نحو استفادة قصوى من مشروع الطاقة الشمسية في السعودية
تعد اقتصاديات الطاقة من أهم الموضوعات التي تشغل المعنيين بالتنمية، ومن أجلها أصبحت منطقة الشرق الأوسط محط أنظار القوى الدولية، وما تعانيه منطقة الشرق الأوسط اليوم من وجود أساطيل القوى العظمى بالمياه الدولية المحيطة بالمنطقة، إنما يرجع لتأمين احتياجات الدول الكبرى من الطاقة.
ولا يزال الوقود الأحفوري (النفط والغاز) يمثل عصب مصدر الطاقة في العديد من دول العالم، على الرغم من رصد استثمارات ضخمة بمجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، قدرت بنحو 160 مليار دولار في 2016، لما تمثله من انعكاسات إيجابية على البيئة.
وتعتمد المملكة العربية السعودية إلى الآن على الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي) بشكل رئيس في إنتاج الكهرباء، وإن كانت الغلبة للغاز الطبيعي بنسبة 51% والباقي مناصفة بين النفط الخام وزيوت الوقود والديزل، بينما مساحة الطاقة المتجددة شبه منعدمة، ويصل استهلاك السعودية من الكهرباء 60 جيجاواط حسب بيانات 2016، ويتوقع أن يزيد هذا المعدل بنحو 6% سنويًا.
ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى كون السعودية على مدار عقود ماضية ظلت المنتج والمصدر الأكبر للطاقة في العالم، بحجم إنتاج يصل في بعض الأحيان لنحو 10.5 مليون برميل يوميًا، ولم يكن هناك توجه حقيقي للاعتماد على الطاقة المتجددة، وإن كانت المملكة قد شهدت إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ليكون دور هذه المدن مقتصراً على الجانب البحثي فقط، دون الدخول في مشروعات حقيقية على أرض الواقع لتساهم الطاقة المتجددة في إنتاج الطاقة بالمملكة.
التوجه للطاقة الشمسية
على الرغم من أن الأشهر القليلة الماضية شهدت حديثًا عن مباحثات أو عروض لإقامة مفاعل نووي بالسعودية عبر التعاون مع روسيا، إلا أن الأمر لم يتطور لتوقيع عقود أو إبرام صفقات، ولكن على صعيد الطاقة الشمسية، فقد تمت خطوة يتوقع لها أن تدخل حيز التنفيذ في 2019، من خلال إنشاء محطتين للطاقة الشمسية بطاقة إنتاجية من 3 – 4.2 جيجاواط.
حيث وقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مذكرة تفاهم مع صندوق رؤية سوفت للطاقة لتنفيذ خطة الطاقة الشمسية 2030، وصندوق رؤية هو شراكة بين السعودية واليابان، وتضمنت مذكرة التفاهم الإشارة إلى تنفيذ أول مشروعاتها بنحو 5 مليارات دولار، يقدم الصندوق مليار دولار، وباقي التكلفة ستكون تسهيلات ائتمانية. وحسبما تناولته وسائل الإعلام فإن المشروع سوف يوفر سنويًا للمملكة 40 مليار دولار، وسيزيد من قيمة الناتج المحلي 12 مليار دولار سنويًا، كما سيتم إنشاء مصنع لإنتاج الألواح الشمسية، وسيتم العمل على تطوير الإنتاج ليكون محققًا للأبعاد التجارية بحيث يمكن تصدير هذه الألواح للخارج.
الفرص والتحديات
بلا شك فإن أي عمل أو مشروع بقدر ما يتيح من فرص بقدر ما يواجه من تحديات، وتبقى الإدارة الناجحة ما دامت تستطيع تعظيم الفرص وتقليل مخاطر التحديات، والسؤال الآن هو، ما هي الفرص التي يطرحها دخول المملكة العربية السعودية عصر الطاقة الشمسية من خلال رؤية 2030؟ وكذلك ما هي التحديات التي سيواجهها المشروع.
- في ظل التقدم التكنولوجي، من الصعوبة بمكان أن نطلق على مشروع ما أنه أكبر عمل في المنطقة أو العالم، كما يطلق على المشروع الوليد للطاقة الشمسية بالسعودية، وبخاصة إذا ما كنا نتحدث عن عام 2030، أي بعد نحو 12 عامًا، وهي فترة يمكن أن يُحدث فيها البحث العلمي تطورًا هائلًا لتطوير هذه التكنولوجيا، لتكون الطاقة المولدة من خلال مساحات أقل من الألواح الشمسية، أو الطاقة التخزينية، التي تعتبر أهم ما سيواجه المشروع السعودية، فليست العبرة بالقدرة على تخزين الطاقة المنتجة من الشمس، ولكن العبرة بتخفيض التكلفة المالية لهذه العملية قدر المستطاع.
