام من عوامل الاستقلال والرغبة في بناء اقتصاديات تنموية.

(ب) نفس الملاحظة التي تم ذكرها على البيانات التركية، تؤكدها البيانات المصرية، وإن اختلفت الأرقام، فمع بداية عام 2006/2007، بدأت الاستثمارات التركية تزيد من حجم تواجدها في مصر، للأسباب التي ذكرنها من قبل، للاستفادة من الاتفاقيات الدولية، والتوسع التركي شرقًا.

لكن في ضوء التعرف على طبيعة تلك الاستثمارات، وتواجدها القطاعي، يمكننا قراءة ذلك من خلال البيانات المتاحة من وزارة التجارة والصناعة المصرية، وإن كانت قاصرة عند الفترة 2008/2009.

3ـ بيان بحجم الاستثمارات التركية في مصر في نهاية عام 2008/2009 (القيمة بالمليون جنيه)

المصدر: الهيئة العامة للاستثمار، نقلًا عن وحدة المناطق الصناعية المؤهلة، بوزارة التجارة والصناعة المصرية، الرابط

(أ) يلاحظ أن الشركات الصناعية تستحوذ على النسبة الأكبر من تواجد الاستثمارات التركية بمصر، حيث يصل عددها إلى 60 شركة، وبما يمثل نحو 28.7% من إجمالي الشركات التركية العاملة في مصر، أما بخصوص إجمالي استثمار تلك الشركات، فتستحوذ أيضًا الشركات الصناعية على 600 مليون جنيه مصري، وبما يمثل 48.7% من استثمارات تلك الشركات.

(ب) يلاحظ أن قطاع الغزل والنسيج يأتي في المرتبة الثانية، بنحو 53 شركة، بعد الشركات الصناعية (وبلا شك أن مجال الغزل والنسيج يدرج ضمن النشاط الصناعي، ولكنه ميز هنا نظرًا لكبر عدد الشركات العاملة به)، وبلغت رؤوس أموال شركات الغزل والنسيح 436 مليون جنيه، وبنسبة 35.4% من إجمالي رؤوس أموال الشركات التركية بمصر.

ومن واقع هذه البيانات يمكن الوقوف على عدد من الاستنتاجات:

(أ) طبيعة الاستثمارات التركية في مصر تجعل منها حجر عثرة في وجه محاولات تصفيتها، فالاستثمارات التركية توجهت إلى مجالات الصناعة والزراعة بشكل كبير، وبالتالي تفرض نفسها على خريطة احتياجات الاقتصاد المصري في هذه المرحلة. فإذا كانت الشركات في مجال الصناعة والزراعة تمثل 55.9% من إجمالي عدد الشركات التركية، وبما يمثل 84.5% من إجمالي رؤوس أموال الشركات التركية بمصر، فهذا يعني استفادة الناتج المحلي الإجمالي المصري، بإضافة سلع وخدمات، وكذلك حصيلة من الصادرات وإن صغر حجمها.

(ب) تذهب التقديرات إلى أن الاستثمارات التركية تتيح فرص عمل لنحو 52 ألف عامل مصري8، بمختلف تخصصاتهم، وهو ما يعني إعالة أسر هؤلاء العاملين بالمصانع والشركات التركية بمصر، والتفريط في هذه العمالة يعني مشكلات اقتصادية واجتماعية بالنسبة للحكومة المصرية حاليًا، وبخاصة أن معدلات البطالة بمصر مرتفعة الآن وتصل إلى حوالي 13% تقريبًا.

(ج) سوف تواجه الاستثمارات التركية في مصر عقبات خلال الفترة المقبلة تتمثل في ارتفاع معدلات الفساد، وبخاصة أن هذه الاستثمارات تحتك بالجهاز الإداري الحكومي، سواء في الإدارات المحلية، أو المدن الصناعية، أو الجمارك، وهي جميعها إدارات فاسدة، وقد تُستغل الأجواء غير المناسبة بين الدولتين من قبل الفاسدين بهذه الإدارات لرفع ما يحصلون عليه من رشاوى من الشركات التركية العاملة في مصر.

(د) سلبيات مناخ الاستثمار بمصر:

يعاني مناخ الاستثمار بمصر منذ عدة سنوات من مجموعة من العوامل السلبية، لذلك لم تسفر أعمال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذي عُقد في مارس 2015 عن أية مشروعات جديدة أو فرص استثمارية حقيقية، فما تم من صفقات أتى من خلال اسناد أعمال بالأمر المباشر بالتعاقد مع شركات ألمانية لتنفيذ مجموعة من محطات الكهرباء تقوم ألمانيا بتمويلها من خلال قروض، أما ما أُعلن عنه من مشروعات العاصمة الجديدة، أو المليون وحدة سكانية، فكلها لم تدخل حيز التنفيذ، وأُعلن عن فشل المفاوضات بشأنها، وانسحاب الشركات الإماراتية على وجه التحديد، التي كانت طرفًا في الاتفاقيات الخاصة بإنشاء هذه المشروعات، ويمكن الإشارة هنا إلى أبرز الملامح السلبية لمناخ الاستثمار بمصر فيما يلي:

  • تُعطي أحداث العنف بسيناء وغيرها من المناطق المصرية، ومؤخرًا في القاهرة نفسها، مردودًا سلبيًا عن استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في مصر، وبدون استقرار سياسي وأمني، لا يفكر الاستثمار الأجنبي في الذهاب لأية دولة، وهو ما يتطلب أن يعيد الانقلاب العسكري في مصر حساباته، وأن أمر استقرار مصر سياسيًا وأمنيًا لن يكون عبر القبضة الأمنية، ولا من خلال ممارسات القمع، ولن تكون هناك استثمارات بمصر في ظل هذا المناخ السلبي السائد.
  • الانخفاض المستمر لقيمة العملة الوطنية، فالملاحظ أن قيمة الجنيه المصري في انخفاض مستمر، ولا تُعرف نهاية لهذا الانخفاض، والمعنى الذي يريده المستثمر الأجنبي، هو استقرار سعر الصرف، حتى يمكنه بناء قرار اقتصادي سليم فيما يتعلق بدراسة جدوى مشروعه، وكذلك احتياجاته من تدبير مستلزمات الانتاج من الداخل، أو بيع منتجاته بالداخل كذلك. كما أن وضع الإنتاج في مصر يعتمد على الواردات بنسبة كبيرة سواء لمستلزمات الانتاج أو العدد والآلات، وهو ما يستلزم توفير النقد الأجنبي، ولا تقوم البنوك المصرية بتدبير كامل احتياجات الموردين من النقد الأجنبي، ولكنها توفر نسبة، ويوفر المستثمر باقي احتياجاته من السوق السوداء، مما يجعل تكلفة الإنتاج متذبذة ولا تعرف الثبات، وهو ما يعرض المصدرين المرتبطين بعقود طويلة الأجل لخسائر نتيجة عدم استقرار سعر الصرف. وتأثرًا بأزمة الدولار بمصر أعلنت أكثر من شركة أجنبية عن توقف أعمالها بمصر بشكل مؤقت أو أعلنت عن تصفية أعمالها9.
  • الأوضاع السيئة للبنية الأساسية في مصر، حيث تعاني البلاد من سوء الأداء، وتراجع معدلات الصيانة، وعلى سبيل المثال فهناك 700 كوبري تُعد تحت خط الانهيار، من إجمالي 1706 كوبري في مصر، أي أن نسبة 41 % من كباري مصر لا تصلح أن تكون في عداد البنية الأساسية. ونفس النسبة تنطبق على الطرق10 . والأدهى هو عقلية إدارة الأموال العامة من خلال الموازنة، فمخصصات الصيانة في مصر لا تتعدى 3.4 مليار جنيه 11، وتتعرض للنقص أثناء تنفيذ الموازنة.
  • مع انعقاد السلطة التشريعية (مجلس النواب) مؤخرًا، وقيامها باعتماد ما صدر من قوانين (صدرت منذ انقلاب يوليو 2013 وحتى انعقاد مجلس النواب) يزيد عددها عن 350 قانونًا، وقرار جمهوري، في مدة لا تزيد عن يومين، يرسخ الاعتقاد نحو غياب دولة القانون، وأن هذه التشريعات معرضة بشكل كبير للطعن بعدم الدستورية. فالاستقرار التشريعي من أهم العوامل التي ينظر إليها المستثمر الأجنبي، وكذلك اطمئنانه لقيام السلطات الرقابية بدورها لمواجهة الفساد.
  • مع بداية العام المالي 2014/2015، اتخذت الحكومة المصرية قرارها بتخفيض دعم الطاقة بنسبة 25 %، على أن تنتهي من رفع دعم الطاقة بشكل نهائي خلال أربع سنوات، وإن كان تم تأجيل تطبيقه في العام المالي 2015/2016، إلا أن الحكومة عازمة على التخلص نهائيًا من دعم الطاقة خلال السنوات الثلاث القادمة، وهو ما يعني أن ميزة الطاقة الرخيصة التي كانت تمثل عامل جذب للمستثمر الأجنبي قد انتهت. وبلا شك أن قرار الحكومة برفع أسعار الطاقة أدى زيادة في عناصر تكاليف كافة السلع والخدمات، والاستمرار في هذا النهج، سوف يجعل من التواجد بالسوق المصري غير مجدي اقتصاديًا.
  • يعد تنامي الفساد من أكبر العوامل الطاردة للاستثمارات الأجنبية في مصر، حيث صدر تقرير من أكبر مؤسسة رقابية في مصر وهي الجهاز المركز للمحاسبات تقدر الفساد في أروقة الجهاز الحكومي ومؤسسات الدولة بنحو 600 مليار جنيه مصري 12 (76.6 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي)، وبدلًا من أن تتعامل الدولة مع التقرير لتنقية الأجواء الاقتصادية، اتخذته سلطة الانقلاب العسكري كأداة لتصفية حساباتها مع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، ويتوقع أن يسعى البرلمان لإقالته، أو تقديمه للمحاكمة. وفي الوقت الذي تنفي فيه سلطة الانقلاب ما جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات من وقائع فساد، يعلن عن رد جهاز الكسب غير المشروع عن استرداد ملايين الجنيهات من قيادات وموظفين صغار بالجهاز الأمني، وهذا الأمر يعطي انطباعًا شديد السلبية عن مناخ الاستثمار في مصر.

ثالثًا: الحركة السياحية بين البلدين

بطبيعة التوصيف الاقتصادي فإن كل من تركيا ومصر دولتان متنافستان في المجال السياحي، ولكن ما تعرضت له مصر من أحداث تلت ثورة 25 يناير جعلت السياحة في مصر تعاني من مشكلات متعددة، أبرزها استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، وكذلك أحداث العنف التي طالت مؤسسات ومناطق سياحية، مما جعل السياحة في مصر تفقد حوالي أكثر من 41% في عام 2015 مقارنة بما كانت عليه في 2014، وذلك حسب تقرير لوكالة بلومبرج13

وبلا شك أن ذلك صب في صالح السياحة التركية، ولا يعني ذلك أن مستوى الأداء السياحي في البلدين كان متساويًا، وأن الأحداث التي مرت بها مصر رجحت كافة تركيا، فتركيا تعد من أكبر 10 مقاصد سياحية على مستوى العالم منذ سنوات، وهو تصنيف لم تصل إليه مصر على مدار السنوات بل والعقود الماضية.

وبذلك فمن الطبيعي أن تكون حركة السياحة بين البلدين محدودة، خلال السنوات الماضية، وأن تكون محصورة في إطار ما تفرزه علاقات التبادل التجاري، أو مزايا الأسعار المنخفضة للسياحة في تركيا، وفيما يلي نتناول حجم الحركة السياحية بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية.

(1) حجم السياحة المصرية بتركيا خلال الفترة 2011- 2015 (عدد السائحين بالألف)

المصدر: تم إعداد الجدول بواسطة الباحث، من خلال بيانات معهد الإحصاء التركي

1ـ تؤكد الأرقام حقيقة تواضع التدفق السياحي للمصريين إلى تركيا، سواء من حيث عدد السائحين، أو من حيث نسبتهم من إجمالي التدفق السياحي السنوي لتركيا، ففي أفضل السنوات لتدفق السياحة المصرية لتركيا، وصل عدد السائحين إلى 112 ألف سائح في عام 2012، بينما يعد عام 2011 هو الأقل من حيث تدفق السياحة المصرية لتركيا، بواقع 79.6 ألف سائح.

2ـ يرى الباحث أن التراجع الحادث في عدد السائحين المصريين بتركيا في عام 2015، مقارنة بما كان عليه الأمر في عام 2012، مصدره سواء الأوضاع الاقتصادية بمصر، مما أثر على دخول الأفراد، وبالتالي اكتفائهم بالسياحة الداخلية، حيث تبنت وزارة السياحة المصرية تشجيع السياحة الداخلية خلال هذه الفترة لتعويض ما تعانيه من تراجع أعداد السائحين الأجانب.

3ـ من الأسباب المفسرة لتراجع السياحة المصرية لتركيا في عام 2015، ما اتخذته السلطات المصرية من قرارات تحد من حركة السفر لتركيا، بحيث يشترط على من هم في أعمار (18 – 45) أن يحصلوا على تصريحات من الأمن الوطني، وهو إجراء يثير الفزاع لدى راغبي السفر، وبخاصة في ظل الظروف الأمنية والسياسية غير المستقرة بمصر، وهذا الإجراء لم تقصره السلطات المصرية على تركيا فقط، ولكنه شمل عدة دول من بينها السودان وماليزيا أيضًا.

4ـ لا يعد تراجع السائحين المصريين بنحو 12 ألف سائح ذا تأثير سلبي على واقع السياحة التركية خلال الفترة 2012 – 2015، ففي تلك الفترة قفز عدد السائحين الأجانب لتركيا من 31.7 مليون سائح في عام 2012 إلى 36.2 مليون سائح في عام 2015، أي أن تراجع السائحين المصريين بنحو 12 ألف سائح في تركيا قابله زيادة في أعداد السائحين الأجانب بتركيا بنحو 4.5 مليون سائح.

