الرئيسية / مقالات تحليلية / الحيادية مأزق يلاحق وكالات التصنيف الائتماني

الحيادية مأزق يلاحق وكالات التصنيف الائتماني

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 12-05-2013
  • 111
الحيادية مأزق يلاحق وكالات التصنيف الائتماني
  • المصدر: موقع الأناضول

اعتادت وكالات التصنيف الائتماني أن تصدر تقاريرها عن أداء اقتصاديات الدول والشركات الكبرى والأدوات المالية المختلفة، إلا أن هذه التقارير أصبحت محل نظر منذ الأزمة المالية العالمية، التي انهارت فيها مؤسسات وبنوك بل واقتصاديات دول، كانت تصدر بشأنها تقارير من تلك الوكالات تؤكد على جدارتها الائتمانية وقوة مراكزها المالية.

ويوم الخميس الماضى خفضت وكالة استاندارد أند بورز التصنيف الائتماني لمصر، ليصل إلى (+CCC) بدلًا من (-B) وذلك فيما يخص الاقتراض طويل الأجل، كما تم تخفيض التصنيف للقروض قصيرة الأجل من (B) إلى (C).

وأرجع التقرير أسباب خفض التصنيف الخاص بمصر إلى عوامل اقتصادية تتعلق بتزايد الضغوط على احتياطي النقد الأجنبي، وكذلك وجود مخاوف بشأن سلامة الاستدامة المالية للموازنة العامة للدولة، والقدرة على السلم الاجتماعي، وعرج التقرير على تعثر مفاوضات صندوق النقد الدولي، وتأخر مصر في الحصول على قرض من الصندوق يقدر بنحو 4.8 مليار دولار، وأشار التقرير أيضًا إلى الأسباب السياسية المتمثلة في حالة عدم الاستقرار.

والملفت للنظر أن خفض استاندارد أند بورز للتصنيف الأئتمانى لمصر يأتى بعد أيام قليلة من اعلان البنك المركزى المصرى عن زيادة احتياطيات البلاد من النقد الاجنبى بنحو مليار دولار نهاية شهر أبريل الماضى ليصل الى 14.4 مليار دولار ، وكذا وجود استقرار نسبى فى الشارع السياسى المصرى ،بالاضافة الى تلقى مصر مساعدات مالية من ليبيا وقطر تقدر بنحو 5 مليار دولار ،وهو ما يثير سؤالا مهما حول مغزى توقيت صدور هذا التصنيف ودقة المعطيات التى استند عليها.

ويأتي التصنيف الائتماني من وكالة استاندارد أند بور لمصر خلال الأيام القليلة الماضية كذلك في ظل تحسن ملموس لمؤشرات الاقتصاد المصرى والأخبار المتوالية عن تحسن أداء ميزان المدفوعات والصادرات والسياحة، مما يؤدي إلى تحسن المؤشرات الكلية ، وبخاصة تلك المتعلقة بالموارد الدولارية.

وعلى الرغم من أهمية هذه التقارير الصادرة عن وكالات التصنيف الائتماني، إلا أن تاريخها يدعونا لإعادة النظر في مدى الأخذ بنتائجها في الاعتبار، فقبل ثورة 25 يناير كانت هذه الوكالات تصدر تقاريرها بشكل إيجابي عن أداء الاقتصاد المصري، بينما كان واقع هذا الاقتصاد يقول أنه يعاني على عدة مستويات، مثل تزايد عجز الموازنة، وزيادة الدين العام المحلي، وعدم كفاءة تخفيض الإنفاق العام، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، والاعتماد على المصادر الريعية، وتراجع مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي، وغيرها من المشكلات الهيكلية، مما جعل تقارير هذه الوكالات محل شك، أو أنها تأخذ بمجموعة من المؤشرات غير معبرة بشكل دقيق عن أداء اقتصاديات الدول أو الشركات.