- الحديث عن حجم الوفورات التي سيحققها المشروع للسعودية من حيث كميات النفط والغاز المستخدمة في توليد الطاقة، أو الوفورات المالية، يفرض على من يخطط للتنمية تحد مهم في كيفية التصرف في الوفورات من النفط والغاز الطبيعي، وبخاصة أن السعودية لديها مخزون كبير من الاحتياطي النفطي يبلغ نحو266.4 مليار برميل بنهاية 2016، وذلك حسب تقدير التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2017، هل سيتم الاكتفاء بتصدير الوفورات من النفط والغاز في شكل مواد خام؟ ستكون الخطوة بلا شك إهدارًا للثروة السعودية، فلابد من التفكير في تعظيم القيمة المضافة للثروة السعودية من النفط والغاز، سواء من خلال عمليات التكرير، أو الصناعات البتروكيماوية، ويتطلب هذا توجيه جزء من الوفورات المالية التي سيحققها مشروع الطاقة الشمسية، لتطوير البحث العلمي الخاص بتعظيم القيمة المضافة من الوفورات النفطية.
- 100 ألف فرصة عمل ميزة طرحها الإعلام السعودي عبر تصريحات المسئولين السعوديين حول مشروع الطاقة الشمسية، ولابد هنا أن نشير إلى مدى استفادة المواطنين السعوديين من هذه الفرص، هل ستكون متاحة للوافدين، بحكم تمتعهم بالخبرات العلمية؟ والتحدي الذي تفرضه هذه الفرصة هي البدء في تطوير مؤسسات التعليم لتتواكب مع متطلبات المشروع من يد عاملة، سواء من فنيين أو مهندسين وغيرهم من العمالة عالية المهارة، ويفضل أن تكون برامج الدراسات الجامعية وما بعد الجامعة تستهدف إعداد العمالة السعودية للاستفادة بأكبر قدر ممكن من الوظائف التي سيوفرها المشروع.
- سيتيح المشروع في حالة تنفيذه في ضوء الأحلام المعلنة الطاقة بسعر رخيص مما يساعد على خفض تكلفة تحلية المياه، مما يساعد على توفير المياه الصالحة للزراعة، وهي فرصة لتغطية السعودية واحدة من أهم القضايا والتحديات التي تواجهها على صعيد الأمن القومي، وهي إنتاج احتياجاتها من الغذاء. والتحدي هنا هو الوصول لكميات إنتاجية من الطاقة بأسعار اقتصادية تمكن من زيادة الكميات المحلاة من المياه لتوجيهها لأعمال الزراعة. وبطبيعة الحال سيرتبط بذلك وجود الصناعات الزراعية والغذائية وتطويرها لتتواكب مع الفرص المتاحة، وهو ما يستلزم الترتيب بين الروابط الأمامية والخلفية للمشروع ليمثل حالة نهوض بالمملكة.
- الشراكة مع اليابان في هذا المجال بلا شك مهمة، لما تملكه اليابان من إمكانيات تكنولوجية متقدمة، ولكن هل تم البحث عن مصادر أخرى لتكنولوجيا الطاقة الشمسية أقل تكلفة من اليابان، وبخاصة أن هناك دول كثيرة لديها هذه الميزة؟ والجانب الأخر الذي لم تتم الإشارة إليه، هو المزايا التي سيحصل عليها الجانب الياباني من المشروع، حتى تكتمل الصورة، ويكون المواطن السعودي على بينة من أن هذه الشراكة تتسم بالعدالة، وأن الاستفادة من المزايا متساوية، أو على الأقل تتناسب مع طبيعة وحصص الشراكة. والنقطة الأخيرة في هذا المضمار، هي المساهمة المالية من قبل الجانب الياباني، فالجانب السعودي يمتلك موارد مالية كبيرة عبر مشاركة الصندوق السيادي، ولكن لابد أن يكون لليابان مساهمة مالية تضمن تدفق استثمارات جديدة لشرايين الاقتصاد السعودي.
الحديث عن المشروعات القومية في المنطقة العربية عادة ما يتميز بكثرة ما تجنيه اقتصادياتنا من ثمار، ولكن الأمر في النهاية يصل إلى مرحلة أن يتم تنفيذ المشروعات بنظام “تسليم المفتاح” بمعنى أن يقوم الشريك الأجنبي بتنفيذ الجزء الأكبر من المشروع، دون مساهمة من أبناء الوطن، أو أن تكون مساهمتهم محدودة، وهو ما يخشى من فعله بمشروع الطاقة الشمسية بالسعودية.