تجاوز سعر برميل النفط في السوق الدولية سقف 70 دولارا بعد مقتل قاسم سليماني، وكذلك بعد ضربات الصواريخ الإيرانية لقاعدة عين الأسد في العراق، حيث يوجد جنود أميركيون. وطبيعي أن تتأثر أسعار النفط في ظل التوترات السياسية والعسكرية، ولكن لا تزال حالة الترقب سيدة الموقف فيما يتعلق بمستقبل الصراع الإيراني الأميركي، بسبب ضبابية السيناريوهات المحتملة.
وظل النفط في منطقة الشرق الأوسط بمأمن من الصراعات المسلحة قبل ضرب منشآت شركة "أرامكو" السعودية، فقد حافظت قوات التحالف "الأميركي الإنجليزي" عام 1990 إبان إخراج القوات العراقية من الكويت، على بقاء آبار النفط ومنشآته خارج الصراع، وحتى بعد احتلال العراق عام 2003، فككت أميركا بنية الدولة العراقية باستثناء وزارة النفط التي لم يقترب منها أحد.
وحتى نظام صدام حسين، ورغم حسم أمر هزيمته ووقوع العراق تحت الاحتلال، لم يتم التفكير في تفجير آبار النفط أو تخريب منشآته، وهو الشيء نفسه الذي مورس في ليبيا، حيث ظلت منشآت النفط بعيدة عن الضربات وأعمال التدمير، وإن تعطلت بعض الشيء بسبب محاولات السيطرة عليها من قبل بعض الفرق المتنازعة هناك، لكن سرعان ما تعود إلى العمل والإنتاج مرة أخرى.
وحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2018، بلغت الاحتياطيات العربية من النفط مع نهاية 2017 قرابة 716 مليار برميل، وبلغت الاحتياطيات الإيرانية 175 مليارا بما يمثل 24% من إجمالي الاحتياطيات العربية.
ووفق مؤشرات 2017، بلغت معدلات الإنتاج العربية من النفط 24.3 مليون برميل يوميا، بينما بلغ معدل الإنتاج الإيراني في التاريخ نفسه 3.8 ملايين برميل يوميا.
أما ما يتعلق بالغاز الطبيعي، فالاحتياطيات العربية بلغت 45.7 تريليون متر مكعب عام 2017، في حين بلغت احتياطيات إيران من الغاز في التاريخ نفسه 33.9 تريليونا، بما يمثل 62% تقريبا من إجمالي الاحتياطيات العربية.
وبينما معدلات الإنتاج العربية من الغاز الطبيعي فقط 579 مليار متر مكعب عام 2017، بلغت معدلات الإنتاج الإيران 223 مليارا.
ولم تعد خريطة النفط والغاز في المنطقة قاصرة على الدول العربية وإيران، فهناك جديد بعد دخول اكتشافات حقول الغاز الطبيعي شرقي البحر المتوسط مجال الإنتاج، وبالتالي أصبحت قبرص واليونان وإسرائيل ضمن خريطة الدول المنتجة للمواد الأولية للطاقة.
ولكن الجديد هو ما حدث من ضربات وجهت إلى منشآت النفط التابعة لشركة "أرامكو" السعودية، وهو ما اعتبر نقلة نوعية في حلبة الصراع الإقليمي، بل ويراه البعض أحد الأسباب الرئيسية لتصفية أميركا قاسم سليماني ومرافقيه، لما سببه ذلك من حرج وإهانة للإدارة الأميركية، حيث صوّرها عاجزة عن حماية دول الخليج، وتأمين النفط كسلعة إستراتيجية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وإن كان هناك احتمال لدخول النفط بمنطقة الشرق الأوسط في دائرة الصراع، فمن المرشح أن تذهب الضربات لإصابة منشآت النقل أو معامل التكرير، ولكنها ستتجنب آبار النفط أو الغاز لما سيترتب على استهدافها من أضرار بيئية بالغة قد تتجاوز المنطقة إلى الدول الأوروبية.
