الرئيسية / مقالات تحليلية / الريعية وتحديات أخرى يواجهها اقتصاد قطر في 2017

الريعية وتحديات أخرى يواجهها اقتصاد قطر في 2017

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 01-11-2016
  • 120
الريعية وتحديات أخرى يواجهها اقتصاد قطر في 2017
  • المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر

المساحات غير الظاهرة في أداء الاقتصاد القطري أكبر من تلك التي ترصدها التقارير الاقتصادية، فالحديث عن عوائد النّفط وتراجع معدلاتها وتأثير ذلك على وقف تنفيذ بعض المشروعات غير كاف في ظل عدم وجود بيانات عن الاستثمارات الخارجية لدولة قطر.  

ما هو حجم تلك الاستثمارات؟ وما هو العائد عليها؟ وأين تتواجد؟ وما هي الضمانات التي تحيط بهذه الاستثمارات؟ وما هو دورها في تأمين مستقبل القطريين؟ هل يمكن أن يكون لها  دور سياسي يخدم الدولة القطرية من جهة ويخدم قضايا المنطقة العربية من جهة أخرى؟

إن القراءات الظاهرة للإحصائيات والأرقام الاقتصادية المنشورة قد تعطي نتائج غير حقيقية، فالأرقام المنقوصة لا تعكس الصورة الكاملة، كما أنّ إعلان قطر عن تأمينها الاستثمارات الكافية لمشروعات البنية الأساسية الخاصّة بمسابقات كأس العالم في عام 2022، كل ذلك غير كاف لطمأنة المواطن القطري، ذلك أنّ التداعيات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها منطقة الخليج، تحتاج إلى شفافية أكثر مما هو عليه الوضع في دولة قطر.

تقديرات أحد الباحثين عن منتدى صندوق النقد الدولي تشير إلى أن رصيد صندوق الثروة السيادية لدولة قطر بلغ 256 مليار دولار في نهاية 2015، ومع ذلك لم تشفع هذه المليارات لسدّ عجز الموازنة في عام 2016، مما جعل الحكومة القطرية تلجأ إلى إصدار سندات في السوق الدولية بنحو 9 مليارات دولار. إن المبررات كثيرة للإجابة على عدم الاستفادة من أرصدة الصندوق السيادي في سد عجز الموازنة، ولكن من غير المقبول أن تدار تلك الاستثمارات بصورة لا تمكن من مواجهة التقلبات الاقتصادية لدولة تعتمد على سلعة شديدة الارتباط بالتّقلبات الخارجية مثل النفط.

فهل يفوق العائد على الاستثمار لتلك الأموال العائد المدفوع من قبل حكومة قطر من أجل اقتراض 9 مليارات دولار من السوق الدولية؟ إن الإجابة على تلك التساؤلات تساعد بشكل كبير على قراءة مستقبل الاقتصاد القطري بشكل عام، وعلى أدائه في عام 2017 بشكل خاص.

إذا كان العجز بالموازنة العامة لدولة قطر في عام 2016، ألجأها لاقتراض 9 مليار دولار من السوق الدولية وسعر النفط في أحسن أحواله لم يتجاوز حاجز الـ 50 دولار، فماذا ستفعل قطر في عام 2017؟ في ظل استمرار تراجع أسعار النفط، وبخاصة أنه حسب تقديرات تقرير آفاق الاقتصاد العربي لعام 2016 أن السعر التوازني لبرميل النفط للموازنة القطرية هو 61 دولار.

التقديرات الاقتصادية المستقبلية

تذهب تقديرات صندوق النّقد العربي إلى تراجع أداء الاقتصاد القطري في عام 2017 مقارنة بما هو متوقع في عام 2016، فعلى صعيد معدّل النّمو الاقتصادي يتوقع تقرير آفاق الاقتصاد العربي الصادر في سبتمبر 2016 أن يصل معدل النّمو الاقتصادي إلى 3% في عام 2017 مقارنة بنحو 3.2% في عام 2016. ويوضح التقرير أن مصادر النّمو في الاقتصاد القطري لازالت محصورة في النفط وقطاع البناء والتشييد.

وإن كان نفس التقرير يتوقع أن تنخفض معدّلات التّضخم في قطر إلى 2.7 % في 2017، فإن الواقع يشير إلى عكس ذلك في ظل التوجهات الاقتصادية  لقطر والتي تستهدف خفض الدعم الحكومي وزيادة رسوم بعض الخدمات العامة مثل الماء والكهرباء، وكذلك التوجه نحو رفع الدعم عن الوقود، فكل ذلك من شأنه أن يساعد على رفع معدّلات التضخم وليس تراجعها.

