تعد سلطنة عمان الأقل من بين دول الخليج من حيث إنتاج وتصدير النفط والغاز، ومع ذلك فهي دولة نفطية بالدرجة الأولى، ويمثل النفط ما يزيد عن 46% من ناتجها المحلي الإجمالي، البالغ 70.2 مليار دولار بنهاية عام 2015، وفق ما ورد في قاعدة بيانات البنك الدولي.
كما لا تمتلك سلطنة عمان احتياطيًا من النقد الأجنبي يمكن التعويل عليه، فمع نهاية عام 2015 بلغ هذا الاحتياطي 17.5 مليار دولار، بينما كان العجز بالموازنة العامة للسلطنة في عام 2016 بحدود 9 مليارات دولار، ويتوقع أن يكون العجز في 2017 عند هذه الحدود.
وكانت سلطنة عمان من أسرع دول الخليج تعاملًا مع التداعيات السلبية لأزمة انهيار أسعار النفط، حيث اتخذت مجموعة من التدابير لتقليص النفقات ومنع الدعم عن المقيمين وقصره على المواطنين فقط، فضلًا عن رفع أسعار خدمات الماء والكهرباء وخدمات عامة أخرى بشكل واضح.
ولعل الحديث عن العجز المالي ولجوء سلطنة عمان إلى الاقتراض الخارجي، أو تبني برنامج للتقشف لن يكون بجديد، فعمان تتساوى في ذلك مع باقي الدول النفطية، ولكن سنركز في تناول التحديات التي تواجه السلطنة في عام 2017، من خلال محاور أخرى أبرزها ما ورد في الخطة الخمسية التاسعة التي تغطي الفترة 2016 – 2020.
أتى الإعلان عن الخطة الخمسية التاسعة بعمان ليتواكب مع أوضاع اقتصادية وسياسية حرجة تمر بها المنطقة العربية ومنطقة الخليج، فتقديرات منظمة الأوبك توضح أن أزمة انهيار أسعار النفط لن تهدأ قبل عام 2020.
كما أن مخطط النزاع الإيراني الخليجي أو بشكل محدد النزاع الإيراني السعودي، حدد له أن يستنزف الجانبين وإن كانت عمان لا تتصدر المشهد في النزاع الخليجي الإيراني كما هو حال السعودية، إلا أن دورها على الصعيد السياسي والاقتصادي مثير للجدل ويمكن وصفه بأنه مضعف للموقف الخليجي، إذ تتواكب المواقف العمانية في كثير من الأحيان مع التوجهات الإيرانية. وفيما يلي نشير إلى التحديات التي تواجه الخطة الخمسية التاسعة لعمان 2016-2020.
التحولات الأربعة التي بدأت بها الخطة باعتبارها أساسيات بنيت عليها باقي مكوناتها، لا يمكن الاختلاف عليها من حيث الأهمية ولكن تبقى مسألة تفعيل هذه التحولات على أرض الواقع تحديًا كبيرًا، مثل العمل على إيجاد اقتصاد متنوع وإعطاء مساحة أكبر للقطاع الخاص والانضباط المالي بالموازنة العامة وتشجيع الشباب للعمل بالقطاع الخاص والعزوف عن القطاع الحكومي.
وتمثل المستهدفات الرقمية لكل محور على المستوى السنوي أو مع نهاية الخطة، التحدّي في هذا الموضوع قبالة الاقتصاد العماني. وما يدلّل على كون هذه التحولات مستهدفات ورقية، ما ذكرته الخطة نفسها في صفحة 27 من تقويم أداء الخطة الرابعة، بكون الخطة الرابعة لم تحقق مستهدفاتها فيما يتعلق بالقطاع الخاص والتّنوع الاقتصادي والتحول في سوق العمل.
ثمة تلاعب بالأرقام في بعض مكونات الخطة، فحين تتم الإشارة إلى زيادة مكونات الاقتصاد غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي خلال الخطة الخمسية الرابعة، بحيث كانت مساهمة القطاعات غير النفطية 5.7% مقابل 2.3% للقطاعات النفطية، لابد من الأخذ في الاعتبار أن انخفاض أسعار النفط خلال الفترة من يوليو 2014 إلى نهاية 2015، كانت مؤثرة بشكل كبير، حيث بلغت نسبة الانخفاض في أسعار النفط 67%، وبالتالي فزيادة أداء القطاعات غير النفطية لم يكن لتحسن في الأداء بقدر ما كان ناتجًا عن تراجع أسعار النفط.
التعويل على مشاركة أكبر للقطاع الخاص العماني لمواجهة التحديات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة، وبخاصة في عام 2017 فيه مبالغة، فتقويمات الخطة الرابعة تذكر أن القطاع الخاص لم يتوسع في مشروعات إنتاجية، ولكنه تبنّى مشروعات خدمية، ولم يساهم بالشكل المطلوب في توليد فرص عمل للمواطنين، ولكنه اعتمد على العمالة الوافدة بشكل رئيس.
