الرئيسية / الإمارات / موازنة الإمارات الصفرية تقشف تستدعيه الأزمة

موازنة الإمارات الصفرية تقشف تستدعيه الأزمة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 12-03-2009
  • 236
موازنة الإمارات الصفرية تقشف تستدعيه الأزمة
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

على مدار نحو خمسة عشر عاما مضت، كانت الإمارات قبلة اقتصادية إقليمية يقصدها
الراغبون في العمل، أو المستثمرون، بعيدا عن التعقيدات البيروقراطية في بقية دول المنطقة، ورغبة بالمشاركة في النجاح الذي حققته تجربة المناطق الاقتصادية الحرة في جبل علي، وغيرها من المناطق.

 ولم يكن النشاط الصناعي هو اللون الوحيد المزدهر في الاقتصاد الإماراتي، ولكن صاحبه رواج في قطاع العقارات، والقطاع المالي والمصرفي بشكل كبير، خاصة بعد الطفرة في العوائد النفطية التي شهدتها الإمارات منذ عام 2003 وحتى 2008.

 وصنف الاقتصاد الإماراتي قبل الأزمة من قبل البعض بأنه النموذج الخليجي الوحيد الذي خطى بشكل جيد نحو نموذج الاقتصاد المتنوع. وكانت المؤسسات الدولية والعديد من خبراء الاقتصاد يدعون دول المنطقة إلى الاستفادة من التجربة الإماراتية، والانفتاح على الاقتصاد العالمي.

ولكن مع وقوع الأزمة المالية العالمية، كانت الإمارات من أكبر الدول تأثرا بها، ويرجع ذلك للدرجة العالمية من الاندماج في الاقتصاد العالمي، وكذلك ارتفاع اقتصاديات المضاربة في العقارات وسوق الأوراق المالية، بل ووجود نشاط ملحوظ لعمليات غسيل الأموال في الأسواق الإماراتية.

 ولم تكن الموازنة العامة للدولة في الإمارات بمنأى عن الآثار السلبية؛ حيث أعلن عن موازنة عام 2009 بحجم 11.49 مليار دولار، وبزيادة في الإنفاق بنحو 21 % عن موازنة عام 2008، دون عجز أو فائض.

 وخلال مارس 2009 أعلن عن تبني دولة الإمارات لنظام الموازنة الصفرية خلال الفترة 2011- 2013، بما يطرح تساؤلات حول حقيقية توجه دولة الإمارات نحو نظام الموازنة الصفرية، خاصة أن البعض يربط بينها وبين تأثيرات الأزمة المالية.

ما هي الموازنة الصفرية؟

 بدأت الموازنة الصفرية في أمريكا من خلال أحد الشركات الكبرى، والتي تسعى لتفعيل ما يسمى الإدارة بالأهداف، ثم تطورت الفكرة لتخرج إلى حيز الحكومات مع مجيء الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر؛ حيث اقتنع بالفكرة، ثم نقلها إلى الحكومة الأمريكية الفيدرالية في منتصف السبعينيات من القرن العشرين.

وتوجد عدة تعريفات للموازنة الصفرية منها: إنها نظام يفترض عدم وجود أي خدمة أو نفقات في بداية العام المالي، واعتماد أكثر الطرق فاعلية للحصول على أكبر قدر من المخرجات بأقل تكلفة ممكنة.

 وهناك تعريف آخر، هو: إنها عملية تخطيطية بحيث يضع المدير كافة تفاصيل موازنته مبتدئا من نقطة الصفر.

وشأنها شأن باقي أنواع نظم الموازنات، فلها إيجابيات وسلبيات، ومن إيجابياتها توفير الحصر الدقيق لكافة النفقات وربطها بالأهداف الإستراتيجية للإدارة، وبالتالي توفير القدرة على إنجاز المهام بكفاءة أكبر.

 أما عن مسالبها، فهي توفر التمويل ولا تهتم بأن ينتهي المشروع أو البرنامج أم لا، وتترك المتابعة للمديرين، ولا توفر الضوابط للتأكد من انتهاء كافة البرامج والمشروعات.