أما المنشآت الأخرى المتعلقة بالنقل أو معامل التكرير، فسبق أن استهدفت الضربات الحوثية سفنا تحمل النفط من الإمارات والسعودية، وذلك قبل ضرب منشآت "أرامكو". وسيكون الهدف من هذه الضربات إضعاف الإمكانيات المالية والاقتصادية للدول النفطية العربية الداعمة لأميركا في موقفها ضد إيران.
ولكن علينا أن نأخذ في الحسبان أن التفكير في هذا الإطار لن يستثني إيران، إذ إن ضرب منشآتها النفطية سيسبب لها خسائر مستقبلية، إلا أن ذلك لا يشكل حاليا ضغطا عليها في الأجل القصير نظرا لما هو مفروض عليها من عقوبات اقتصادية من قبل أميركا، وتشمل النفط بشكل رئيسي
هناك عدة مبررات لاستهداف منشآت النفط من قبل أطراف النزاع، ولعل منشآت الإمارات والسعودية وإسرائيل تكون ضمن مكونات بنك أهداف مؤيدي إيران في اليمن أو لبنان أو سوريا أو العراق، خاصة أن هذه البلدان قريبة مما يسهل استهداف منشآتها. كما أن منشآت النفط الإيرانية يسهل أن تكون أهدافا لأميركا في ظل ترسانتها من الأسلحة المتطورة.
ونذكر من هذه المبررات ما يلي:
– يعد النفط عصب اقتصادات دول الخليج، وضرب منشآت النفط فيها سيصيب هذه الاقتصادات بالشلل ويجعلها توقف العديد من مشروعاتها الاستثمارية، وخاصة مشروعات رؤية 2030 في السعودية.
ويزيد من صعوبة الأمر أن اقتصادات السعودية والإمارات تعاني من أزمة مالية ووجود حالة من الركود الاقتصادي، وهو ما يضعف قدرة دول الخليج التي تتبنى مشروع الثورات المضادة على ممارسة دورها في العديد من الدول التي تستهدف فيها الوجود الإيراني، مثل اليمن وسوريا والعراق.
– قد يكون استهداف منشآت النفط الإيرانية استكمالا لهدم بنياتها الأساسية في مجال النفط والغاز، حيث كانت طهران تأمل بعد رفع العقوبات عنها مطلع العام 2017، أن يتم تجديد منشآتها النفطية واستجلاب معدات وآلات حديثة لإنتاج النفط. ولكن عودة العقوبات مع مطلع 2019 حرم الجمهورية من هذه الميزة.
ولأن إيران تعاني من العقوبات الاقتصادية، فقد يكون ضرب منشآتها النفطية بهدف تعجيزها بشكل كبير عن حراكها في المنطقة، ومنع تمدد مشروعها الإقليمي.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الإيراني يتسم بالتنوع، فإن اعتماد إيران على النفط لا يمكن إغفاله. ولعل ما صرح به الرئيس روحاني من أن ما تعانيه بلاده من أزمة اقتصادية هو الأصعب على مدار الـ40 عاما الماضية، خير دليل على معاناة إيران الاقتصادية والاجتماعية.
وبلا شك فإن حدوث هذا السيناريو سيرفع أسعار النفط في السوق الدولية بشكل كبير، لما سيترتب على الأمر من تراجع معدلات الإنتاج وتوقفها في أحيان كثيرة، وقد تكون هذه فرصة للدول النفطية المنتجة خارج أوبك -وعلى رأسها روسيا- والتي ستمثل لها هذه الحالة فرصة ذهبية.
وستكون هناك عوامل أخرى لرفع أسعار النفط في السوق الدولية حال وقوع سيناريو استهداف المنشآت النفطية في المنطقة، بسبب ارتفاع تكاليف التأمين على السفن الناقلة، وأسعار النقل كذلك.
وتظل هذه الافتراضات قابلة لأن تصبح مشروعات على أرض الواقع ما لم تشعر القوى الكبرى على الصعيد الدولي بعجز في إمدادات النفط بالسوق العالمي، أو قفز الأسعار إلى معدلات تربك حسابات الشركات المتعددة الجنسيات، أو معدلات التضخم في أميركا أو أوروبا والدول الصاعدة، وفي هذه الحالة ستكون المفاوضات حول الأزمة السياسية في المنطقة هي المخرج لاقتصادات المنطقة بما فيها إيران.