الرئيسية / مقالات تحليلية / استشراف آثار عجز الموازنة بدول الخليج: حتمية الانكماش وتراجع دور الدولة

استشراف آثار عجز الموازنة بدول الخليج: حتمية الانكماش وتراجع دور الدولة

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 01-11-2015
  • 632
استشراف آثار عجز الموازنة بدول الخليج: حتمية الانكماش وتراجع دور الدولة
  • المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر

ثمة استراتيجيات أعلن عنها من قبل، من أجل تنوع اقتصاديات الخليج لتقليل اعتمادها على العوائد النفطية، لما لسوق النفط الدولية من تقلبات، ولكن هذه الاستراتيجيات لم تؤت ثمارها بعد، فمع كل تراجع لأسعار النفط بالسوق الدولية، تعيش اقتصاديات الخليج واقعاً سلبياً، يظهر في عدة أشكال منها استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي، وزيادة الدين العام، وارتفاع عجز الموازنة.
وحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014، فالإيرادات النفطية في المتوسط خلال الفترة (2010- 2013) تمثل نسبة 91.1% من الإيرادات العامة بالسعودية، و93.6% في الكويت، و.84.1% في سلطنة عمان، و 84.9% في البحرين، و68% في الإمارات، و58.7% في قطر.
ومن هنا نلمس أن الإيرادات النفطية تمثل المتغير المستقل في هيكل الإيرادات العامة للدول الخليجية، وهي صانعة العجز والفائض في موازنات تلك الدول. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي سوف تشهد دول الخليج عجزاً في موازناتها بشكل ملحوظ، فيتوقع الصندوق أن يكون العجز بموازنة السعودية في 2015 نحو سالب 19.5%، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الإمارات يتوقع أن يصل إلى سالب 2.9%، وفي قطر يتوقع أن ينخفض الفائض بالموازنة بشكل ملحوظ في عام 2015 ليصل إلى 0.3%، بعد أن كان الفائض تبلغ نسبته 9.7% في 2014، ويتوقع أن يصل عجز الموازنة بقطر في 2016 إلى سالب 4.1%، وفي سلطنة عمان سوف يصل العجز في عام 2015 إلى سالب 14.8%، وينتظر أن يتراجع العجز في 2016 إلى سالب 11.6%.
والجدير بالذكر أن موازنات دول الخليج، كانت قد ودعت ظاهرة العجز منذ عام 2003، مع بداية الطفرة النفطية الثالثة، باستثناء عام 2009، بسبب الأزمة المالية العالمية، ولمدة عام واحد فقط، ثم حققت موازنات الدول الخليجية بشكل عام فائضاً حتى عام 2014، وبدأت عودة عجز الموازنات مرة أخرى، ويتوقع لها أن تستمر في الأجلين القصير والمتوسط، بسبب أزمة انهيار أسعار النفط.

تدابير الدول الخليجية لمواجهة العجز


شهدت الشهور الماضية اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تأتي كرد فعل لمواجهة العجز المحتمل في موازنات الدول الخليجية، ومنها على سبيل المثال، تحرير أسعار النفط في دولة الإمارات في أغسطس 2015، وكذلك فعلت الكويت بشأن بعض المواد النفطية، كما لجأت السعودية لإصدار سندات محلية لتمويل عجز الموازنة، من خلال إصدارين، الأول في يونيو 2015 بما يعادل 4 مليارات دولار، وفي أغسطس الماضي بـ 5.3 مليارات دولار، وهو ما يعني الاتجاه إلى زيادة الدين العام المحلي الذي تلاشى إلى نسبة 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014، بعد أن كان 70% في عام 2003.
أما البحرين فاتجهت لرفع أسعار الوقود لأغراض الصناعة بنسبة وصلت إلى 11% مطلع عام 2015، وزيادة نسبة رسوم التأمين الصحي للموظفين والتي يتكفل بها صاحب العمل. الإجراء في الكويت كان مباشراً بتخفيض قيمة النفقات بموازنة 2015/2016 بنحو 18%، وفي سلطنة عمان تم تخفيض مخصصات الدفاع بموازنة 2015.

الآثار السلبية لزيادة عجز موازنات


في قراءة أولية، تعتمد على سيناريو استمرار أزمة انهيار أسعار النفط بالسوق الدولية للأجل القصير والمتوسط، فيتوقع أن تشهد موازنات الخليج المزيد من العجز، وسيكون لذلك بعض الإجراءات التي ستؤثر على تخصيص الموارد، وطبيعة النشاط الاقتصادي لدول الخليج، ومنها ما يلي:

