عالميًا؛ تقدر المبالغ المدفوعة كرشوة بنحو تريليون دولارأمريكي، وتقدر الأموال المسروقة في مجالات الفساد بنحو 2 تريليون دولار. تصل هذه المبالغ إلى ما يعادل 5% من مجموع الناتج المحلي العالمي، وذلك حسب تقديرات الأمم المتحدة التي تحتفل بيوم مكافحة الفساد في التاسع من ديسمبر/كانون الأول من كل عام.
وفي ضوء قاعدة “الأرقام تصف الواقع ولا تعكس الحقائق” يمكن تفسير ترتيب دول الخليج على مؤشر الشفافية الدولية. فيما تحصل دول الخليج على درجات جيدة في مكافحة الفساد، يعكس الواقع المجتمعي فسادًا كبيرًا يدل عليه، على الأقل، تهالك البنى الأساسية في مواجهة كميات محدودة من الأمطار التي تتحول إلى “سيول” في كل من السعودية والكويت، أو انعدام الشفافية في الموازنة العامة للدول، والتي تغيب عن مؤشرها العام 4 من دول الخليج، بينما تصنف السعودية وقطر ضمن مؤشر الدول التي لا توفر بيانات عن موازنتها.
يظهر مؤشر منظمة الشفافية لعام 2018 أن الإمارات في مقدمة دول الخليج من حيث الشفافية ومكافحة الفساد، بحصولها على 70 درجة من درجات المؤشر البالغة 100 درجة، تأتي بعدها قطر بـ 62 درجة، ثم سلطنة عمان 52 درجة، وتحل السعودية في المرتبة الرابعة بـ 49 درجة، والكويت 41 درجة، والبحرين في المرتبة الأخيرة 36 درجة.
وفي إطار ما هو معلن من نتائج مؤشر الشفافية الدولية، تتصدر كل من الإمارات وقطر مؤشر الشفافية على المستوى الخليجي، إلا أن كلا الدولتين مثل باقي دول الخليج –باستثناء الكويت- لا تتوفر بها برلمانات أو مجالس تشريعية منتخبة، كما أن داووين المحاسبة والصحافة لا ينتظر منهما دور إيجابي بدول الخليج في مجال مكافحة الفساد في ظل غياب مناخ ديمقراطي.
انخراط كل من الإمارات وقطر في الأزمة الخليجية، والدور الملموس لهما في ادارة ملفات إقليمية مهمة، يجعل الحديث عن احتلالهما لمراتب متقدمة في مكافحة الفسادبلا مضمون، فكلا الدولتان له أجندته غير المعلنة في إدارة مشاريع معلنة وغير معلنة، يتم تمويلها بطرق غير شفافة.
وكانت الممارسات السعودية في عام 2017م عبر منح الإدارة الأمريكية صفقات بمبالغ كبيرة في مشروعات بين الطرفين، مؤشراً كبيراً على غياب الشفافية بالنظام السعودي، وكذلك هو الأمر حول ما تم في فندق “الريتز” تحت عنوان مكافحة الفساد والقبض على أمرا ورجال الأعمال، والإعلان عن حصول مالية الدولة على 100 مليار دولار تنازل المعتقلون عنها لصالح الحكومة، بعض من الذين خرجوا من الاعتقال بعد هذه الأحداث، أعلنوا عنتعرضهم للتعذيب، وأقام بعضهم دعاوى قضائية في أمريكا ضد الرياض.
دولة الكويت، التي تمتلك برلمانًا منتخبًا هو الأقدم تجربة في الخليج، تأتي في المرتبة قبل الأخيرة خليجياً، تفسير ذلك، باجماع الكويتيين أنفسهم، هو أن القوانين المعنية بمكافحة الفساد في الكويت – أو حتى باقي دول الخليج – غير معمول بها، أو هي انتقائية في التنفيذ.