وعالميا تكرر هذا السيناريو ، فقبل وقوع الأزمة المالية العالمية فى أغسطس 2008 كانت وكالات التصنيف العالمية تمنح البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية درجة ممتاز +AAA،وثبت بعد وقوع الأزمة ان المؤسسات الأمريكية لم تكن تستحق هذا التصنيف حيث كانت تعانى مراكزها المالية من مشاكل حادة وحالات تعثر أدت فى النهاية لانهيارها .

ومن شأن تصنيف استاندارد أند بور الأخير لمصر أن يرفع من تكلفة القروض التي تحاول الدولة الحصول عليها من السوق الدولية، وإن كان التصنيف يصف الحالة في مصر على أنها مستقرة، ولم تصل مصر بعد إلى مرحلة عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، بل لعل السبب الرئيس الذي أدى إلى خفض قيمة احتياطي النقد الأجنبي المصري إلى نحو 13.4 مليار دولار بنهاية مارس/ أذار الماضي، هو قيام مصر بسداد التزاماتها الدولية من أقساط وفوائد الدين الخارجي والمقدرة بنحو 1.5 مليار ونصف المليار دولار سنويا منها 700 مليون دولار تم سدادها فى يناير - كانون الثانى 2013.

غياب المنهجية

لا توجد وكالة واحدة لإصدار التصنيفات الائتمانية على مستوى العالم، ولكن توجد عدة وكالات، أبرزوها الثلاثة الكبار (استاندارد أند بورز، موديز، فيتش)، التي تتخذ من أمريكا مقرًا لها. واللافت للنظر تعدد التصنيفات للاقتصاد الواحد أو للمؤسسة الواحدة، من قبل هذه الوكالات، فكل واحدة منها لها مكون مختلف لتصنيفها، وبالتالي توجد مساحة كبيرة للتقديرات، ومدى اعتماد هذه التصنيفات.

وعدم وجود مؤشرات موحدة ومعتمدة في التقييم يخلق مساحة واسعة لمن يقوم بعمليات التقييم، وقد تخضع في ظل هذه الأجواء عمليات التقييم للرؤية الشخصية، والأمر يتعلق باقتصاديات دول وبقرارات استثمار، لا تحتمل أن تكون تحت وطأة التقدير الشخصي.

ومن الصعوبة بمكان أن تعمل هذه الوكالات تحت مظلة واحدة، ولكن من المقبول أن تتوحد معايير التقييم، حتى يكون التصنيف الصادر معبرًا عن واقع حقيقي.

ولذلك يطالب البعض بوجود قوانين منظمة لعمل وكالات التصنيف الائتماني، وبخاصة في ظل تضارب المصالح، حيث تحصل هذه الوكالات على رسوم نظير إصدارها هذه التقارير. وهو الأمر المثير للجدل، فكيف تحصل تلك الوكالات على رسوم ونضمن حيادها؟.

وبالتالى من الأفضل أن تخضع هذه الوكالات لضوابط قانونية تضمن عدم تعارض المصالح مع أداءها، بجمعها بين إصدار التصنيفات والحصول على رسوم.

واقع سلبي

لعل أبرز الأخطاء التي وقعت فيها تلك الوكالات، أنها لم تشر من قريب أو بعيد عن وقوع الأزمة المالية العالمية التى اطاحت بالاقتصاد الامريكى فى اغسطس 2008، وعلى الرغم من أن كافة تصنيفاتها تكون متعلقة بالمستقبل، إلا أنها لم تتنبأ بتلك الأزمة، ومن يومها وتصنيفات هذه الوكالات محل شك، حيث كانت تصنيفاتها للعديد من المؤسسات المالية واقتصاديات دولية تفيد بجدارتها الائتمانية، وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، ولكن واقع الأزمة، أظهر نتائج عكس ذلك، ولولا تدخل البنوك المركزية والحكومات الغربية وأمريكا، لكان الاختفاء من السوق هو مصير تلك المؤسسات الكبرى.