1. حتمية الإنفاق على الأمن والدفاع


لا شك أن دول الخليج تواجه تحد أمني بشكل كبير من خلال عدة محاور، الأول ما يتهدد المنطقة من تمدد تنظيم “داعش” من جهة، ومن جهة أخرى اعتبارات المشروع الإيراني، والذي أخذ منحىً جديداً بالصراع المسلح الواضح في اليمن. وبالتالي ستكون الدول الخليجية مضطرة لاستمرار انفاقها على الدفاع والأمن، والذي يبلغ حسب تقديرات التقرير الاقتصادي العربي الموحد نحو 30% من إجمالي الإنفاق العام. وقد تزيد هذه المخصصات للتحديات التي ذكرناها، ولا يعتد بالإجراء الذي اتخذ من قبل سلطنة عمان، لاعتبارات علاقاتها الإيجابية مع إيران، ورفضها الدخول في أية إجراءات تؤدي لمواجهات مع المشروع الإيراني في المنطقة.
وبلا شك أن زيادة الإنفاق على قطاع الأمن والدفاع في ظل زيادة عجز الموازنة، سوف يمثل عبئاً إضافياً على باقي مخصصات الإنفاق بالموازنات الخليجية، سواء فيما يتعلق بالخدمات في قطاعي التعليم والصحة، أو غيرها من مجالات البنية الأساسية، وباقي الأنشطة الأخرى.

2. انكماش اقتصادي


كافة التقديرات الخاصة بصندوق النقد الدولي تشير إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي لدول الخليج خلال عامي 2015 و2016، وهو ما يعني زيادة معدلات البطالة للمواطنين الخليجيين، وبخاصة في ظل الإجراءات التي أدرجتها تقارير زيارات بعثة صندوق النقد الدولي، بضرورة التخفيف من التوظيف داخل الأروقة الحكومية، ودفع النشاط الخاص للقيام بالدور الأكبر في توليد فرص العمل.
كما يتوقع أن يقل الطلب لدول الخليج على العمالة الوافدة، فغالبية الدول الخليجية تمول قطاع الإنشاءات بها بشكل كبير، وتقليص الإنفاق المتوقع بالإنفاق العام من شأنه أن يحد من عمل القطاع الخاص في مجال الإنشاءات، حيث تنشط العمالة الوافدة في هذا القطاع، وبخاصة الشركات الصغيرة التي تعمل في إطار مقاولات الباطن.

3. تراجع دور الدولة


ثمة توقعات بتراجع دور الدولة في النشاط الاقتصادي، بسبب ترشيد الإنفاق العام الذي ستفرضه ضغوط عجز الموازنة، بمنطقة الخليج، ويستلزم هذا الأمر تهيئة تشريعية وإدارية كبيرة لقيام القطاع الخاص بهذا الدور، فضلاً عن إصلاح منظومة الدعم التي تشمل جوانب متعددة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بمنطقة الخليج، ومن شأن ذلك أن يطلق عنان التضخم المكبوت، الذي تعيشه منطقة الخليج منذ فترة طويلة.
وثمة مجموعة من الأسئلة تطرح نفسها على الإدارة الاقتصادية لدول الخليج، ومنها: أين دور الاستثمارات الخليجية المتراكمة على مدار العقود الماضية، ليتم من خلال عوائد هذه الاستثمارات تمويل الموازنات الخليجية، وكذلك أين هي الاستراتيجيات البديلة لمواجهة تقلبات سوق النفط، وهي تقلبات معروفة، وينبغي لمن مر بتجارب متعددة من هذه التقلبات أن يكون لديه بدائل مختلفة.


تأثير متفاوت


المؤكد أن التأثيرات السلبية لعجز الموازنة ستطال كافة دول الخليج، بسبب انهيار العوائد النفطية، ولكن هذا التأثير سيكون مختلف من دولة إلى أخرى، ففي حالة السعودية سيكون الـتاثير السلبي لعجز الموازنة كبيرًا، لأمرين، الأول استمرار السياسة السعودية تجاه انتاج النفط، والثاني كونها ذات العدد الأكبر من السكان بين دول الخليج، وما يستتبعه ذلك من نفقات عامة. ثم يلي السعودية الدول الخليجية ذات الحصص الإنتاجية الضعيفة مثل سلطنة عمان والبحرين، وقد تكون قطر والكويت أقل تضرراً من تأثير عجز الموازنة عن غيرها من دول الخليج، بسبب قلة عدد السكان، وكذلك امتلاك قطر لحصة كبيرة من إنتاج الغاز الطبيعي، وكذلك الكويت التي تمتلك حصة إنتاجية من النفط تعد كبيرة مقارنة باحتياجاتها المالية.
والجدير بالذكر ونحن نتناول قضية عجز الموازنة، أن نشير إلى نتائج مسح الموازنة المفتوحة لعام 2015، والذي يضم 102 دولة على مستوى العالم، ويتكون مؤشره من 100 درجة، لا يضم سوى دولتين خليجيتين فقط، هما السعودية وقطر، ولكنهما أتيا في ذيل المؤشر بدرجة صفر، وضمن مجموعة الدول التي لا توفر معلومات عن الموازنة، أو لديها ندرة في المعلومات المتوفرة عن الموازنة.