الرئيسية / الاقتصاد العالمي / التصنيف الائتماني.. ما هو وما أهميته للدول والمؤسسات

التصنيف الائتماني.. ما هو وما أهميته للدول والمؤسسات

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 10-02-2024
  • 117
التصنيف الائتماني.. ما هو وما أهميته للدول والمؤسسات
  • المصدر: الجزيرة

في عالم تحكمه قواعد الاقتصاد الرأسمالي، تكتسي الديون وآلية الإقراض والاقتراض أهمية كبرى، فهي التي تمول مشروعات الشركات والدول، وعليها تُبنى الكثير من القرارات والإستراتيجيات الاقتصادية، ومن هنا ظهرت الحاجة لتنظيم عالم الديون، ومن بين مقتضيات ذلك الوقوف على إمكانيات المدين، وقدرته على السداد المنتظم، بحيث لا يربك سوق الدين، ويضمن حقوق الدائنين.

وتنشر وكالات التصنيف الائتماني تقارير حول البنوك أو الشركات الكبرى، لكن الأكثر أهمية هي التقارير التي تنشرها عن الدول، والتي تترتب عنها أوضاع إيجابية أو سلبية بالنسبة لتكلفة الاقتراض.

فإذا كان التصنيف الائتماني لدولة ما قويا، فهو يعني أن لديها جدارة ائتمانية تمكنها من الحصول على القروض وسدادها في موعدها، وعندئذ تكون تكلفة التمويل الذي تحصل عليه الدول المقترضة، عند حدودها الدنيا المتعارف عليها.

كما أن العكس صحيح، أي أنه كلما كانت الجدارة الائتمانية لدولة ما ضعيفة، كانت تكلفة حصولها على الديون عالية، بل وقد تصرف الدائنين عن إقراضها

ما التصنيف الائتماني؟

التصنيف الائتماني بالنسبة للشركات أو البنوك أو الدول، يعني الجدارة الائتمانية، أو قدرة تلك الكيانات على الحصول على القروض اللازمة، ومدى قدرتها على الوفاء بما عليها من التزامات في موعدها، وعادة ما ينظر من خلال التصنيف الائتماني إلى عدة مؤشرات، منها:

  • الأصول التي يمتلكها الكيان طالب القرض.
  • مدى سهولة التدفقات النقدية إليه، سواء من الداخل أو الخارج.
  • سوابق تعامله مع الدائنين، وأسعار الفائدة التي حصل بها على قروضه من قبل.
  • وفي حالة الدول، عادة ما يتناول تقرير وكالات التصنيف مدى حالة الاستقرار السياسي والأمني، وتأثيرها على الوضع الاقتصادي، وخاصة القدرة على سداد الديون.

وعادة ما يتناول التصنيف الائتماني البعد الزمني لوضع الكيان الذي يشمله التصنيف، من حيث المدى القصير أو الطويل، لذلك عادة ما نجد تقارير وكالات التصنيف الائتماني تضع عبارة "نظرة مستقبلية سلبية، أو إيجابية، أو غير مستقرة، أو مستقرة".

وثمة مفهوم آخر مرتبط بالتصنيف الائتماني، وهو استدامة الدَّين، فكلما كان الكيان طالب القرض قادرا على سداد التزاماته تجاه الديون، من فوائد وأقساط، في مواعيدها، ولم يطلب تأجيل السداد، أو إعادة هيكلة الديون، أو مد أجل السداد أو لم يتعثر في السداد، وصف دَين هذا الكيان بالاستدامة، ويكون مؤهلا للحصول على القروض من المؤسسات الدائنة، سواء كانت مؤسسات دولية، أو تجارية، أو من أسواق الدين الدولية، مثل السوق الدولية للسندات.

ويعد التصنيف الائتماني صكا لصلاحية أو عدم صلاحية الكيان المعنِي للحصول على القروض من أسواق الائتمان، أو من المؤسسات المالية الدولية، وعادة ما يلجأ الكيان طالب القروض، للحصول على تقرير عن وضعه الائتماني من وكالات التصنيف الائتماني، أو يقوم هو بإعداده عبر إداراته الداخلية.

ولكن في بعض الأحيان، تقوم جهات خارجية على عمل التصنيف لتتأكد من شفافية ما تتضمنه التقارير الخاصة بالتصنيف الائتماني من معلومات، يمكن أن يبنى عليها قرار الائتمان.

وكانت وكالات التصنيف الائتماني في بداية عملها تنشر تقاريرها عن الدول والمؤسسات نظير اشتراك، لمن يريد الحصول عليها، ولكن نظرا لضياع حقوقها المادية بسبب نسخ أو تصوير تلك التقارير وعدم دفع مقابل مادي لها، جعلت بعد ذلك تكاليف إعداد هذه التقارير على من يطلبها، سواء كانت مؤسسات أو دولا.

