الرئيسية / مقالات تحليلية / دلالات زيارة الوفد الاقتصادي الأمريكي لمصر

دلالات زيارة الوفد الاقتصادي الأمريكي لمصر

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 28-08-2012
  • 113
دلالات زيارة الوفد الاقتصادي الأمريكي لمصر
  • المصدر: موقع الأناضول

على الرغم من العلاقات الممتدة بين مصر وأمريكا منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، إلا أنها لا تحظى بقبول شعبي كبير لاعتبارات سياسية واجتماعية، من أبرزها المعونة الأمريكية، التي وظفت من قبل أمريكا لصالح مشروعها السياسي من أجل السيطرة على مقدرات المنطقة الاقتصادية والسياسية.

كما أن صورة أمريكا لدى الشارع المصري بعد ثورة 25 يناير بات أكثر سلبية لتبني الثوار وجهة نظر قائمة على أن أمريكا لم تكن تمانع مشروع توريث جمال مبارك للحكم في مصر بغض النظر عن التداعيات السلبية على الحياة السياسية والديمقراطية بمصر، وأن أمريكا كان يعنيها في هذا المقام تحقيق مصالحها وإن كان الثمن هو ضياع الحياة الديمقراطية والسياسية السليمة للشعب المصري، وأن أمريكا كثيرًا ما ساندت حكم الديكتاتور مبارك ولم يكن لها مواقف واضحة تجاه تجاوزات نظام مبارك في القضايا السياسية الداخلية، وبخاصة المتعلقة منها بحقوق الإنسان.

ويزور القاهرة وفد اقتصادي أمريكي خلال الفترة 27 – 30 أغسطس، وتأتي الزيارة ضمن مجموعة من الزيارات لمسئولين امريكان رفيعي المستوى لمصر منذ 25 يناير، وكانت زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون أبرز هذه الزيارات. وحسب ما هو معلن فإن مهمة الوفد الأمريكي هي تقديم الدعم اللازم لمصر أثناء المرحلة الانتقالية لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي وكذلك المساعدة في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، والالتقاء برجال أعمال مصريين من أجل زيادة الاستثمارات الأمريكية بمصر.

إلا أن توقيت زيارة الوفد الحالي للقاهرة له العديد من الدلالات من حيث المغزى والمعنى، نشير إليها بعد تناول أبرز الملفات الاقتصادية بين مصر وأمريكا، والتي من أهمها، الاستثمارات الأمريكية في مصر، والعلاقات التجارية والاقتصادية، وملف الديون الأمريكية المستحقة على مصر، ثم الملف الأكثر سخونة منذ فترة وهو المعونة الأمريكية لمصر.

أولًا: الاستثمارات الأمريكية في مصر

يقدر حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر بنحو 14 مليار دولار، وحسب تقديرات النشرة الاقتصادية للبنك المركزي المصري عن شهر يوليو 2012 فقد بلغ تدفق الاستثمارات الأمريكية لمصر خلال عام 2010/2011 نحو 1.7 مليار دولار أمريكي، بينما بلغت هذه الاستثمارات مع نهاية الربع الثالث من العام المالي 2011/2012 نحو 428 مليون دولار أمريكي.

وبشكل عام فإن أمريكا تعتبر من أكبر الدول ذات الاستثمارات الأجنبية في مصر، وتأتي معظم هذه الاستثمارات في مجال استخراج النفط، وهي بطبيعتها استثمارات كثيفة رأس المال. ولا يشعر المواطن المصري بشكل عام بأثر مباشر لهذه الاستثمارات في واقع حياته.

ثانيًا: العلاقات التجارية

يقدر حجم التبادل التجاري بين مصر وأمريكا بنحو 9.6 مليار دولار حسب بيانات التقرير السنوي للبنك المركزي المصري لعام 2010/2011، وتمثل الواردات المصرية من أمريكا 6 مليار دولار، بينما تقدر الصادرات المصرية لأمريكا بنحو 3.6 مليار دولار لنفس العام، وبذلك يحقق الميزان التجاري بين البلدين فائضًا قدره نحو 2.4 مليار دولار. وتبلغ نسبة التبادل التجارى بين البلدين 12.3 % من إجمالي التبادل التجاري لمصر في نفس العام والمقدر بنحو 77.8 مليار دولار.