وحسب الأرقام الرسمية فإن 67% من سكان سلطنة عمان دون سن الـ 30 الفئة العمرية (15 -29)، ويضاف إلى ذلك زيادة رغبة النساء في المشاركة في سوق العمل، وهي أمور تلقي بأعباء إضافية على كاهل الاقتصاد العماني، بغض النظر عن دور القطاع العام أو الخاص، ومما يؤسف له فإنه لم تعالج تشوهات سوق العمل بعمان على مدار السنوات الماضية، وبخاصة فيما يتعلق بعدم مناسبة مخرجات المؤسسات التعليمية لاحتياجات سوق العمل.
من المعلوم أن القطاع الخاص في منطقة الخليج بشكل عام، وعمان جزء منه، يعتمد على الإنفاق العام الحكومي وأي انخفاض في الإنفاق الحكومي ينعكس بالسلب على أداء القطاع الخاص، وبالتالي يصبح الحديث عن العمل على وجود ميزة نسبية للاقتصاد العماني من خلال القطاع الخاص، تحديا أكبر من إمكانيات القطاع الخاص وهي أحلام يصبح من الصعب تحقيقها.
من التحديات التي أشارت إليها مستهدفات خطة 2016-2020، إيجاد نمو مستدام وفعال ومتطور، وجعلت النسبة المقبولة خلال السنوات القادمة 3%، في حين أن ثمة تقديرات ترى أن هذه النسبة ستكون بحدود 2% في 2017 ولذلك فهناك شك في تحقيق الاستدامة؛ أما التّنوع والتطور فهي أمور من الصعب تحقّقها في ظل عدم تطور الموارد البشرية والإقتصادية لسلطنة عمان.
ملف العلاقات الاقتصادية بين إيران وسلطنة عمان، أحد التحديات التي تواجه سلطنة عمان في عام 2017 وما بعده، من حيث عدم توفّر البديل عن إيران من جهة، ومن جهة أخرى ما يمثله ذلك من ضعف علاقات سلطنة عمان مع دول الخليج، وبخاصة السعودية، إلا إذا كانت سلطنة عمان تستهدف أن تستفيد من الطرفين وسيكون التحدي في هذه الحالة كبير على السلطنة، لتحقيق حالة من التوازن بين الطرفين.
وفي الوقت الذي تتمتع فيه دولة الإمارات بموقف اقتصادي متقدم مع إيران، إلا أن الوضع السياسي لا يتفق مع الواقع الاقتصادي بين البلدين، ولكن سلطنة عمان تتفرد بوضع متقدم على مستوى دول الخليج في علاقتها مع إيران على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
كانت سلطنة عمان من أسرع دول الخليج والمنطقة بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، في إبرام اتفاق بشأن استيراد الغاز الطبيعي. وليس هذا فحسب بل تم الإعلان عن توقيع اتفاق بين البلدين لتصدير الغاز الإيراني من خلال الموانئ العمانية، عبر خط أنابيب لعبور الغاز بين البلدين، ولئن كانت أمريكا تمارس ضغوطا على عمان للبحث عن موردين آخرين للغاز الطبيعي من موانئها غير إيران.
وتتجه إيران نحو توطيد علاقاتها الاقتصادية مع عمان؛ حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما قرابة مليار دولار سنويًا وذلك وفق البيانات الخاصة بعام 2016، إلا أنه من المرجح أن يشهد هذا الرقم تزايدًا خلال عام 2017، حيث تركز سياسة سلطنة عمان على تنشيط قطاع الخدمات بها وعلى رأس هذا القطاع نشاط السياحة. ونظراً لأن إيران تجعل من تصدير السياحة ورقة مؤثرة في علاقاتها بعدد من دول المنطقة مثل تركيا ومصر، فإن سلطنة عمان ستعول كثيرًا على استقدام السياح الإيرانيين لتحسين الإيرادات للإقتصاد العماني.
ومن ناحية أخرى فإن إيران تنتهج كذلك جعل سلطنة عمان قاعدة إنتاجية لتصدير منتجاتها لباقي دول شرق آسيا واليمن، كما أعلن من خلال الإعلان عن تدشين إنتاج سيارة مشتركة بين البلدين خلال الشهور القليلة الماضية.
سوف يمثّل تنشيط العلاقات الاقتصادية بين إيران وسلطنة عمان خلال الفترة القادمة، ورقة ضغط على دول الخليج وبخاصة السعودية، التي تعمل على تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل عام وفي الخليج بشكل خاص.
الصورة: “يبال” أكبر حقل نفط في سلطنة عمان
المصدر: Bilfinger SE