القمة العربية الأفريقية الثالثة
وضوح الرؤية
امتداد حضاري
مصالح إستراتيجية
انتهت القمة العربية الأفريقية الثالثة التي انعقدت في الكويت يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، واستدعى الحدث ذكر انعقاد قمم أخرى لأفريقيا مع كيانات أخرى، كان أقربها المؤتمر الوزاري الخامس لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي عقد ببكين في يوليو/تموز 2012.
وقراءة سريعة للبيان الختامي للحدثين تدل على وجود فارق كبير بينهما.
فالقمة العربية الأفريقية أتت لتتناسب والقمم العربية، حيث الصياغات الإنشائية التي لا تلزم جهة ولا تضع برنامجا، فتم التأكيد على مجموعة من المعاني والقضايا الدولية، مثل حقوق الإنسان وتمكين المرأة، ومواجهة الأمراض المستوطنة، وأهمية التعاون السياسي والاقتصادي إلى غير ذلك.
ولم يكن هناك من شيء ملموس سوى وعد أمير الكويت بتقديم قروض واستثمارات للدول الأفريقية بنحو ملياري دولار على مدار السنوات الخمس القادمة، وزيادة رأسمال المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا بـ50%.
"
القمة العربية الأفريقية أتت لتتناسب والقمم العربية، حيث الصياغات الإنشائية التي لا تلزم جهة ولا تضع برنامجا، فتم التأكيد على مجموعة من المعاني والقضايا الدولية مثل حقوق الإنسان وتمكين المرأة، ومواجهة الأمراض المستوطنة، وأهمية التعاون السياسي والاقتصادي
"
أما مؤتمر بكين في يوليو/تموز 2012، فأكد مجموعة من المعاني العامة لتقوية الروابط الصينية الأفريقية، مدعوما بحزمة من البرامج والالتزامات الصينية تجاه الدول الأفريقية على مدار السنوات الثلاث المنتهية في 2015. فتعهدت الصين بتقديم عشرين مليار دولار للدول الأفريقية كقروض ميسرة في مجالات البنية الأساسية والقطاعات الاقتصادية الأخرى، فضلا عن برامج التدريب والمنح الدراسية المجانية للطلاب الأفارقة.
فكل من العرب والصين أعلن شراكة مع أفريقيا، العرب بدؤوا شراكتهم مع أفريقيا في عام 1977، من نحو 36 عاما، انتهت إلى ثلاثة مؤتمرات، كان آخرها القمة العربية الأفريقية بالكويت. ولم تعكس هذه الفترة الطويلة من تأسيس علاقة التعاون تبادلا تجاريا كبيرا بين الطرفين، ففي نهاية عام 2010 بلغ التبادل التجاري بينهما 25 مليار دولار.
بينما الصين أعلنت شراكتها مع أفريقيا عام 2000 بحجم تبادل تجاري لا يتجاوز عشرة مليارات دولار، لكن إحصاءات 2012 تشير إلى وصول حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا إلى نحو مائتي مليار دولار، وكان متوسط زيادة التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا خلال الفترة 2000-2008 بنسبة 33.5% سنويا.
وإن كانت الأرقام تشير إلى فرق كبير في حجم التبادل التجاري بين أفريقيا وكل من العرب والصين، فإننا يجب ألا نقف عند الأرقام المطلقة كأرقام مجردة، ولكن نتعامل مع الأرقام في إطار وجود إستراتيجية للتعامل مع أفريقيا، وماذا تمثل لكل من العرب والصين، وهل العمق الإستراتيجي للعرب والصين يتوقف عند التبادل التجاري أم يمتد إلى أكثر من ذلك؟
وفي ما يلي نتناول التعاطي العربي والصيني مع أفريقيا لنقف على الفارق بين مشروع جاد يستهدف تحقيق إستراتيجية للصين التي تؤسس لبناء دولة عظمى من خلال انتشارها جغرافيا عبر البوابة الاقتصادية، وبين المشروع العربي الذي لا يجد إستراتيجية تعبرعن هويته في أفريقيا.
في عام 2000 عندما أسست الصين لعلاقاتها مع أفريقيا أصدرت ما سُمي الكتاب الأبيض، حددت فيه طريقة تعاملها مع أفريقيا بمختلف المجالات، وأن العلاقة تقوم على المساواة والثقة المتبادلة، وانتظم منتدى التعاون الصيني الأفريقي كل ثلاث سنوات، ليشهد تطورا لالتزامات الصين تجاه الدول الأفريقية.