ومن الطبيعي أن يكون لدينا تاريخ لتصنيفات تلك الوكالات عن الجدارة الائتمانية للاقتصاديات الأوروبية المنهارة حاليًا، فقد كانت تلك الوكالات تصدر تصنيفها للسندات المضمونة بالرهن العقاري بجدارة ائتمانية عالية، حتى في ظل حالة الركود التي انتابت سوق العقارات بأمريكا في عام 2006 .

لقد رُفعت العديد من القضايا من قبل حكومات ومستثمرين على وكالات التصنيف الائتماني، لما ترتب على تقاريرها الخاصة بتقييم الديون، أو الأدوات المالية المختلفة بأكبر من قيمتها، أو بأكبر مما تستحق من جدارة ائتمانية، من خسائر، ولعل الأبرز في هذه القضايا ما كان من الولايات المتحدة الأمريكية ضد وكالة استاندارد أند بورز، حيث دخلت الوكالة في مفاوضات ودية مع وزارة العدل الأمريكية لتسوية القضية نظير دفع مبالغ كبيرة، وتكررت نفس الحالة مع استراليا.

وإذا كانت أمريكا واسترليا وبعض المستثمرين ذوي الملاءات المالية أصحاب القدرة على تحمل التكاليف المالية الكبيرة الخاصة بالتقاضي، فما هو حال الدول النامية والمدينة التي تتسبب تقارير هذه الوكالات في تحقيق خسائر وأضرار بالغة لها.

دور سياسي

ليس من قبيل الصدفة أن يكون مقر وكالات التصنيف الثلاث الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من التراجعات المتتالية في مؤشرات الاقتصاد الأمريكي منذ بداية الالفية الثالثة، إلا أن التصنيف الائتماني الصادر عن هذه الوكالات للاقتصاد الأمريكي، لا يقل بحال من الأحوال عن (+AAA)، واستثناء على هذه القاعدة أصدرت وكالة استاندارد أند بورز تصنيف يفيد بتراجع التصنيف الائتماني لأمريكا، إلا أن هذا التصنيف لم يستمر طويلًا، حيث تراجعت الوكالة عن هذا التصنيف وأبقت وضع الاقتصاد الأمريكي في أفضل مراتب التصنيف كما كانت من قبل.

ويعد موقف وكالات التصنيف الائتماني من توصيف الاقتصاد الأمريكي مثيرا للتساؤلات، فهناك اعتبارات اقتصادية لم يأخذها التصنيف فى الاعتبار ..ألم يتجاوز الدين العام لأمريكا ناتجها الإجمالي، ألم يحدث أكبر خلاف سياسي داخل أمريكا حول وضع الدين والعجز بالموازنة، مما جعل أوباما يخفض من قيمة موازنة العام 2013 بنحو 80 مليار دولار.

ولو كانت هذه النتائج السلبية قد تحققت في واحدة من الدول الأخرى، لما تأخرت وكالات التصنيف عن إصدار تقاريرها الداعية إلى تخفيض التصنيف الائتماني. ولكنها الأسئلة التي تبحث عن إجابة لكشف حالة اللبس والغموض حول دور هذه الوكالات، وتضارب موقفها من دولة إلى أخرى.

وفي حالة مصر يصبح السؤال مشروعا، هل التصنيف السلبي للاقتصاد جاء كعقاب لمصر على توجهاتها الجديدة في سياستها الخارجية، ومحاولتها الخروج من العباءة الأمريكية، والتوجه شرقًا وجنوبًا لتستفيد من العلاقات الاقتصادية مع دول مجموعة البريكس الخمسة التى تضم الصين وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا والهند؟، علما بأن صدور تقرير استاندارد أند بورز جاء فى الوقت الذى كان يزور فيه الرئيس المصرى محمد مؤسى البرزايل.

أم أن الأمر يتعلق بممارسة ضغوط على مصر من أجل إنهاء مفاوضات الحصول على قرض الصندوق في أقرب وقت ممكن، وعدم التفكير في تدبير مصادر لسد الفجوة التمويلية بعيدًا عن مؤسسات التمويل الدولية التابعة للتوجهات الأمريكية؟.