تقديرات منظمة الفاو تشير إلى أن مؤشر متوسط أسعار الغذاء في سبتمبر/أيلول 2021 ارتفع بنسبة 32.8% على أساس سنوي
حسب تصريحات شو دونيو المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، ما يتم إنتاجه من الغذاء على مستوى العالم يكفي الجميع، ومع ذلك 14% من الأغذية التي تنتج يتم فقدها، كما تصل نسبة الهدر في الغذاء على مستوى العالم إلى 17% من حجم الإنتاج.
والأدهى أنه مع كون العالم ينتج من الغذاء ما يكفي الجميع، فإن عدد الأشخاص الذين يعانون الجوع بنهاية عام 2020 بلغ 811 مليون نسمة. وفي ظل تفاقم أزمة ارتفاع أسعار الغذاء، يتوقع أن يتزايد هذا العدد، ما لم تنشط برامج الحماية الاجتماعية.
ورغم أن تقديرات مدير الفاو للقضاء على الجوع بحلول عام 2030 تتطلب من 40 إلى 50 مليار دولار، فإن هذه المبالغ تعد زهيدة مقارنة بقيمة الناتج المحلي الإجمالي للعالم، الذي تقدره قاعدة بيانات البنك الدولي بنحو 84.8 تريليون دولار. وبلا شك، أصغر الحروب التي تدار في مناطق عدة في العالم تتكلف أضعاف ما تحتاجه الاستثمارات اللازمة للقضاء على الجوع.
إلا أن الأزمة المرتقبة التي قد تزيد من حدة الجوع على مستوى العالم، هي الزيادة المستمرة في أسعار الغذاء. فتقديرات الفاو تشير إلى أن مؤشر متوسط أسعار الغذاء في سبتمبر/أيلول 2021 ارتفع بنسبة 32.8% على أساس سنوي، أي مقارنة بمستوى الأسعار في سبتمبر/أيلول 2020. وترجع الفاو ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء إلى ما حدث من ارتفاع الأسعار في معظم الحبوب، والزيوت النباتية، والألبان، والسكر، والقمح.
وتنذر هذه الزيادة في أسعار الغذاء بتكرار الأزمة التي عاشها العالم عام 2006 و2008. ومن المقاربات الغريبة، أن أزمة ارتفاع أسعار الغذاء المرتقبة تواكبها أزمة في ارتفاع أسعار الطاقة، كما حدث عام 2006 و2007.
ولكن هل ستؤدي أزمة ارتفاع أسعار الوقود إلى ما حدث عام 2006 و2007، حينما اتجهت بعض الدول -خاصة المنتجة للسلع الزراعية- إلى إنتاج ما يعرف بالوقود الحيوي؟ أي إنتاج الوقود الأخضر من الذرة وغيرها من السلع الزراعية، وهو ما سوف يزيد من تفاقم أزمة ارتفاع أسعار الغذاء.
على ضوء قراءة الواقع، فإن الشواهد القريبة تشير إلى استمرار زيادة أسعار الغذاء -على الأقل- في الأجل المتوسط، أي خلال عام من الآن، وذلك بسبب ما تشهده أسواق النفط من ارتفاعات متتالية، ويتوقع لها أن تصل في النصف الأول من عام 2022 إلى 90 دولارا للبرميل، بل بعض التقديرات ترى أن سعر النفط سوف يقترب من 100 دولار للبرميل.
وحال تحقق سيناريو استمرار ارتفاع أسعار النفط، فسوف ينعكس ذلك على كثير من مستلزمات إنتاج الغذاء ونقله وتوزيعه على مستوى العالم؛ وبالتالي ستكون الدول النامية والأقل نموًا في مأزق، خاصة الدول التي تعتمد في تحقيق الأمن الغذاء على الاستيراد، وللأسف كل الدول العربية تقع تحت هذا التصنيف.
وثمة عامل آخر يسهم في رفع تكاليف الغذاء خلال الفترة القادمة، يتمثل في ارتفاع تكاليف الشحن، بسبب ما يعتري خطوط النقل والإمداد من تعثر وبطء منذ بدء أزمة كورونا. فبعض الخبراء يرى أن أسعار الشحن الآن ارتفعت بنحو 4 إلى 5 أضعاف مقارنة بما كانت عليه قبل جائحة كورونا. فالحاوية ذات الـ40 قدما كان شحنها يكلف نحو ألفي دولار، في حين تجاوز سعر شحنها الآن أكثر من 10 آلاف دولار.