ثمة مجموعة أسباب تؤدي إلى زيادة معدلات الفساد في دول الخليج؛ ومنها الآتي:
أولًا: الوضع المالي للأسر الحاكمة: لا توجد قواعد منظمة لتصرف الحكام في المال العام أو مخصصات دواوين الحكم وأفراد العائلات الحاكمة. لا تزال الأسر الحاكمةفي دول الخليج تتصرف على أساس أن هذه أموال الدولة هي ملكية خاصة، وأن ما يحصل عليه الأفراد في هذه الدول من أموال، هو محض هبات من الحكام لشعوبهم وفق نظام الدولة الراعية. ولذلك، تغيب المساءلة عن التصرف في المال العائد، وبخاصة أن هذه الدولة لديها ثروة نفطية تدر عليها أموال طائلة، ولكنها لا تدخل في دائرة المراقبة البرلمانية، أو داووين المحاسبة، أو الكتابات الصحفية التي تعبر عن المجتمع المدني.
وامتدادًا لهذا التصرف المنفرد من قبل حكام الخليج تجاه ثروات دولهم، لا شفافية ولا معلومات واضحة حولالصناديق السيادية التي يملكونها ويديرونها على مستوى العالم، وآخر التقديرات أن هذه الصناديق تضم ثروة قوامها نحو 2.6 تريليون دولار.
إن دولة مثل ماليزيا، لديها برلمان ومجتمع مدني حي، استطاعت أن تواجه فساد مسئولين سابقين، ورئيس الوزراء السابق نجيب عبدالرزاق، الذي يحقق معه في قضايا فساد عدة، منها الصندوق السيادي الذي رصدت معاملات فساد به بنحو 4 مليارات دولار. في دول الخليج، تتراكم أرصدة الصناديق السيادية، ولا تتاح عنها أي بيانات شفافة، لا من حيث قيمتها، ولا من حيث قرارات الاستثمار الخاصة بها، ولا القواعد الحاكمة لتنظيم هذه الأموال، أو العائد منها.
ثانيًا: التدخلات الخارجية: تدخل دول الخليج في تحالفات عسكرية وتتورط في دعم نظم ديكتاتورية، أو ديمقراطية فاسدة، وهو ما يؤدي إلى التصرف في المال العام بطرق ملتوية، جدير بالذكر أن محاسبة نجيب عبدالرزاق رئيس وزراء ماليزيا السابق كشفت تورط السعودية التي وضعت نحو 650 مليون دولار في حساب الرئيس الماليزيالشخصي. هذه الأجواء يكون الأصل فيها التعامل خارج نطاق القانون.
ثالثًا: غياب الديمقراطية: وبما يشمل الديمقراطياتالشكلية كما هو الحال في الكويت. في دول الخليج، الحديث عن أموال الدولة وكيفية التصرف فيها، وبخاصة من قبل الأسر الحاكمة من المحرمات، سواء على الصحافة أو الأفراد، نستثني هنا الحديث عن بعض الحالات فيما يتعلق وسوء ادارة بعض قطاعات الخدمات العامة. لا يبدو من السهل العمل على مكافحة الفساد في دول الخليج بشكل حقيقي إلا إذا تمتعت المجتمعات الخليجية بالديمقراطية.وهو ما يمهد إلى انتقال دول الخليج الى ملكياتدستورية، حيث يملك الملك ولا يحكم، وتحدد فيهاصلاحياته المالية.
رابعًا: المشروعات العامة: ومن المجالات التي تفتح أبواب الفساد على مصراعيها في دول الخليج، خصوصاً ما يتعلق بالمشروعات العامة، المناقصات وطرق إرسائها. الإنفاق العام في دول الخليج عادة ما يتم في مجال البنية التحتية، وتسند هذه الأعمال لشركات القطاع الخاص، وفق قواعد متعارف عليها، والتي هي غالباً شركات تتبع ملكيتها إلى أمراء من الأسر الحاكمة، أو رجال أعمال مقربين من مؤسسات الحكم.