فتم إسقاط 32 مليار دولار من ديون الدول الأفريقية الأقل نموا، وتقديم عشرة مليارات دولار كقروض تفضيلية للدول الأفريقية، وتزايدت الاستثمارات الصينية في أفريقيا لتصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، خاصة في مجالات إنتاج البترول والغاز، وإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة.
بينما الجانب العربي لم تمثله مؤسسة عربية ككيان إقليمي متمثل في جامعة الدول العربية، لكن الاهتمام بالشأن الأفريقي كان شأنا قطريا.
فمنتدى التعاون العربي الأفريقي الأول عقد بالقاهرة عام 1977 من خلال اهتمام مصر، وإن أتى إخراج العمل في ثوب عربي، ولا أدل على ذلك من المنتدى الثاني الذي عقد من خلال القمة الثانية في عام 2010 بليبيا، أي بعد 23 عاما من انعقاد المنتدى الأول بالقاهرة.
وكان انعقاد قمة ليبيا من خلال اهتمام العقيد القذافي إبان توجهه الأفريقي بصور مختلفة، ولذلك خرجت القمة الثالثة العربية الأفريقية بالكويت هزيلة من حيث النتائج العملية والالتزام ببرامج محددة تليق بنحو ثمانين دولة تمثل الجانبين العربي والأفريقي.
ومما يدلل بشكل كبير على التعاطي القُطري مع الشأن الأفريقي، وغياب رؤية عربية جماعية، أن هناك جهودا كثيرة لمؤسسات العمل الخيري الإسلامي تعمل في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، ولكنها تفتقد التنسيق في ما بينها كمؤسسات، فضلا عن عدم ارتباطها بمشروع محدد للدول العربية التي تنتمي إليها، ولذلك لم تفلح هذه الجمعيات من خلال أعمالها في أفريقيا في دعم المصالح العربية، سواء على صعيد السياسة الخارجية لتلك الدول، أو بلورة صورة موحدة للتواجد العربي في أفريقيا بحيث يمكن اعتبار أنها لوبي يعكس مصالح الدول العربية في أفريقيا.
خرج بيان القمة الصينية الأفريقية في يوليو/تموز 2012 ليعلن تبني الصين لتدريب ثلاثين ألف موظف أفريقي في مختلف المجالات، وتقديم نحو 18 ألف منحة دراسية مجانية لطلاب أفريقيا، بينما القمة العربية الصينية خرجت لتعلن جوائز بقيمة مليون دولار للبحوث والدراسات التي تهتم بتطوير مشروعات التنمية العربية الأفريقية.
"
شطبت الصين 32 مليار دولار من ديون الدول الأفريقية الأقل نموا، وقدمت عشرة مليارات دولار كقروض تفضيلية للدول الأفريقية، وتزايدت الاستثمارات الصينية في أفريقيا لتصل إلى عشرات المليارات من الدولارات
"
فمدخل الصين يمهد لترسيخ وجود جيل ممتد منذ عام 2000 ولفترة طويلة داخل أفريقيا يدين بالولاء للثقافة الصينية، ويرتبط علميا وتوعويا بالحضارة الصينية من خلال برامج التدريب والمنح الدراسية.
لقد اهتمت بعض الدول العربية مثل مصر والمملكة العربية السعودية بتقديم منح دراسية للطلاب الأفارقة خلال الفترة الماضية، ولكنها كانت تتركزعلى الدراسات الشرعية، وهي بطبيعتها لا تمثل احتياجا تنمويا للدول الأفريقية في الفترة الحالية، فضلا عن أن خريجي الدراسات الشرعية في كل من مصر والسعودية تنتهي علاقتهم بهذه الدول بعد انتهاء الدراسة الجامعية. على خلاف التجربة الصينية التي لم تقتصر على استقبال البعثات الأفريقية، ولكنها عمدت إلى بناء مؤسسات تدريبية داخل الدول الأفريقية لتتاح لها فرصة تدريب أكبر عدد ممكن.
تعتمد الصين في إستراتيجيتها بأفريقيا على أساس التوسع الجغرافي لتعاملاتها الاقتصادية، فلا تكون أسيرة التركيز مع أميركا والغرب، ولكنها تبحث عن أسواق أخرى، ليس فقط لتسويق منتجاتها الجاهزة، لكن للاستفادة من المواد الأولية التي تزخر بها أفريقيا، والتي ظلت لسنوات طويلة نهبا للدول الغربية وأميركا.