وإن ارتفاع أسعار الشحن -بلا شك- سوف يؤثر بشكل كبير على أسعار الغذاء وكذلك تأمين المخزونات الإستراتيجية منه لدى الدول النامية والأقل نموا.
لا يغيب عنوان الفجوة الغذائية على أي مطلع على وضع الغذاء في الوطن العربي، على مدار العقود الماضية، على الرغم من الدراسات والمؤتمرات التي أشارت إلى خطورة هذا الوضع على الأمن القومي العربي.
حسب أرقام التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020، بلغت الفجوة الغذائية على مستوى العالم العربي 33.6 مليار دولار. ويذكر التقرير أن بنية الفجوة الغذائية لم تتغير على مدار العقدين الماضيين، إذ مثلت الحبوب فيها نسبة 60.1%، والسكر 9.3%، والزيوت والشحوم 3.8%.
وبشكل عام، يعاني العالم العربي من عجز في الميزان التجاري الزراعي؛ فالصادرات الزراعية العربية عام 2018 بلغت 29.8 مليار دولار، بينما بلغت الواردات الزراعية 91.9 مليار دولار، وبالتالي فهناك عجز بالميزان التجاري الزراعي يبلغ 62.3 مليار دولار
الجدير بالذكر أنه إبان أزمة الغذاء العالمية خلال عامي 2006 و2007، هرعت دول الخليج ودول عربية أخرى للإعلان عن توجهها إلى الاستثمار في المجال الزراعي في السودان، لما تتمتع به دولة السودان من مقومات زراعية كبيرة، ولكن هذه الإعلانات -سواء تحقق منها شيء أو لم يتحقق- لم تغير من واقع العجز الزراعي والغذائي للعالم العربي، بل الأدهى أن دولة السودان نفسها تستورد القمح والدقيق.
تشهد الساحة الدولية حالة من الصراع المكتوم بين القوى الكبرى -خاصة بين الصين وأميركا- وربما لا تكون قضية الغذاء وما تمثله من تحديات من الأولويات على أجندة تلك القوى، فهي قادرة على تأمين احتياجاتها من الغذاء، ولكن سترتفع تكلفة الإنتاج الزراعي بها، وبالتالي ترتفع معدلات التضخم.
وثمة مصالح مشتركة لتلك القوى الكبرى، قد تسهم في تخفيف حدة التكاليف لتوفير الغذاء، مثل العمل على خفض تكلفة الشحن، بتوفير عدد أكبر من الحاويات والسفن الناقلة، ليؤدي ذلك إلى نقل الغذاء وغيره من السلع بأسعار أقل مما وصلت إليه حاليا.
وإن كان العالم لا يزال يعاني من التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا، من حيث زيادة أعداد الفقراء وكذلك عدد من يعانون من الجوع ونقص الغذاء، فإنّ تحقق سيناريو ارتفاع أسعار الغذاء سوف يهدد أهداف الأمم المتحدة على صعيد تخفيض أعداد من يعانون الجوع، أو سوء التغذية.
وعلى الصعيد العربي، كالعادة لن يكون هناك تحرك على مستوى إقليمي يعكس حالة ترابط بين الدول العربية، ولكن كل قُطر سوف يتصرف بطريقته، وسوف يدفع الجميع فاتورة غالية للحصول على متطلباته من الغذاء.
وقد تكون لدى الدول النفطية العربية القدرة المالية على تحمل هذه التكلفة، ولكن الدول العربية غير النفطية سوف تظهر آثار تلك الأزمة سلبيا في موازين مدفوعاتها، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم بها، وأيضًا زيادة معدلات الفقر.
من الآليات التي يمكن أن تخفف من حدة أزمة ارتفاع أسعار الغذاء في العالم، وفي المنطقة العربية، أن يتم تفعيل دور التعاونيات سواء على مستوى المستهلكين أو المنتجين؛ ففي ظل نظام التعاونيات يمكن تخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج عبر الشراء الجماعي على مستويات مختلفة، بما فيها الدولي أو المحلي، ونزولًا إلى أصغر نطاق جغرافي وهو القرية، وكذلك الحال بالنسبة للمستهلكين.
وقد تكون الأزمة أخف في أميركا والاتحاد الأوروبي لتقديمهما دعما ملموسا للقطاع الزراعي بهما، وكذلك نظم الحماية الاجتماعية، التي تساعد في مواجهة هذه الأزمات. أما الدول العربية، فسيكون موقفها أكثر صعوبة بعد أن ألغت معظمها الدعم للقطاع الزراعي، وكذلك تبنيها سياسات لإلغاء الدعم بصورة شبه كاملة، وإهمالها للقطاع التعاوني