4ـ إذا نظرنا إلى نسبة السائحين المصريين لإجمالي عدد السائحين الأجانب لتركيا، نجد أن أعلى نسبة وصل إليها السائحين المصريين من إجمالي السياحة الأجنبية بتركيا هي 0.35%، أي نسبة شديدة الضآلة.

(2) حجم السياحة التركية بمصر خلال الفترة 2011- 2015 (عدد السائحين بالألف)

المصدر: النشرة السنوية للسياحة، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أعداد عامي 2014 و2013.

(أ) لا تمثل السياحة التركية بالنسبة لمصر أهمية تذكر، فهي في أحسن حالتها لم تصل إلى نسبة 1.5% من إجمالي السائحين الوافدين لمصر، حيث تعتمد السياحة المصرية بشكل رئيس على السائحين الوافدين من أوروبا، بنسبة تصل إلى 70%.

(ب) يلاحظ  أن هناك تراجعًا ملموسًا في تلك الأعداد المحدودة من السائحين الأتراك بمصر، فوصل عددهم في 2015 لنحو 32.4 ألف سائح فقط، مقارنة بنحو 51.6 ألف سائح في عام 2013، أي أن التراجع يصل إلى 19.2 ألف سائح بين عامي 2013 و2015، وتصل نسبة هذا التراجع بين العامين إلى 37.2%.

(ج) يتوقع الباحث أن تشهد هذه الحركة تراجعًا أكثر خلال عام 2016، بسبب ما تتعرض له السياحة المصرية من مشكلات، وبخاصة في مناطق شرم الشيخ والغردقة، واتجاه المنشآت السياحية هناك للإغلاق بسبب خسائرها المادية الناتجة عن تراجع أعداد السائحين، وكذلك استمرار حالة التوتر الأمني.

 

خاتمة

في الحالة المصرية التركية، هناك العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية التي تفرض نفسها على البلدين، مما جعل الحديث على مدار الشهور الأخيرة من عام 2015 يدور حول الجهود المبذولة من بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها السعودية لعودة العلاقات بين مصر وتركيا، وقد استخدمت السعودية سياسة الجزرة مع الدولتين، بتقديم أجندة دعم واستثمارات لمصر، وتنشيط العلاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا. نظراً لحاجة السعودية لكلا الدولتين في الملفات العالقة بالمنطقة، فيما يخص الأزمة اليمنية، وكذلك مواجهة إيران، بعد الأزمة اليمنية التي بدأت في مارس 2015، وكذلك بعد أحداث السفارة السعودية في طهران مطلع يناير 2016.

وعلى الرغم من حديث السياسيين الأتراك بموقفهم الثابت من إدانة الانقلاب العسكري بمصر، إلا أن هناك ملاحظة على أداء الإعلام المصري، الذي تبنى نغمة أكثر هدوءًا من ذي قبل في تناوله للشأن التركي.

إلا أنه في إطار موضوع هذا البحث، والإجابة عن سؤاله الرئيس، بمدى تأثر العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر وتركيا، بتوتر العلاقة بينهما خلال الفترة الماضية، فقد لوحظ أن هناك تأثيرًا سلبيًا ولكنه محدود للغاية، ولا يعتبر مؤشرًا على نية أو سلوك كلا الدولتين على قطيعة اقتصادية، لحاجة كل منهما لما هو قائم من علاقات رغم ضعفه. وأن هناك عوامل حاكمة لهذه العلاقة منها تدهور أوضاع الاقتصاد المصري، وغلبة الاستثمارات التركية بمصر عما هو موجود من استثمارات مصرية في تركية، وعدم تأثير الحركة السياحية بشكل كبير على أي من البلدين، إذ تعتبر الدولتان متنافستان سياحيًا.

وفي حالة اتخاذ قرار مغاير لما عليه الوضع الآن بإلاقبال على إنهاء التوتر في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، فلا يتوقع أن نلمس زيادة في طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية، لعوامل كثيرة، على رأسها عدم الاستقرار السياسي والأمني بمصر، وكذلك وقوع مصر فريسة لحالة ما يمكن أن نطلق عليه احتكار إماراتي سعودي للعديد من الأنشطة الاقتصادية بمصر، وبخاصة أن الإمارات غير راغبة في عودة العلاقات المصرية التركية، وبالتالي لن تسمح بوجود منافسة لها في مصر من قبل تركيا. وقد تواجه المنتجات التركية في مصر بحملة مقاطعة من مناهضي الانقلاب في حالة اتخاذ قرار بعودة علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع مصر.