حسب آخر التقديرات لمعهد صناديق الثروة السيادية (SWF) في مايو 2020، أتت ثلاثة صناديق سيادية خليجية ضمن أكبر 10 صناديق سيادية على مستوى العالم من حيث قيمة أصولها. احتل صندوق أبو ظبي المرتبة الثالثة عالميًا بقيمة 579 مليار دولار مع الأخذ في الاعتبار أن الإمارات تمتلك عدة صناديق سيادية يصل إجماليها إلى نحو 1.2 تريليون دولار، ثم الصندوق الكويتي في المرتبة الرابعة بنحو 533.7 مليار دولار، وأتى الصندوق السعودي في المرتبة التاسعة عالميًا بقيمة 360 مليار دولار.
وحلت باقي صناديق الدول الخليجية خارج ترتيب أكبر 10 صناديق سيادية في العالم، وإن كانت قطر أتت في المرتبة 11، بقيمة 295 مليار دولار، ثم البحرين بنحو 16.6 مليار في المرتبة 38 على مستوى العالم، ثم سلطنة عمان بـ 14.2 مليار دولار في المرتبة 41 على مستوى العالم.
ورغم هذه الأرقام التي تبدو للبعض مثيرة للإهتمام من خلال تبوأ بعض الصناديق الخليجية مرتبة متقدمة عالميًا، إلا أنها تواجه مشكلة مركبة من خلال تراجع أسعار النفط التي تمثل المورد الرئيس لاستثمارات هذه الصناديق، وكذلك التداعيات السلبية لأزمة كورونا من حيث كونها تعمق من استمرار انهيار أسعار النفط في السوق الدولية. وبالتالي تراجع الإيرادات النفطية، ومن ناحية أخرى تضغط أزمة كورونا على اقتصاديات الخليج من حيث زيادة النفقات المتعلقة بما تفرضه الأزمة من احتياجات الرعاية الطبية والرعاية الاجتماعية وتقديم حزم التحفيز.
ثالث مشكلات الصناديق السيادية الخليجية في ظل أزمة كورونا هي إدارة تلك الصناديق، التي تعد من أبرز ملامح عدم الشفافية أمام المتابع للشأن الخليجي. فهل من صالح اقتصاديات الخليج السحب من أرصدة هذه الصناديق لصالح تمويل عجز الميزانيات، بسبب انخفاض أسعار النفط وما تفرضه أزمة كورونا من نفقات؟ أم الأفضل، هو أن تتوجه حكومات الخليج لتدبير احتياجاتها التمويلية في ظل أزمتي انخفاض أسعار النفط وتداعيات كورنا السلبية إلى الديون والمصادر الأخرى؟ بلا شك، ومع غياب الشفافية المالية لدول الخليج، لا يبدو من الممكن للمحلل أو معني بقضايا التمويل أن يجزم بما هو مناسب لاقتصاديات هذه الدول.
في دولة مثل النرويج تتسم بالشفافية المالية، وجه القائمون على أمر صندوقها السيادي – يعد الأول على مستوى العالم- بضرورة البحث عن مصادر أخرى للتمويل، وعدم الاعتماد بشكل رئيس على أصول الصندوق التي قد تنفد خلال 10 سنوات. وإن كانت تقديرات إفلاس مماثلة قد أطلقت تجاه الوضع بالنسبة للصناديق السيادية الخليجية لكنها أتت عبر خبراء أجانب ومؤسسات غربية لا من قبل القائمين على أمر هذه الصناديق أو وزراء المالية للدول المالكة. وكانت تقديرات صندوق النقد الدولي تذهب إلى أنه في حالة استمرار اعتماد الاقتصاديات الخليجية على الموارد النفطية كمصدر وحيد لتمويل احتياجاتها فإن أرصدة صناديقها السيادية ستنفد خلال 15 عامًا.
تعود نشأة الصناديق السيادية لتحقيق مجموعة من الأهداف، منها، تحقيق مصالح سياسية واقتصادية للدول على الأجل البعيد وبخاصة في مجالات التأثير السياسي، وتعد الصناديق السيادية من أقوى الأوراق في قضية التوظيف السياسي الدولي والإقليمي لأصحابها. وإن كانت الصناديق السيادية الخليجية، في هذا المضمار، من أقل الدول استفادة حيث تمارس عليها ضغوط لتواجدها في أسواق معينة، فضلًا عما فرضته أزمات المنطقة من ضغوط على الدول الخليجية، ما دفع أطراف الأزمة من دول الخليج إلى توظيف أموال هذه الصناديق لجذب الدعم الدولي والإقليمي لصالحها في إدارة الصراعات المحتدمة.
