يبدو أن التداعيات الاقتصادية السلبية لكارثة كورونا ستظل ممتدة ومؤثرة على مجمل النشاط الاقتصادي العالمي، وخاصة في سوق النفط، رغم أهمية النفط في منظومة الحضارة السائدة، بكونه عصب المصادر الرئيسية للطاقة.
ظن البعض أن اتفاق "أوبك بلس" هو العصا السحرية، التي ستعيد حالة من التوازن لسوق النفط الدولية، واختلفت ردود الفعل بسوق النفط على هذا الاتفاق الذي أُبرم يوم الأحد 12 ابريل/نيسان الحالي، حيث تحسنت الأسعار في اليوم التالي للاتفاق بنحو 4.1%، ولكنها تراجعت بعده إلى ما كانت عليه قبل توقيع الاتفاق، بحدود ما يزيد بقليل على 30 دولارا للبرميل من خام برنت.
وكانت مجموعة "أوبك بلس" قد توصلت لاتفاق بخفض سقف إنتاجها خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران 2020 بنحو 9.7 ملايين برميل يوميا، بما يمثل 10% من حجم الإنتاج العالمي، وتضامن مع "أوبك بلس" منتجون آخرون، ليعلنوا تخفيض سقف إنتاجهم بنحو 10 ملايين برميل يوميا.
وبذلك يكون إجمالي التخفيض المنتظر نحو 19.7 مليون برميل، ما يعادل تقريبا 20% من حجم الإنتاج العالمي، وهو ما يمثل أربعة أضعاف ما تم التوصل إليه من تخفيض للإنتاج عقب الأزمة المالية العالمية في 2008.
ولا يمكن التقليل من أهمية التوصل لاتفاق "أوبك بلس"، ولكنها تبقى خطوة مهمة في ترتيب ملفات المتغير التابع، وليس المتغير المستقل، فاستقرار أسعار النفط بلا شك عامل مهم اقتصاديا على الصعيد العالمي، للمساعدة في اتخاذ قرارات سليمة، فيما يتعلق بالتكلفة الاستثمارية، وكون الوقود تكلفة لا يمكن إغفالها في أي مجال استثماري.
ومن المسلم به أن انهيار أسعار النفط يضر باقتصاديات قطاع النفط، وما يرتبط به من أنشطة ومجالات مختلفة، تعمل في أنشطة استخراجه، وتكريره، وكذلك نقله وتجارته، والبورصات القائمة على التعاملات الخاصة به.
ولكن الدول المتقدمة والصاعدة ترغب في بقاء أسعار النفط في مستوى لا يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، وثمة اتفاق بين هذه الدول على عدم العودة إلى مستوى 100 دولار لبرميل النفط، ولكن أن يبقى في دائرة لا تتجاوز 65 دولارا.
وهذا المعدل السعري يضمن تحقيق هوامش ربح مقبولة –من وجهة نظر مستهلكي النفط– لمنتجي النفط وبائعيه، وفي الوقت نفسه يدفع لأداء اقتصادي يساعد على معدلات نمو تصل بالاقتصاد العالمي لحالة التعافي المنشودة.
ولكن هذا السلوك من قبل الدول المتقدمة والصاعدة، أو ما يمكن أن نعتبره جانب المستهلكين، يؤكد أن سوق النفط تحول إلى سوق يتحكم فيه المستهلكون، وأن المنتجين انتهى دورهم في تحقيق معادلة توازن المصالح في هذه السوق.
في الرأسمالية يتحدثون عن اليد الخفية التي تعمل على إعادة التوازن للسوق، ولكن اتفاق "أوبك بلس" أكد على الدور الأميركي في إدارة منظومة الاقتصاد العالمي، وبخاصة في سوق النفط، فلم يجلس الفرقاء (السعودية وروسيا)، إلا بعد التدخل الأميركي، كما لم يتوصلوا إلى اتفاق ويعلنوا نتائجه والالتزام به إلا بعد ضغط أميركي.
ولم يكن التدخل الأميركي من أجل مصالح الفرقاء أو السوق العالمية، بقدر ما كان مرتبطا بمصالح شركات النفط الصخري الأميركي، لكي تستمر في الإنتاج، ولإنقاذ ملايين الوظائف في أميركا، حتى أن أميركا قبلت تخفيض حصتها من الإنتاج لتعويض رفض المكسيك لتخفيض إنتاجها من النفط، وهو ما يدل على حصد أميركا لحزمة من المصالح، لخروج اتفاق "أوبك بلس" إلى النور.
