الرئيسية / مقالات تحليلية / الحرب وأزمة الطاقة والتضخم.. هل سيتخطى الاقتصاد العالمي مرحلة الركود

الحرب وأزمة الطاقة والتضخم.. هل سيتخطى الاقتصاد العالمي مرحلة الركود

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 13-10-2022
  • 109
الحرب وأزمة الطاقة والتضخم.. هل سيتخطى الاقتصاد العالمي مرحلة الركود
  • المصدر: الجزيرة

يبدو أن ثمة العديد من التحديات التي تعوق تحقيق تعاف جيد للاقتصاد العالمي، في مقدمتها احتمالات عودة فيروس كورونا، وتأثير ذلك على الصين أكبر المناطق التي تعاني من آثاره السلبية، وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، من جهة تأجيج أزمتي الطاقة والغذاء، وما تلا ذلك من ارتفاعات للأسعار وتهديد للإمدادات في السوق الدولية.

وإن كانت المسارات السياسية أمنت مؤخرا تدفق الإمدادات الغذائية والأسمدة من أوكرانيا وروسيا، إلا أن تهديدات إغلاق الإمدادات النفطية ما زالت قائمة، من قبل روسيا تجاه أوروبا.

ويعيش الاقتصاد العالمي معدلات غير مسبوقة للتضخم، وتسعى السياسات النقدية في العديد من الدول لكبحه، إلا أن الخطر الأكثر تهديدا هو أن يتحول تباطؤ النمو إلى ركود، ليعيش العالم ما يعرف بـ"التضخم الركودي".

وحسب تصريحات كريستالينا جورجييفا مديرة صندوق النقد الدولي، فمن المتوقع أن يخسر الناتج الاقتصادي العالمي 4 تريليونات دولار حتى عام 2026 بسبب تزايد خطر الركود.

وتشير توقعات تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي-أكتوبر/ تشرين الأول 2022" الصادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن نمو الاقتصاد العالمي سيتراجع من 6% عام 2021 إلى 3.2% عام 2022، على أن يواصل تراجعه في عام 2023 إلى 2.7%.

وتبقى هذه التقديرات أكثر تشاؤما مقارنة بما ورد في التقرير نفسه عدد يوليو/ تموز 2022، ليس هذا فحسب، بل إن تقرير صندوق النقد الدولي يرى أن هناك احتمالا بنسبة 25% بأن يتراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي إلى 2% في عام 2023.

ومما يزيد من حدة الرؤية التشاؤمية حول مستقبل الاقتصاد العالمي، ما ذهب إليه تقرير صندوق النقد الدولي في نسخة أكتوبر/ تشرين الأول 2022، من أن معدلات التضخم على المستوى العالمي ستقفز من 4.7% عام 2021 إلى 8.8% عام 2022، قبل أن تبدأ في الانخفاض في عام 2023 لتصل إلى 6.5%، وفي عام 2024  لتهبط إلى 4.1%.

بيت القصيد

يتفق صندوق النقد الدولي مع توقعات العديد من المعنيين بشأن الاقتصاد الدولي، حول أسباب تراجع معدلات النمو وارتفاع معدلات التضخم. فالتشرذم السياسي، يمثل عاملًا مهمًا في المستقبل الملبد بالغيوم، ويشكل واحدا من التهديدات القائمة بشأن الأزمات الاقتصادية.

فلا يحتاج الأمر إلى شرح لتلك السلسلة المعقدة، من حيث السبب والنتيجة، فكون الحرب الروسية على أوكرانيا قائمة، ولا يُرى لها حل سياسي أو عسكري في الأجل القصير، فمعنى ذلك أن أسعار النفط ستظل مشتعلة، وستمثل عاملا مغذيا مهما لاستمرار موجات التضخم عالية.

لقد شاهدنا مؤخرا كيف أثرت بعض العمليات العسكرية المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا على أسعار النفط في السوق الدولية. وزاد من استمرار موجة ارتفاع الأسعار قرار تكتل "أوبك بلس" بخفض الإنتاج النفط اليومي بنحو مليوني برميل.

وقد يكون الحديث عن جهود تُبذل تجاه قضية المديونية الخاصة بالدول النامية أو الأقل نموا، أو زيادة مخصصات الرعاية الاجتماعية لمواجهة موجات التضخم العالية، غير ذي جدوى، ما لم يتم معالجة الأسباب التي أدت إلى تراجع النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم.

