زخم كبير حول مؤتمر المناخ، الذي عقد في مدينة شرم الشيخ في الفترة من 6 - 18 نوفمبر/تشرين الثاني، وكانت قضية حقوق الإنسان بمصر، هي القضية البارزة على مدار الأيام الثلاثة الأولى لأعمال المؤتمر، بسبب الانتهاكات التي يتعرّض لها ناشطون سياسيون مصريون على مدار السنوات التي تولى فيها السيسي السلطة.
إلا أنه من بين المتابعات الإعلامية الضخمة المصاحبة لأعمال المؤتمر، برز تقرير صغير عن عرض إسرائيلي لمصر، يتضمن تقديم تكنولوجيا تخص الري، لكي تتغلب مصر على مشكلة المياه بشأن محصول الأرز، الذي بدأت مصر تعاني من تراجع كمياته المنتجة محلياً، وشرعت في الاستيراد من الخارج.
ولم يكن هذا هو الأمر الوحيد الذي يتعلق بتوغل إسرائيل عربياً في أعمال المؤتمر، فقد نُشر أيضاً أنه جرى توقيع اتفاقية بعنوان "الماء مقابل الكهرباء" بين إسرائيل والأردن والإمارات، ومثّل الجانب الإسرائيلي وزير التعاون الإقليمي عيساوي فريج
وبمقتضى هذا الاتفاق تُنشأ محطة لتوليد الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء في الصحراء الأردنية، وتحلية المياه، وفي إطار البحث عن دور، أعلنت الإمارات أنها سترعى مؤتمراً لمتابعة التقدم المحرز في هذا المشروع!
والمعلوم أن عام 2021 شهد هرولة 4 دول عربية (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب) لتوقيع اتفاقيات مع إسرائيل، تضمّنت جوانب سياسية واقتصادية، لم تكن إسرائيل تحلم بها، وتُعد الإمارات من أكثر الدول العربية سعياً للتطبيع مع إسرائيل، وتحاول إكساب التطبيع طابعاً شعبياً ومجتمعياً، أكثر منه بين الحكومات.
منذ أن جرى الترويج لدمج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والمنطقة العربية بشكل خاص، تم الحديث عن أن يكون دور إسرائيل في الجانب الاقتصادي للتعاون مع دول المنطقة، من خلال تخصص إسرائيل في الجوانب التكنولوجية، وتتخصص الدول العربية ودول المنطقة الأخرى في إنتاج السلع والمنتجات التقليدية.
هذه النتيجة، كانت خلاصة العديد من المؤتمرات التي شهدتها المنطقة، من خلال أعمال منتدى "دافوس" للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو تلك التي عقدت في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير، أو أعمال الأورومتوسطية، وما منتدى غاز شرق المتوسط منا ببعيد.
وإن كانت السنوات الماضية قد شهدت وجوداً إسرائيلياً في الاقتصاد المصري، في قطاعات النسيج والزراعة والغاز، فإن المنتجات الإسرائيلية لا تلقى رواجاً لدى المجتمع المصري.
فمن خلال صناعة النسيج استطاعت إسرائيل الحضور عبر شراكات مع بعض رجال الأعمال من القطاع الخاص، وزاد الأمر بشكل كبير من خلال اتفاقية "الكويز" منذ عام 2004.
أما قطاع الزراعة فقد مُكّن لإسرائيل للوجود به، منذ تولي وزير الزراعة المصري الراحل د. يوسف والي، حيث سمح باستيراد البذور من إسرائيل، كما أقيمت شراكات بين رجال أعمال مصريين وإسرائيليين للعمل في القطاع الزراعي بمصر.
والجدير بالذكر أن صحيفة "الشعب" المصرية، التي كانت تصدر عن حزب "العمل" المعارض، تبنت حملات صحافية، كشفت فيها مدى مساهمة يوسف والي في تمكين إسرائيل من الوجود والعمل على إفساد قطاع الزراعة، من خلال القضاء على السلالات المصرية للعديد من المحاصيل، واستيراد بذور تضر بالتربة المصرية.
طبيعة العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية، وبخاصة على مدار السنوات العشر الماضية، متسارعة، ومتنوعة، ويحتاج الحديث عنها إلى تفصيل أكثر، ولكن إذا ما قصرنا حديثنا في هذه السطور، عن العرض الذي قدمته إسرائيل لمصر بمؤتمر المناخ، أو الاتفاقية التي وقعتها مع الأردن، فإننا نحتاج لبيان بعض الأمور، منها:
على سبيل المثال زراعة الأرز في مصر، زراعة قديمة، وهناك اهتمام خاص من قبل الجامعة ومراكز البحوث بما يتعرض له هذا المحصول، وبخاصة في ظل أزمة مصر المائية، التي ساهم فيها السيسي بشكل كبير عبر توقيعه اتفاقية إطار مع إثيوبيا في عام 2015، وتشير البيانات إلى أن مصر دخلت تصنيف الدول الأشد فقراً، من حيث حصة الفرد من المياه، بأقل من 600 م3.