في الأجل القصير يبدو دعم الميزانيات العامة بمثابة الهدف والمهمة الرئيسة للصناديق السيادية. رغم ذلك، فرضت أزمة كورونا على العالم أجمع تداعياتها السلبية على الأوضاع المالية ما تسبب في خلق أزمة أكبر، وحد من قدرة الدول في تفعيل هذه الورقة للخروج من مأزق عجز الموازنات، نتج ذلك بسبب الهبوط الكبير في قيمة الأسهم والسندات في السوق الدولية ما دعا معهد صناديق الثروة السيادية لأن يتوقع في مارس 2020، أن تحقق الصناديق السيادية الخليجية خسائر بنحو 300 مليار دولار بنهاية 2020.
لا تعد ظاهرة خسائر الصناديق السيادية قاصرة على الصناديق الخليجية حيث أعلن صندوق النرويج -أكبر صندوق سيادي- في مارس 2020 بأن خسائره المتحققة نتيجة انخفاض قيمة محفظته الاستثمارية (من أسهم وسندات) بلغت نحو 124 مليار دولار.
ومما يؤسف له، أن أداء دول الخليج لا يتسم بالشفافية في الأوضاع المالية بشكل عام، وفي شأن الصناديق السيادية بشكل خاص. كان ينتظر أن تخرج الصناديق الخليجية لتعلن موقف استثماراتها، كما فعلت النرويج، ولكن طبيعة النظم السياسية في دول الخليج لا تُتيح لمواطنيها الاطلاع على مثل هذه البيانات.
وفي حال لجوء دول الخليج إلى الاستفادة من أرصدة الصناديق السيادية وتسييل بعض أصولها فسيكون ذلك مجلبة لتحويل الخسائر الدفترية الناتجة عن انخفاض قيمة الأسهم إلى خسائر حقيقية بقدر ما تقدم دول الخليج على بيع حصص من الأسهم والسندات، بسبب انهيار الأسعار في البورصات العالمية.
ما أمكن رصده من سلوك دول الخليج هو أنها اتجهت إلى أمرين، الأول هو التوسع في الدين العام كآلية لسد عجز الموازنة وذلك عبر الاقتراض محليًا ودوليًا، وبالفعل أصدرت كل دول الخليج سندات دولية، بمبالغ متفاوتة، بغرض سد عجز الموازنة خلال عام 2020.
والأمر الثاني، وعلى عكس ما هو متوقع، أعلنت بعض دول الخليج أنها توظف بعض استثماراتها بصناديقها السيادية لشراء المزيد من أسهم شركات النفط العالمية، وكذلك شركات التكنولوجية، كما فعلت السعودية برفع استثمارات صندوقها السيادي في أمريكا إلى 9.8 مليار دولار في 2020 مقارنة بـ 2.2 مليار دولار في 2019 للاستفادة من انخفاض أسهم الشركات.
وعلى الرغم من أن توجه الصندوق السيادي السعودي منشور في وسائل الإعلام الخاصة بالمملكة على أنه ميزة واقتناص للفرص في ظل انخفاض أسعار الأسهم بسبب أزمة كورونا، إلا أنه يمكن قراءته على أنه نوع من الدعم السياسي لحكومة الرئيس دونالد ترامب.
إذا ما تركنا جانبًا الأطر السياسية المختلفة لأداء الصناديق السيادية الخليجية وركزنا على مستقبلها من الجانب الاقتصادي، فإننا أمام تحد جلي للجميع يتمثل في استمرار التداعيات السلبية لكورونا، وبالتالي، انخفاض أسعار النفط خلال عام 2020 و2021 وهو ما قد يفرض المزيد من الضغوط على أصول هذه الصناديق عبر تصرف الحكومات ببيع بعض أصولها.
قد تترك الحكومات الخيار السابق للتخفيف من الخسائر الناتجة عن الانخفاض الكبير بسوق الأوراق المالية، وتفضيل الاقتراض من السوق الدولية عبر ضمان المخزونات النفطية.
آجلًا أو عاجلًا، سوف يتحرك الطلب على النفط ويضمن الدائنون أموالهم، لكن تبقى المقارنة بين كُلفة هذه الديون وخسائر بيع الأسهم أو الاحتفاظ بها في الأجل الطويل كمعيار للمفاضلة بين الخيارين.