أما العجز المالي بالموازنة القطرية فقد أشار تقرير “الآفاق الاقتصادية لدولة قطر 2016 – 2018” إلى بلوغه نسبة 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016. ويتوقع أن يستمر على المستوى نفسه خلال العام 2017، وأن يشهد هذا العجز تحسّنًا في العام 2018.

ولكن هذا التوقع بتحسّن العجز المالي لدولة قطر في 2018، مبني على افتراض ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، وهو افتراض بعيد عن الواقع في ضوء فشل أوبك في الاتفاق على تجميد سقف الإنتاج، أو استمرار النّزاع الإيراني السعودي، أو تصاعد الخلاف الأمريكي السعودي مؤخرًا حول قضية حق المتضررين من أحداث 11 سبتمبر في مقاضاة المملكة العربية السعودية.

لا يعتبر سعر النفط في السوق الدولية قضية اقتصادية بحتة، ولكنه مزيج ما بين الاقتصاد والسياسة، وبخاصة في ظل سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على سوق النفط، وهي شركات تتبع أمريكا والغرب بالدرجة الأولى.  

التحديات الاقتصادية لقطر في 2017

ثمة مجموعة من التحديات سوف تواجه الاقتصاد القطري في عام 2017، منها ما يتعلق ببنية الاقتصاد القطري ومنها ما يتعلق بالمناخ الاقتصادي العالمي والإقليمي، وفيما يلي نتناول هذه التحديات:

لا يزال الاقتصاد العالمي يمر بموجة تشاؤمية حول إمكانية تعافيه من تبعات الأزمة المالية العالمية، وكذلك الأزمة المالية في أوروبا وما يساعد على استمرار هذه الحالة التشاؤمية هو ما يروج عن سوء الأوضاع المالية بالصين، والتي يتوقع لها أن تؤثر على مقدرات الاقتصاد العالمي بشكل أكثر سلبية مما عايشه الاقتصاد العالمي مع أزمة عام 2008.

ومن هنا سوف يتأثر الاقتصاد القطري سلبا بأداء الاقتصاد العالمي، نظرًا لدرجة الاندماج العالمية التي يعيشها الاقتصاد القطري مع الاقتصاد العالمي، وخاصة أن الاقتصاد القطري يرتكز بشكل رئيس على النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أن مدخرات واستثمارات قطر الخارجية هي جزء من حركة الاقتصاد العالمي، و تعتريها مخاوف مما يترقّب السوق الدولية.

لا يخفى على أحد التطورات السلبية التي تمر بها المنطقة العربية، وبخاصة حالة الصراع مع إيران ومشروعها التوسعي بالمنطقة، مما فرض على دول الخليج الدخول في صراع مع إيران في اليمن وسورية بشكل واضح، وبحكم أن قطر تلتزم في هذا الصراع بالتوجهات السعودية، فإن هذا الملف سيكون له تبعاته الاقتصادية، لعلّ أهمها تخصيص نفقات إضافية لم تكن في الحسبان، وهو ما  سيؤثر بلا شكّ على أداء الاقتصاد القطري خلال عام 2017. وليس هذا فحسب بل قد تمتدّ لما بعد عام 2017، نظرًا لأن هذا الصراع يخطّط له لأن يستنزف ثروات المنطقة على مدار سنوات العقد القادم.

حسب تقديرات تقرير “الآفاق الاقتصادية لدولة قطر 2016 – 2018″، فإن الناتج المحلي الإجمالي سوف يشهد تراجعًا ملحوظًا، وذلك بسبب السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة القطرية في ظل أزمة انهيار أسعار النفط، والتي مفادها عدم الدخول في مشروعات استثمارية جديدة، والاكتفاء باستكمال المشروعات الحالية.  

ويظل الحديث عن استراتيجية التنوّع الاقتصادي التي تتحدث عنها حكومات دول الخليج ومن بينها الحكومة القطرية، حبر على ورق، فهو حديث يتكرر مع كل مرة تنخفض فيها أسعار النفط، ثم يتبدّد هذا الحديث مع عودة أسعار النفط للارتفاع.

فهيكل الناتج القطري لا تزيد فيها الصناعات التحويلية عن نسبة 10.7%، وهي صناعات تقوم بالأساس على المنتجات النفطية، ويمثل قطاع الخدمات نحو 36.6% من الناتج، أما قطاع البناء فيساهم بحوالي 7.5%، والنسبة الأكبر من الناتج لصالح قطاع المعادن والصناعات الاستخراجية وهي 46.9%.

وفي ضوء الأوضاع الجديدة التي تعيشها قطر والتي تستغني فيها عن جزء كبير من العمالة الأجنبية، فسوف يؤثر ذلك بالسلب على أداء قطاع الخدمات، وهو ما يفسر جزء من جانب توقعات انخفاض الناتج المحلي لقطر في 2017.