ولكن مراكز البحوث لديها العديد من الدراسات، التي تسمح باستخدام أنواع معينة من شتلات الأرز لا تحتاج لكميات كبيرة من المياه، وكذلك زراعة أنواع من الأرز والقمح بالمياه المالحة، دون تحلية، بل تعد هذه التكنولوجيا سبقاً مصرياً منذ منتصف التسعينيات للعالم المصري الراحل الدكتور أحمد مستجير، أستاذ الهندسة الوراثية بجامعة القاهرة.
منذ أن جرى الترويج لدمج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والمنطقة العربية بشكل خاص، تم الحديث عن أن يكون دور إسرائيل في الجانب الاقتصادي للتعاون مع دول المنطقة
وعلى الجانب الآخر، فإن عملية تحلية المياه، يعد الجانب الأكثر تكلفة فيها هو ما يتعلق بالطاقة، وفي حالة استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية، تكون التكاليف أقل بكثير من استخدام الطاقة التقليدية، ولا يخفى على أحد أن تكنولوجيا الطاقة الشمسية متاحة منذ ستينيات القرن الماضي، ولدى العالم العربي، والأردن على وجه التحديد، علماء أكفاء في مجال الطاقة الشمسية.
إن الإعلان عن هذين المشروعين، ليس إلا تعبيراً عن غياب الإرادة السياسية العربية في تفعيل التكنولوجيا والبدائل المحلية، والاتجاه نحو التمكين لإسرائيل. فإقدام كل من مصر والأردن على تنفيذ هذين المشروعين، سوف يفتح الباب لاستيراد العدد والآلات الخاصة بتلك المشروعات من إسرائيل، وكذلك استيراد قطع الغيار طوال عمر تلك المشروعات.
من أسوأ مظاهر التخلف الاقتصادي عربياً، غياب أولويات التخطيط، وبخاصة على الصعيد القطري، ولا يمكن الحديث عن الصعيد العربي، لاقتصار جميع أعمال العمل العربي المشترك على إنشاء المؤسسات التي تُقيّد يدها فيما بعد عن تنفيذ أي أعمال، وأن تكون الأعمال كافة في شكل ندوات ومؤتمرات، لا تتعدى أن تكون حبراً على ورق.
ومن اللافت للنظر أن الإنفاق العربي على إنتاج التكنولوجيا متواضع، ففي حين تنفق المليارات على بناء أكبر الأبراج، أو إقامة المدن السياحية، أو الاستثمار في شراء نوادي كرة القدم بأوروبا، تنزوي مخصصات الإنفاق على التكنولوجيا، ويكتفى باستيراد المنتجات التكنولوجية.
وقد رأينا واحدة من أكبر نقاط العجز بالحرب مع اليمن، حيث تمكنت المسيرات المملوكة للحوثيين باليمن من إحداث خسائر كبيرة داخل المملكة العربية السعودية، من استهداف مخزونات النفط أو القصور الخاصة بالأمراء، أو بعض المطارات، في الوقت الذي تعد فيه المملكة العربية السعودية من أكبر مستوردي السلاح على مستوى العالم.
لقد وهب الله عز وجل المنطقة العربية الكثير من الموارد الطبيعية، والمواقع الاستراتيجية، ولكن يحتاج الأمر لامتلاك التكنولوجيا، فهي عصب الحضارة حالياً.
وإذا نظرنا إلى واحدة من المؤشرات التي تتضمنها قاعدة بيانات البنك الدولي، فإننا نجد أن صادرات إسرائيل من التكنولوجيا المتقدمة عام 2021 بلغت 16 مليار دولار، في حين أن العالم العربي كله بلغت صادراته من التكنولوجيا المتقدمة في عام 2017 نحو 2.8 مليار دولار فقط. حتى تقديم البيانات الحديثة، هناك فقر عربي فيها، فإسرائيل تقدم بيانات عام 2021، والعالم العربي يقدم بيانات 2017.
لست مغرماً بإسرائيل، ولا مروّجاً لتقدمها، فأنا أعلم حجم الدعم المادي وغير المادي الذي تتلقاه من أميركا والغرب، ولكن أن تُفتح لها الأبواب، ليزيد نفوذها في المنطقة العربية، وتمسك بما تبقى لنا من منتجات حيوية مثل الغذاء والكهرباء والماء، فتلك مصيبة كبرى، سوف توضع في سجل جرائم من يمكّنون لإسرائيل بالمنطقة العربية.