من الاعتماد للموازنة الصفرية

 وللوصول لهذا النوع من الموازنات مرت الإمارات بمراحل عده، فكان يحكمها القانون رقم 14 لسنة 1973، إلا أنه شهد تعديلا في عام 2005، ليتم العمل بموازنة البرامج كبديل للنظام السابق، والذي كان يعتمد على تحديد الاعتمادات لبنود مطلقة، ولكن موازنة البرامج تضع برامج إستراتيجية تتفرع منها برامج فرعية، يتم الإنفاق عليها، للوقوف على العائد على الإنفاق بشمل أكثر دقة من ذي قبل.

وكان الانتقال إلى موازنة البرامج في الإمارات بدعم من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وفي مارس 2009 أعلن عن عزم دولة الإمارات إعداد موازنة صفرية لثلاثة أعوام خلال الفترة 2011 – 2013. وحسب ما هو منشور على موقع وزارة المالية بدولة الإمارات فإن التوجه نحو الموازنة الصفرية يحقق الأهداف التالية:

•    تطوير منهج وإجراءات ذات جودة عالية لإعداد الميزانية.

•    الوصول إلى أقصى قدر من الآثار الإيجابية على المجتمع مقابل الإنفاق الحكومي.

•  زيادة الأفق الزمني يمنح الجهات الاتحادية فرصة التركيز على الإنفاق المخطط، ويسهل من إجراءات التحديث والتجديد السنوية، وبذلك يكون لدى الحكومة تصور أفضل عن الحاجات التمويلية المجمعة خلال أفق زمني أطول.

•  الموازنة الصفرية تمكن الوزارات والجهات الحكومية من ربط الأهداف الإستراتيجية والتشغيلية بالميزانية بسهولة ووضوح، وعلى مدى زمني أطول.

•    العمل على ترجمة الإستراتيجية إلى خطط وبرامج عمل ملموسة لها مخصصاتها المحددة لإنجازها.

•  تزويد الجهات الاتحادية بأساسيات العمليات المالية بصورة شفافة وواضحة؛ لإتمام العمليات التشغيلية لإدارة الشئون المالية، وإيجاد فهم واضح لاقتراحات ومتطلبات الجهات الاتحادية من الميزانية العامة.

عجز ثم فائض

أما عن موقف موازنة دولة الإمارات من حيث العجز والفائض، فتشير البيانات المنشورة بالتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2008 إلى أن العجز كان بصورته الكبيرة في عام 2002؛ حيث بلغ نحو 8 مليارات دولار، ثم تراجع إلى أقل من النصف في عام 2003 ليصل إلى 3.9 مليارات دولار، ووصل إلى أقل مقدار له في عام 2004 ليصل إلى 415 مليون دولار فقط.

 ثم بعد ذلك بدأت رحلة الفائض بالموازنة العامة لدولة الإمارات على مدار الأعوام 2005 و2006 و2007 لتحقق فائضا وصل إلى 10.7 مليارات دولار و19.7 مليار دولار و17.3 مليار دولار.

 وتفسر هذه القفزة الكبيرة من العجز إلى الفائض بمبالغ تصل إلى ضعف العجز -بنحو مرتين ونصف- في أعلى مستوياته في عام 2002، بوجود الفوائض النفطية.

للموازنة الصفرية دلالات

 -موازنة 2009 في الإمارات دون عجز أو فائض، انعكاس واضح للأزمة المالية العالمية، فبعد وجود فائض في موازنة 2007 بنحو 17.3 مليار دولار، يأتي عام 2009 دون وجود أي فائض، وإن أمكن دولة الإمارات الحفاظ على هذا الأداء بالموازنة دون عجز، وخلال العامين القادمين فسوف يكون انجازا، خاصة في ظل توقعات تراجع أداء الاقتصاد العالمي وتدني معدلات النمو والتجارة الدولية.

- هناك نوع من الترتيب الجيد لطرح فكرة العمل بالموازنة الصفرية في دولة الإمارات؛ حيث أعلن عن بداية تطبيقها مع بداية عام 2011، وهو ما يعني عدم التسرع بالتطبيق هذا العام أو في عام 2010، وبذلك تتمكن الإدارة الحكومية من الوقوف بشكل أكبر على الآثار السلبية للأزمة المالية، وبالتالي يمكنها تحديد أهدافها وبرامجها التي تتناسب مع مواردها، خاصة في ظل تدني عوائد النفط، الذي يعتبر عصب تمويل الإيرادات الحكومية في دولة الإمارات.

- في الوقت الذي نستطيع الجزم فيه بوجود آثار سلبية على الاقتصاد الإماراتي، من خلال التوقف عن المشروعات العملاقة في قطاع العقارات، وتسريح العمالة في السوق الإماراتي، ودعم الحكومة للجهاز المصرفي من خلال ضخ السيولة في شرايينه، فإن اختيار نموذج الموازنة الصفرية، يمكن قراءته على أنه اختيار بين النماذج المتعددة للموازنة المطبقة في العديد من الدول (هناك موازنة الاعتماد والبنود، وموازنة البرامج والأداء، والموازنة الصفرية، والموازنة التعاقدية)، كما يمكن قراءته في ضوء التخفف من التزامات متراكمة يسلم بعضها لبعض؛ حيث ستحدد دولة الإمارات مشروعاتها وبرامجها خلال السنوات الثلاث المحددة، ثم تنتقل فيما بعد لبرامج ومشروعات جديدة، وبالتالي هناك مساحة من حرية اختيار البرامج ونوعيتها، وما يترتب عليه عجز بالموازنة أو تستطيع المواد السيادية الوفاء به من عدمه.

- ولكن طبيعة تكوين الناتج المحلي الإجمالي، كما يبينها تقرير مصرف لإمارات المركزي لعام 2007، تظهر أن قطاع الصناعات الاستخراجية يمثل 39 %، بينما القطاعات غير البترولية تمثل نسبة 61 %، ولكن يجب أن تقرأ مساهمة القطاعات غير البترولية في ضوء الأزمة المالية، وطبيعة هذه القطاعات التي سيطر عليها قطاع الخدمات، خاصة المالية منها، وهذه القطاعات أصيبت في مقتل مع وقوع الأزمة المالية العالمية. ولعل هيكل الصادرات الإماراتية يعكس الصورة الصحيحة لأداء الاقتصاد الإماراتي.

 ففي عام 2007 بلغت الصادرات البترولية 309 مليارات درهم، في حين بلغت الصادرات غير البترولية 125 مليار درهم في نفس العام. ومن هنا فالاتجاه نحو الموازنة الصفرية يعد نوعا من الموائمة مع المتطلبات التقشفية للأزمة المالية العالمية، خاصة أن أزمة البرامج سوف يكون عمرها في التطبيق نحو 6 سنوات فقط مع نهاية عام 2010.

-  يظل المبدأ الحاكم على أي نظام يتبع من نظم الموازنات المعروفة، بالعائد المحقق من الإنفاق العام، بغض النظر عن حجمه وكيفية توجيهه أو توظيفه، فالعبرة بالعائد الاجتماعي والاقتصادي لهذا الإنفاق.

- في إطار توجه دولة الإمارات نحو الموازنة الصفرية، يطرح السؤال عن احتياطيات النقد الأجنبي نفسه، لمعرفة مصيره في ظل الأزمة المالية العالمية، وبخاصة مصير الاستثمارات الخليجية في الخارج بوجه عام والاستثمارات الإماراتية بشكل خاص، وفي ضوء توجه الإمارات لتكوين ما سمى بالصناديق السيادية.

فوفق تقديرات صندوق النقد الدولي، -في تقرير "آفاق الاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط وآسيا مايو 2007"- ارتفع احتياطي النقد الأجنبي من 15.1 مليار دولار في عام 2003 وصل في عام 2007 نحو 32.5 مليار دولار.

أما الصناديق السيادية فغير معلن على وجه الدقة حجم الأموال المستثمرة بها، ولكن بعض التقديرات كانت تضعها في المرتبة الثانية بعد صناديق سنغافورة.