وعلى رأس هذه الأسباب، الحرب الروسية على أوكرانيا، واستمرار معاناة الاقتصاد الصيني من الضغوط السلبية لفيروس كورونا، وتداعيات أزمة القطاع العقاري، واتساع رقعة مديونية الشركات الصغيرة والمتوسطة.

السيناريو الأسوأ

المتابع لحلبة الصراع في الحرب الروسية على أوكرانيا يلاحظ أن كلا من روسيا من جهة وأوروبا وأميركا من الجهة المقابلة يراهنان على الزمن لحسم الصراع.

فبينما تراهن روسيا على انتهاء تلك الحرب في أسرع وقت ممكن، وإمكانية الدخول في مفاوضات وحوار سياسي لتسوية القضية من خلال وجهة نظرها، للخروج من دوامة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ولتعويض خسائرها الاقتصادية التي ترتبت على دخولها هذه الحرب، نجد أن كلا من أميركا وأوروبا يراهنان على إطالة زمن تلك الحرب، بما يؤدي إلى مزيد من الخسائر، واستنزاف روسيا اقتصاديا، لتتحقق خسارتها عبر الأسلحة التقليدية والعقوبات الاقتصادية، دون الدخول في دوامة استخدام السلاح النووي.

لذلك فإن السيناريو الأسوأ على الاقتصاد العالمي يظل مرتبطا بالرهان الأميركي على إطالة أمد الحرب واستنزاف الاقتصاد الروسي، وهنا سنكون أمام استمرار أزمة الطاقة وتداعياتها على معدلات التضخم، لتصل إلى أعلى معدلاتها التي تضرب العديد من اقتصادات العالم.

والمحور الثاني في إطار السيناريو الأسوأ، هو أن تجد روسيا نفسها أمام مصير هزيمة مذلة، مما سيدفعها لاستخدام السلاح النووي، سواء كان باستخدام تكتيكي أو من خلال حرب نووية شاملة، وهنا نكون أمام نتائج كارثية على الصعيد الاقتصادي، لا يمكن قراءتها على وجه الدقة من خلال هذه السطور.

البحث عن مخرج

لا شك أن أوروبا وأميركا لا ترغبان في أن يتطور الصراع مع روسيا إلى استخدام السلاح النووي بأي صورة من صوره، لكنهما يفضلان إطالة أمد الأزمة في إطار الأسلحة التقليدية، هذا الوضع يستلزم معالجات لأزمة الطاقة، وانتزاع ورقة النفط من يد روسيا في إداراتها لهذا الصراع.

وإذا ما نجح الغرب في تأمين إمدادات النفط لأسواق العالم، بما يسمح بأسعار نفط مقبولة تدفع معدلات التضخم إلى الهبوط، فإنه سيصبح من السهل بعد ذلك التعامل مع بقية أجندة الأزمات التي يعيشها الاقتصاد العالمي.

بوابة أميركا في هذا الأمر، أن تسرع في التوصل لاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، ليدخل النفط الإيراني على خط بدائل النفط الروسي، بجانب خيار رفع العقوبات عن فنزويلا في قت يجري الحديث عن خطوات عملية اتخذتها أميركا في هذا المضمار.

أما بعض دول النزاع في المنطقة العربية فيمكن لأميركا أن تعمل على إعادة الهدوء إليها لتأمين مزيد من المعروض النفطي، كما هو الحال بالنسبة للعراق

عالم متعدد الأزمات

يتطلع كثير من الناس إلى نظام متعدد الأقطاب، لتخفيف الأضرار التي عانى منها العالم على الصعيد السياسي والاقتصادي ومختلف الصعد الأخرى، لكن الواقع الذي نعيشه هو أننا بصدد عالم متعدد الأزمات، وأن الخطوات التي يمكن أن تؤهل لنظام عالمي متعدد الأقطاب شديدة البطيء، بل قد لا تُرى، في ظل إمساك أميركا والغرب بالعديد من خيوط الواقع السياسي والاقتصادي، رغم تلك الثقوب التي أوجدتها الأحداث الأخيرة، خاصة الممارسات الروسية في سوق النفط، ووضع أوروبا في مأزق أزمة غير مسبوقة، فيما يتعلق بالطاقة، وما نتج عنها من تداعيات اقتصادية واجتماعية، جعلت بعض مكونات العولمة الاقتصادية أشبه ببيوت العنكبوت.