وكالات التصنيف الائتماني ومستوياته

هناك 3 مؤسسات كبرى معنية بإصدار تقارير الائتمان عن المؤسسات والدول، وهي موديز، وستاندرد آند بورز، وفيتش، وهي مؤسسات أميركية منذ نشأتها.

ومارست بعض هذه الوكالات عملها في بداية القرن الـ20، إلا أنها اكتسبت أهمية كبرى، عندما اعتمدتها هيئة الأوراق المالية الأميركية عام 1975، معتبرة إياها جهات ذات مصداقية.

تسيطر هذه الوكالات على نسبة كبيرة من سوق إصدار التصنيفات الائتمانية، يقدرها البعض بنحو 95%، ولكن نصيب موديز وستاندرد آند بورز هو الأكبر، وتتراجع حصة فيتش مقارنة بالوكالتين الأخريين.

وفي عام 1994 أنشأت الصين مؤسسة دادونغ العالمية للتصنيف الائتماني، لكنها لم تحظ بما تحظى به باقي المؤسسات الثلاث العريقة.

ومستويات التصنيف لدى وكالات التصنيف الائتماني، تتراوح ما بين "إيه إيه إيه" (AAA) الذي يعبر عن "درجة أمان عالية"، وهو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، وإن كان يتضمن درجات تابعة مثل "إيه إيه​" (AA)، أو "إيه" (A)، ثم تصنيف "بي بي بي" (BBB) ويعني "جدارة ائتمانية متوسطة" وله درجات مختلفة كما في التصنيف السابق، ثم التصنيف "سي سي سي" (CCC) الذي يعني "جدارة ائتمانية عالية المخاطر"، ثم التصنيف الأخير "دي دي دي" (DDD) وهو يشير إلى "جدارة ائتمانية متعثرة"، ولهما درجات مختلفة كما في التصنيفين السابقين.

أثر تقارير التصنيف على الاقتصادات والعملات

لتقارير وكالات التصنيف الائتمانية آثار مختلفة على أداء الاقتصادات المختلفة للدول وعُملاتها، وذلك حسب مدى سيطرة الدولة على إدارة الاقتصاد، فكلما كانت مقدرات السوق أو العملة خاضعة لآليات العرض والطلب، كان تأثير تقارير التصنيف الائتماني عاليا، إيجابا وسلبا.

وتساعد تقارير وكالات التصنيف الائتماني على تدفق الاستثمارات الأجنبية للبلاد، ومن ثم رفع قيمة عملتها، كما أنها قد تساهم في خروج الاستثمارات الأجنبية وهروبها من البلاد، وخاصة تلك الاستثمارات غير المباشرة، التي يمكنها الخروج بسرعة من الأسواق المعرضة للخطر.

وفي هذه الحالة تتراجع العملات المحلية بشكل كبير، متأثرة بخروج الأموال الخاصة بتلك الاستثمارات، بسبب زيادة الطلب على العملات الأجنبية في السوق المحلية.

أما الاقتصادات التي تشهد تدخلا كبيرا من قبل الدول، فيكون تأثير وكالات التصنيف على اقتصاداتها محدودا، وخاصة في المحيط المحلي، أما على الصعيد الخارجي فتكون تقارير تلك الوكالات مؤثرة بشكل كبير.

وعادة ما تطالب المؤسسات المالية الدولية الدول طالبة المساعدة أو القروض بأن يتوفر لديها تصنيف ائتماني يحدد جدارتها الائتمانية.

كما أن المؤسسات الدولية تقف عبر فرق خبرائها على حقيقة الوضع الائتماني للدول التي تطلب مساعداتها والحصول على القروض، وعادة ما تكون تقارير وكالات التصنيف أول ما تعتمد عليه هذه الفرق.

حيادية محل شك

الأصل أن وكالات التصنيف الائتمانية مؤسسات فنية محايدة، ولكن الممارسة العملية أثبتت أن بعض تقارير هذه المؤسسات كانت في في بعض الأوقات مسيسة وفق إرادة القوى الكبرى.

فمثلا في عام 2010، وفي عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، ذهب تقرير مؤسسة ستاندر آند بورز إلى تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أغضب أميركا، وطالبت أميركا الوكالة بسحب تقريرها خلال 24 ساعة، وهو ما تم بالفعل، وتم إعادة تصنيف الوضع الائتماني لأميركا عند أعلى درجاته كما كانت (إيه إيه إيه).

وتكرر الوضع مع نحو 9 دول أوروبية عقب تفاقم الأزمة المالية لأوروبا بعد عام 2010، وهو ما دعا بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا إلى التفكير في تأسيس وكالة تصنيف خاصة بأوروبا.

وتكرر الشيء نفسه عام 2018 مع تركيا، حيث تم تخفيض تصنيفها الائتماني على الرغم من أدائها الاقتصادي الجيد، بسبب خلافها السياسي مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب