الرئيسية / إيران / مبررات تغير الأجندة الإيرانية تجاه الاستثمارات الأجنبية

مبررات تغير الأجندة الإيرانية تجاه الاستثمارات الأجنبية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 07-01-2015
  • 96
مبررات تغير الأجندة الإيرانية تجاه الاستثمارات الأجنبية
  • المصدر: الجزيرة

ضغوط كبيرة
تعديل دستوري

استجلاب التكنولوجيا
دعوة مسبقة

عاشت إيران تحت العقوبات الاقتصادية سنوات طويلة ولا تزال كذلك، وكان من سياستها في التعامل مع الغرب النظر بعين الشك والربية تجاه الاستثمارات الأجنبية، وبخاصة في قطاع النفط، الذي يعد المورد الأول للنقد الأجنبي لإيران، وأحد مصادرها الرئيسة للإيرادات العامة، والمكون الأول في صادراتها للعالم الخارجي.

وردا على تلك العقوبات لم ترحب إيران بالاستثمارات الأجنبية على أراضيها، وفي مجال النفط على وجه التحديد، وبخاصة الأميركية منها، واعتمدت على شركات من جنوب أفريقيا والصين. ولكن في مطلع يناير/كانون الثاني الحالي أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أنه "ولى وقت قول إن الاستثمار الأجنبي يهدد استقلالنا"، ويستقرأ من هذا التصريح أن ثمة تغيرا كبيرا حدث في وجهة نظر إيران تجاه الاستثمارات الأجنبية.

ولكن ثمة مجموعة من التساؤلات تطرح نفسها للوقوف على حقيقة التغير في أجندة إيران تجاه الاستثمارات الأجنبية، ومنها:

هل هذا التغير جاء نتيجة الضغوط التي ستُلم بالاقتصاد الإيراني بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة بسبب الانهيار الحالي لأسعار النفط في السوق العالمية الذي يتوقع أن يمتد سنوات قد تتجاوز المدى المتوسط؟

أم أن ذلك أتى نتيجة انفراج متوقع في نهاية مايو/أيار 2015، في ظل احتمال التوصل إلى اتفاق بخصوص برنامج إيران النووي مع أوروبا؟ وبالتالي يعد هذا التصريح بمثابة تمهيد للتغيرات المنتظرة من قبل إيران تجاه أميركا والغرب، وبداية تعاون اقتصادي بينهم.

أم أن الوضع الاقتصادي في إيران اكتشف بعد هذه المدة الطويلة أن تطوير قدراته في مجال إنتاج النفط والغاز للمعدلات المأمولة التي تقدر بضعف الطاقة الحالية مرهون باستجلاب الشركات الأميركية والأوروبية التي يتوفر لها حجم ضخم من التمويل والتكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال وكذلك في باقي المجالات الأخرى؟

"
في ظل هذا التراجع الحاد في إيرادات النفط الإيرانية، يكون من المنطقي أن تلجأ إيران للاستفادة من معطيات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مع الأخذ في الاعتبار أن حصة إيران الحالية من هذه الاستثمارات متواضعة جدا
"

ضغوط كبيرة

لا شك أن إيران قد تضررت بشكل كبير من تراجع أسعار النفط خلال الشهور الماضية، حيث انخفضت الأسعار بأكثر من 50%، عما كانت عليه في يونيو/حزيران 2014، ومن جهة أخرى فإن العقوبات الاقتصادية التي أحكمتها أوروبا على إيران خلال العامين الماضيين أثرت بشكل كبير على إيرادات إيران النفطية.

ففي عام 2011/2012 بلغت إيرادات النفط لإيران 118 مليار دولار، ثم تراجعت في عام 2012/2013 إلى 63 مليار دولار، ثم شهدت تراجعا أكبر في عام 2013/2014 لتصل إلى 56 مليار دولار. أي أن نسبة الانخفاض قد بلغت 62 مليار دولار مقارنة بين عوائد النفط بين عامي 2011/2012 و2013/2014.

ويتوقع أن تشهد السنة المالية الإيرانية الجديدة -المقرر أن تبدأ في مارس/آذار القادم- المزيد من تراجع أسعار النفط، وذلك بناء على تقديرات الموازنة للعام الجديد بسعر 72 دولارا للبرميل في حين أنه في الواقع أقل من هذا بكثير، حيث تدهورت أسعار النفط إلى ما دون 50 دولارا للبرميل في الخامس من يناير/كانون الثاني 2015.

وفي ظل هذا التراجع الحاد في إيرادات النفط الإيرانية، يكون من المنطقي أن تلجأ إيران إلى الاستفادة من معطيات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مع الأخذ في الاعتبار أن حصة إيران الحالية من هذه الاستثمارات متواضعة جدا، فقد بلغت عام 2013 نحو 3.5 مليارات دولار بعد أن كانت 4.6 مليارات دولار عام 2012، وإن كان يتوقع لها الزيادة بعد اتفاقيات الاستثمار مع الكويت وبعض دول الخليج في مجال صناعة الحديد. 