وتمتلك الصين ميزة تنافسية لا يمتلكها العرب في العلاقة مع أفريقيا، وهي أن الصين لديها قاعدة إنتاجية متنوعة، فهي تصدر للدول الأفريقية العدد والآلات، والمنتجات الصناعية النهائية، فضلا عن أعمال التنقيب والتكرير في مجال الصناعات الاستخراجية على عكس الدول العربية التي تتشابه اقتصادياتها مع اقتصاديات الدول الأفريقية من حيث تصدير المواد الأولية.
ولذلك استطاعت الصين أن تجد لنفسها موطئ قدم داخل أفريقيا لتنافس أميركا والغرب.
من جهة أخرى، فإن لدى الصين فوائض مالية ضخمة تفوق تلك التي تمتلكها الدول النفطية العربية، فاحتياطيات النقد الأجنبي في الصين تصل إلى نحو أربعة تريليونات دولار، وبالتالي فهي تمتلك المقومات الصناعية والعلمية، وكذلك تمتلك الفوائض المالية.
وتجد الصين في أفريقيا متسعا لتحويل ما لديها من احتياطيات من النقد الأجنبي والمكون من الدولار الأميركي بشكل رئيس إلى استثمارات في أفريقيا، فتخرج من تحت وطأة تخفيض قيمة العملة، أو تراجع معدلات الفائدة عليها، إلى تحويل تلك الثروة إلى أصول في شكل مشروعاتها الاستثمارية في أفريقيا، فتتحقق للصين قوة أكبر من حيث توزيع ثرواتها على أكبر رقعة ممكنة في العالم، وليس فقط في أميركا والغرب.
على العكس من ذلك لا نجد قراءة إستراتيجية للتواجد العربي في أفريقيا أكثر من مصالح اقتصادية قطرية للدول العربية، مثل السعي للاستثمار الزراعي من قبل الدول العربية النفطية، مثل دول الخليج، وهي بطبيعتها ليست دولا زراعية، وبالتالي تفتقر إلى التكنولوجيا في مجال الزراعة، فما يكون منها إلا أن تستورد هذه التكنولوجيا من الغرب أو أميركا لتمارس النشاط الزراعي في الأراضي الأفريقية.
"
كان للتواجد الصيني في أفريقيا سمات ودلالات اقتصادية خلال الفترة الماضية، وستشهد الفترة المقبلة توظيفا سياسيا لدولة الصين نحو مشروعها كدولة عظمى تواجه الحضارة الغربية وأميركا
"
ومن هنا نجد أن التواجد العربي في أفريقيا تواجد هش في مواجهة التواجد الإسرائيلي، على سبيل المثال، الذي استطاع أن يملأ الفراغ العربي في أفريقيا خلال العقود الماضية، خاصة بعد ضعف التواجد المصري. فأصبحت مصر والسودان مهددتين في دول منابع النيل، وأصبحت مشكلة المياه ليست أفريقية خالصة بين دول حوض النيل، ولكن امتلكت إسرائيل وأميركا زمام المبادرة من خلال تقوية علاقتهما بالدول الأفريقية لتكون المياه ورقة ضغط على كل من مصر والسودان.
وإن كان للتواجد الصيني في أفريقيا سمات ودلالات اقتصادية خلال الفترة الماضية، فإن الفترة المقبلة ستشهد توظيفا سياسيا لدولة الصين نحو مشروعها كدولة عظمى تواجه الحضارة الغربية وأميركا.
لكن يمكن أن يكون العرب حلفاء للصين في أفريقيا لتحقيق مصالح مشتركة، خاصة أن العلاقة بينهما لا يشوبها استعمار أو صراع سياسي سابق.
لكن ذلك يتوقف على الإرادة العربية التي كانت سببا في فشل مشروع التكامل الاقتصادي العربي، وبالتالي ففاقد الشيء لا يعطيه، وإن كنا نعول على استفادة العرب من تجاربهم السابقة حتى يحافظوا على بقاء مصالحهم الإقليمية في أفريقيا، وستمر السنوات الثلاث القادمة المقرر بعدها عقد القمة العربية الأفريقية الرابعة، لنرى من خلالها تطور أو إخفاق العلاقات العربية الصينية.
وليس بالضرورة أن نرى مزاحمة بين العرب والصين في أفريقيا، لكن نأمل في أن تحافظ الدول العربية على ما لديها من تواجد في أفريقيا، خاصة في ظل النمو والتقدم الاقتصادي المحرز أفريقيا، لكن أفريقيا سيكون خيارها بلا شك لمن يفيدها اقتصاديا واجتماعيا.