وهو ما يعني، أن حرب أسعار النفط التي اندلعت في مارس/آذار الماضي كانت مدارة من قبل أميركا، وأن السعودية قد خاضت هذه الحرب بالوكالة، ولكن روسيا لن تخرج من هذا الاتفاق بمجرد تحسين أو استقرار أسعار النفط في السوق الدولية، فهناك فرصة للحصول على مكاسب من ترامب وإدارته في ظل المشكلات التي تعانيها أميركا بسبب كورونا.
ولا يعني ذلك أن حرب أسعار النفط قد انتهت، ولكنها قابلة للاشتعال مرة أخرى، كلما اقتضت مصالح من يدير دافة سوق النفط في الوقت الحالي، وهي أميركا.
ثمة نتيجة مهمة توصل إليها العديد من الخبراء المعنيين بسوق النفط، وهي أن اتفاق "أوبك بلس" قد يساعد على استقرار أسعار النفط عند معدلاتها المنخفضة، ولكنه لن ينجح في رفع الأسعار، والعودة بها إلى ما قبل أزمة كورونا أعلى من 60 دولارا للبرميل.
وذلك بسبب أن العامل المستقل في تحقيق العودة بالأسعار في سوق النفط، إلى ما كانت عليه قبل كورونا، هو عودة النشاط الاقتصادي العالمي، والخروج من حالة الركود، التي نتجت عن تعطيل شبه كامل لحركة الطيران والسفر، وشل لحركة الإنتاج، بسبب الحظر على حركة المجتمعات، مخافة نقل العدوى.
فإذا ما عادت حركة الانتعاش للطلب العالمي، فبلا شك ستتحسن أسعار النفط، وثمة توقعات بأن تظل أسعار النفط في السوق العالمي عند 30 دولارا للبرميل، حتى نهاية النصف الأول من 2020، وإذا ما تحسن الطلب العالمي، حسب سيناريو التفاؤل في نهاية 2020، فقد يرتفع سعر النفط إلى حدود 45 دولارا للبرميل، على أن يكون عام 2021 بداية المزيد من التحسن والوصول إلى أسعار ما قبل كورونا.
وفي ضوء سعي أطراف دولية للحفاظ على ما تم التوصل إليه في إطار "أوبك بلس"، تتجه دول مثل أميركا والهند لتوظيف آلية المخزون الإستراتيجي، لامتصاص جزء من المعروض الفائض في الأسواق، حيث أعلنت الهند عن عزمها إضافة 19 مليون برميل لمخزونها النفطي في مايو/أيار المقبل، كما أعلنت أميركا عبر التفاوض مع شركات محلية، عزمها على إضافة 23 مليون برميل لاحتياطياتها الإستراتيجية.
يمكن القول إنه أُخذ في الاعتبار أمور عدة فيما يتعلق باتفاق "أوبك بلس"، منها أن الاتفاق يدخل حيز التنفيذ في مايو/أيار المقبل، وهو ما يمكن المنتجين من الوفاء بالتزاماتهم التي أبرموها في إطار حرب الأسعار خلال ما تبقى من أبريل/نيسان.
والأمر الآخر، أن الاتفاق يسري لمدة شهرين، وهو ما يعني مراعاة التطورات الخاصة بكورونا، فإن أمكن الوصول لحل لهذه الأزمة فسوف تنفرج مشكلة الركود في الاقتصاد العالمي، وبالتالي يعاد النظر في سقوف الإنتاج
وفي حال عدم التوصل إلى حل وظل الركود مسيطرا على أجواء الاقتصاد العالمي، يمدد الاتفاق لفترات أخرى، أسوة بما جرى داخل أوبك في اتفاق تخفيض سقف الإنتاج منذ نهاية 2016، والذي دخل حيز التنفيذ في 2017، وجرى تجديده لمدد مختلفة حتى منتصف مارس/آذار الماضي.
ويعد الاتفاق بمثابة مخرج ملائم لطرفي أزمة حرب الأسعار، فروسيا التي تعاني من خروج جزء لا يستهان به من الاستثمارات غير المباشرة منذ بداية 2020 بسبب كورونا، لا يمكنها التأقلم لفترة طويلة مع انهيار أسعار النفط.
وكذلك السعودية التي تتجه للمديونية الخارجية بشكل كبير، حيث أعلن مؤخرا عزم شركة أرامكو على التفاوض مع مجموعة بنوك للحصول على قرض بقيمة 10 مليارات دولار، من أجل الوفاء بحصتها في الاستحواذ على شركة سابك، فضلا عن الآثار السلبية على الاقتصاد السعودي بسبب أزمة كورونا