تعديل دستوري

وبفرض أن إيران تهيئ نفسها لاحتمالات التفاؤل بشأن مفاوضاتها مع أوروبا بشأن برنامجها النووي، وأنها ستجني ثمارا إيجابية لنجاح المفاوضات، ومن بين ثمار هذا النجاح الحصول على استثمارات أجنبية مباشرة من أميركا والغرب، فإن هناك مجموعة من المتغيرات لابد أن تشهدها إيران، على رأسها قانون الاستثمار الأجنبي المباشر الحالي بإيران.

حيث يفرض هذا القانون أن تكون حصة الشريك الأجنبي دون 50%، وهو شرط قد يصعب قبوله من قبل الشركات الأجنبية، ولا يتناسب مع طبيعة المجالات الضرورية التي تحتاج فيها إيران إلى الاستثمارات الأجنبية، وعلى رأسها تطوير جهازها الإنتاجي المتهالك في مجال إنتاج النفط.

وليس هذا فحسب فالدستور الإيراني في مادته رقم 81 ينص على أن "منح امتيازات للأجانب من أجل تكوين الشركات أو المؤسسات التي تعمل في التجارة، والصناعة، والزراعة، والمناجم والخدمات، أمر محظور كليا"، وبالتالي فالأمر يتطلب تعديل الدستور لاستقدام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتغطية بعض الأنشطة التي يعمل في إطارها الاستثمار الأجنبي، ويتطلب العمل بنظام الامتياز.

"
يرجح أن يكون هدف الحصول على تكنولوجيا متطورة في مختلف المجالات هدف لإيران خلال المرحلة المقبلة من خلال الاستفادة من استقدام الاستثمارات الأجنبية المباشرة
"

استجلاب التكنولوجيا

من أهم ما يروج له في مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أنها تجلب معها تكنولوجيات متطورة، وقد عاشت إيران في ظل عزلتها الاقتصادية عن العالم على مدار ما يزيد على ثلاثة عقود، بدون مواكبة التكنولوجيا الغربية المتطورة بالشكل المطلوب، مما جعلها تعتمد على التطوير الذاتي لتوفير احتياجاتها في مجالات الصناعة والزراعة على وجه التحديد.

ولكن هذه السياسة التي اعتمدت على شبه اكتفاء ذاتي لإيران في مجالي الزراعة والصناعة، لم تمكنها من الاستغناء عن استيراد العدد والآلات ووسائل النقل من الاتحاد الأوروبي، وذلك كحال غالبية الدول النامية. وعلى الرغم من التقارب الصيني الإيراني على مدار السنوات الماضية، وإنجاز الصين لمراحل متقدمة في مجالات التكنولوجيا المختلفة، فإن الميزان التجاري لإيران يُظهر أن هيكل وارداتها من العدد والآلات ظل على ما هو عليه من الاتحاد الأوروبي.

ولذلك يرجح أن يكون هدف الحصول على تكنولوجيا متطورة في مختلف المجالات هدف لإيران خلال المرحلة المقبلة من خلال الاستفادة من استقدام الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ولعل هذا الاتجاه ينسجم مع تصريح الرئيس روحاني بقوله "حياتنا السياسية أوضحت أننا لا يمكن أن نحصل على نمو مستدام ونحن في عزلة". فعلى الرغم من اتجاه إيران إلى عدم التوسع في الاستدانة الخارجية، وتوجيه عوائد النفط تجاه برامج عامة في مجالات الخدمات والإنتاج، فإنها فشلت بشكل كبير في مواجهة معدلات التضخم التي وصلت إلى نحو 25%، والبطالة التي تقترب من نسبة 15%، فضلًا عن العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

دعوة مسبوقة

المتابع للشأن الإيراني يجد أن الدعوة إلى استقدام الاستثمارات الأجنبية المباشرة ليست بالجديدة، فقد سبق في هذا المضمار الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني في نهاية الثمانينيات بالدعوة إلى استقدام الاستثمارات الأجنبية لإيران، واستبشرت الشركات الأوروبية خيرًا، وكذلك باقي الدول التي ترغب في ممارسة نشاط الاستثمار الأجنبي في إيران.

ولكن انتهت فترتَا رئاسة رفسنجاني دون أن يحرز أي مظهر من مظاهر النجاح تجاه البرلمان الإيراني الذي سيطر عليه المحافظون في ذلك الوقت، وكذلك مجلس صيانة الدستور، الذي يمارس رقابة عليا على أعمال البرلمان الإيراني، وبقي وصول الاستثمار الأجنبي إلى إيران مجرد أمنية.

ولا تعدو دعوة روحاني أن تكون تكرارا لتجربة رفسنجاني، حيث لا تزال القوى المحافظة مسيطرة على المشهد الاقتصادي من خلال مؤسساتها الاقتصادية في الداخل، ومن صالحها أن تستمر الحماية الكبيرة التي تتمتع بها في ظل عدم انفتاح إيران على الخارج، وسيطرتها على مجلس صيانة الدستور، الذي يمكنه أن يعطل توجهات روحاني أو البرلمان ببساطة شديدة، كما فعل مع رفسنجاني من قبل.