وتعد أمريكا من أكبر موردي القمح لمصر. وعلى المستوى القطري فإن أمريكا تشكل الشريك التجاري لمصر منذ سنوات، وإن كان الاتحاد الأوروبي يحتل المرتبة الأولى كشريك تجاري لمصر على صعيد التكتلات الإقليمية.

ثالثًا: ديون أمريكا المستحقة على مصر 

بلغت الديون الأمريكية المستحقة على مصر في 30 يونيو 2011 نحو 3.1 مليار دولار أمريكي، وبما يعادل نسبة 9 % من إجمالي الديون الخارجية لمصر في ذلك التاريخ، والبالغ نحو 34 مليار دولار، وتأتي أمريكا ضمن أكبر أربع دول دائنة لمصر وهي ( اليابان، ألمانيا، أمريكا، فرنسا).

وكانت أمريكا قد أسقطت نحو 6.7 مليار دولار أمريكي في مطلع التسعينات من ديونها العسكرية المستحقة على مصر بسبب موقف القاهرة الداعم للتحالف الغربي ضد العراق في أزمة الخليج الثانية.

وبعد ثورة 25 يناير أعلنت الإدارة الأمريكية أنها سوف تسقط مليار دولار من ديونها على مصر، كأحد صور الدعم الأمريكي للاقتصاد المصري، على أن تتم مبادلة هذه الديون بمشروعات تنموية محلية بمصر. وإن كان هذا الوعد الأمريكي لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن، بحجة غياب السلطات المدنية المسئولة في مصر. ولكن بعد وجود مؤسسة الرئاسة وتوليها زمام الأمور فمن المتوقع أن يدرج هذا الموضوع على جدول أعمال زيارة الوفد الأمريكي مع الحكومة المصرية.  

رابعًا: المعونة الأمريكية

يعد ملف المعونة الأمريكية لمصر من الملفات المتجددة كل عام، حيث يثار حولها جدل من قبل بعض السياسيين في أمريكا ومطالبة مصر ببعض الأمور التي يعتبرها المصريون شأنًا داخليًا، وكان آخرها قضية المنظمات الأمريكية التي تعمل في مجال حقوق الإنسان بالأراضي المصرية دون الحصول على التراخيص اللازمة من حكومة مصر، التي قامت بدورها بغلق هذه المنظمات وهو ما عرف اعلاميا باسم قضية التمويل الاجنبى.

وقد بدأت المعونة الأمريكية لمصر في منتصف سبعينيات القرن الماضية، وبخاصة بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد. وتقدر الأموال التراكمية التي حصلت عليها مصر بموجب اتفاقيات المعونة الأمريكية نحو 35 مليار دولار، ووصلت المعونة الأمريكية لمصر مؤخرًا إلى نحو 1.25 مليار دولار سنويًا، منها معونة عسكرية تقدر بنحو مليار دولار، و250 مليون دولار كمعونة اقتصادية.

ولكن ثمة ملاحظة مهمة في هذا الشأن أنه ومنذ عام 1985 توقفت المعونة الأمريكية عن تمويل مشروعات البنية الأساسية في مصر واقتصرت على ما يسمى تمويل برامج الإصلاح وإعداد السياسات الخاصة بالمجالات الاقتصادية.

ومنذ شهور تبنت بعض قوى المجتمع المدني المصري الدعوة للاستغناء عن المعونة الأمريكية والدعوة للاكتتاب العام وتوفير مبالغ للخزانة العامة المصرية تساوي قيمة المعونة الأمريكية، ولكن لم تحظ هذه الدعوة بتحقيق نتائج ملموسة يمكن البناء عليها.

