ولن تنحسر الأثار الضارة للحرب التجارية عربيًا على مجرد انخفاض أسعار النفط، وتضرر الدول العربية النفطية ماليًا.
منذ عام 1990 وبزوغ نظام العولمة بقيادة النظام الرأسمالي، لا نجد أداءً عربيًا يتسم بالتماسك، أو السعي لتحقيق مصلحة إقليمية.
تغير النظام العالمي عبر آليات ومؤسسات، أبرزها خروج منظمة التجارة العالمية إلى الواقع بعد محاولات استمرت نحو خمسة عقود، وفشل العرب في أن يمثلوا ككيان إقليمي على غرار عضوية الاتحاد الأوربي، وتم رفض المطلب العربي ولو عضوية المنظمة بصفة مراقب.
وأتت الأزمة المالية العالمية في 2008، وتضرر منها العرب بشكل كبير ولكن لم تؤد الآثار السلبية لهذه الأزمة إلى صحوة عربية ليكونوا كيانًا واحدًا، على الرغم من أن بعض التقديرات تشير إلى أن خسائر العرب من تلك الأزمة تجاوز نصف تريليون دولار.
وعقب الأزمة المالية العالمية برزت الدول الصاعدة، وتطورت علاقاتها الاقتصادية بأمريكا والغرب، وهي علاقة مثيرة للجدل في ضوء موازين القوى الجديدة التي تشهدها الخريطة الاقتصادية العالمية، وليس للعرب دور في نسج خيوط علاقة جديدة مع هذا المكون الجديد في الساحة الدولية.
وها هي الحرب التجارية العالمية تخرج من إطار التلاسن والتصريحات بين قيادة أمريكا والصين، إلى أرض الواقع، وفرض رسوم جمركية على التجارة البينية لأمريكا والصين، وتتحسب كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي من التداعيات السلبية لهذه الحرب على مستقبل النمو الاقتصادي العالمي، ولكن منظمات العمل العربي المشترك وعلى رأسها جامعة الدول العربية لا تسمع لها حسًا في هذه القضية!
قبل نحو عشر سنوات كنا نرى تفاعلًا من قبل مؤسسات العمل العربي المشترك مع مثل هذه الأحداث العالمية من خلال الندوات والمؤتمرات، وعادة ما كانت توجه انتقادات لهذه الندوات والمؤتمرات، بأن توصياتها أو قراراتها لا تخرج إلى حيز التنفيذ، وأن الحكومات العربية لا تًعير هذه الفاعليات أية اهتمام، ولكن الآن لا نجد هذه الفاعليات في ظل حالة التشرذم العربي، وبخاصة بعد سعي دول خليجية لتدمير ثورات الربيع العربي، ودخول نحو 5 دول عربية في حروب أهلية.
وحسب بيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، بلغت التجارة الخارجية السلعية للدول العربية في عام 2016 نحو 1.4 تريليون دولار وبما يمثل نسبة 9.3% من إجمالي التجارة السلعية على مستوى العالم. ومع ذلك لا يحرك التجارة العربية على مستوى العالم كيان مشترك يعكس مصالح الإقليم، ولكن تحركها سياسات قطرية ضيقة.
لقد فرضت أزمة الحرب التجارية نفسها على الجميع، ووجدنا ثمة ترتيبات بين كثير من الدول والكيانات للحفاظ على مصالحها في وجه تصرفات أمريكا بقيادة ترامب. فالاتحاد الأوربي والصين واليابان وكندا وغيرهم من الدول يتبنون رأيًا واحدًا تجاه تصرفات أمريكا، ويطلبون بحرية التجارة، وما يرونه يدفع في صالحهم، وتبعث تلك الدول برسائل لأمريكا بأنها ستفرض رسوم جمركية مماثلة على وارداتها من أمريكا، ولكننا لم نجد مؤسسة عربية واحدة، تعبر عن رأي العرب، أو تبين ما هي مصالح ومضار الدول العربية في ضوء ما يحدث من سجال حول حرية وحماية التجارة.
قد يقول قائل إن الحرب التجارية تتم بين دول صناعية، وحول تبادل تجاري يخص سلع مصنعة، والدول العربية بطبيعة الحال تعتمد على النفط كسلعة رئيسة للصادرات شكلت نحو 63% من هيكل صادراتها السلعية في 2015، كما تشكل السلع المصنعة نحو 75% من هيكل الواردات السلعية العربية، وبالتالي فسيخطب المصدرون ود الدول العربية. ولكن ثمة ضرر كبير على الاقتصاد العربي إذا ما اتجهت الحرب التجارية نحو تصعيد أكبر.
فدخول الحرب التجارية لدوائر أكبر مما هي عليه الآن، يعني تراجع الطلب على النفط، ويقضي على آمال الدول النفطية العربية في تحسن أسعار النفط في السوق الدولية، وهو أمل تعيش عليه غالبية الدول النفطية العربية لتحسن وضعها المالي، على مستوى ميزانياتها العامة، أو وقف الاتجاه للديون الخارجية.
وبسبب انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية تحول الميزان التجاري للدول العربية إلى عجز في عام 2016 بنحو 1.8 مليار دولار، بعد أن كان يحقق فائضًا بنحو 411 مليار دولار بنهاية عام 2014، وقد تكون أسعار النفط في 2017 قد حققت نوعًا من التحسن في الميزان التجاري السلعي عربيًا، ولكن توجهات أمريكا ورغبتها في عدم رفع أسعار النفط، قد تعود مرة أخرى بالسوق لما كانت عليه الأسعار في 2016، وبذلك تظل الدول العربية النفطية في دائرة عجزها المالي.
ولن تنحسر الآثار الضارة للحرب التجارية عربيًا على مجرد انخفاض أسعار النفط، وتضرر الدول العربية النفطية ماليًا، ولكن نظرًا لأن الدول العربية جميعها في جانب المتغير التابع في معادلة الاقتصاد العالمي، فسوف يؤثر بلا شك الركود المتوقع نتيجة للحرب التجارية على الاقتصاديات العربية بشكل سلبي، وبخاصة الاقتصاديات غير النفطية منها والتي تعتمد على السياحة، حيث سيراجع السائح الأوربي وحتى العربي حساباته في ضوء الركود المنتظر، فقد يلغي برامجه السياحية، أو يقلصها، وكل ذلك يؤثر سلبًا بلا شك على دول تنتظر أن تنتعش سياحتها خلال الفترة المقبلة مثل مصر وتونس.