دلالات الزيارة

من الصعوبة بمكان تصور أن تكون زيارة الوفد الاقتصادي الامريكى للقاهرة لها أبعادها الاقتصادية المحضة دون أن يصاحبها أهداف سياسية، بل يمكننا القول بأنها زيارة سياسية بالدرجة الأولى وإن ألبست ثوبًا اقتصاديًا، ومن المسلم به في العلاقات الدولية أن كافة المساعدات أو المنح أو القروض الثنائية، عادة ما يكون لها أغراضها السياسية.

ومن هنا ستكون دلالات زيارة الوفد التي يرصدها التحليل هي مزيج بين الاقتصاد والسياسة.

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية قد وعت بأن الرأي العام المصري قد أصبح يتمتع بمساحة كبيرة من الحرية وتكوين صورته الذهنية عن أمريكا وغيرها من القوى العالمية بعيدًا عن الضغوط السلطوية، وبالتالي فالزيارة تأتي في جزء كبير منها في إطار تحسين صورة أمريكا لدى المصريين، وأن أمريكا تقدم دعمها من أجل عودة الاستقرار الاقتصادي والسياسي لمصر.

  ثمة تغير ملحوظ في طبيعة العلاقة بين البلدين، فلم تعد مصر بعد هي التي تسعى لأمريكا من خلال ما عرف ببعثات طرق الأبواب التي كانت تضم نخبة من رجال الأعمال أصحاب الصلات العميقة بأمريكا. وساد اعتقاد لدى المجتمع المصري ينظر بأن هذه الزيارات لتحقيق مصالح شخصية لرجال الأعمال. كما أن العلاقات الاقتصادية في إطار بعثات طرق الأبواب لم تؤد إلى شيء يذكر في تحسين أوضاع الفقر أو البطالة في مصر، وبخاصة في السنوات الأخير قبل ثورة 25 يناير.

لعل توقيت الزيارة له مغزى مهم وهو صرف الأنظار عن زيارة رئيس الجمهورية ووفد رجال الأعمال بالصين، وتوصيل رسالة مفادها بأن الوجود الأمريكي له حضور وجاهز لتقديم الدعم الذي تريده مصر، وبخاصة في ملف كان من ذي قبل من الملفات الصعبة وهو ملف حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي. وكذلك الاطمئنان على التوجه الاقتصادي المصري بشأن العلاقات الاقتصادية مع إيران، حيث تحرص أمريكا على عدم تطور هذه العلاقات، باعتبار أن إيران هي العدو الأول لأمريكا بالمنطقة.

يلاحظ أن السعي الأمريكي لدعم الاقتصاد المصري قد أخذ منحى أكثر جدية بعد قرار الرئيس المصري الإطاحة بالقيادات العسكرية، ولا تأتي هذه القراءة في إطار دعم أمريكا للدولة المدنية، ولكن لما استنتجته أمريكا من أن الإدارة المصرية الجديدة أصبحت تمتلك قرارها بالكامل، وبالتالي فعلى أمريكا أن يكون لديها أداء جديد يتواكب وتوجهات الإدارة الجديدة لتظل أمريكا على خريطة التوجهات الخارجية لمصر. وهذا ما لمسناه من سرعة توجيه الدعوة للرئيس المصري لزيارة أمريكا في سبتمبر القادم.

وفضلًا عن هذا فإن هناك مطالب داخل النخبة المصرية بالتوجه نحو تجمع "البيركس" الذي يضم الدول الصاعدة، لإقامة الجسور الاقتصادية مع هذه الدول والاستفادة من تجاربها في الاعتماد على الذات في تجربتها التنموية، وكذلك حسن إدارتها لملفاتها الاقتصادية في ظل الاندماج في العولمة الاقتصادية، حيث خرجت هذه الدول من الأزمة المالية العالمية بأقل خسائر ممكنة، بل وتعول أوروبا وأمريكا على دعم هذه الدول للخروج ومن أزمتهما الاقتصادية.