الرئيسية / مقالات تحليلية / أسباب وتداعيات تراجع الاحتياطي النقدي في مصر

أسباب وتداعيات تراجع الاحتياطي النقدي في مصر

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 10-10-2015
  • 687
أسباب وتداعيات تراجع الاحتياطي النقدي في مصر
  • المصدر: موقع الأناضول

جاءت بيانات البنك المركزي المصري المنشورة مؤخرًا، عن احتياطيات النقد الأجنبي، بنهاية الشهر الماضي، لتلقي بظلال سلبية، حول العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، وفي مقدمتها سعر الصرف، إذ ارتفعت أسعار السوق الموازية ليصل سعر الدولار إلى 8.15 جنيه للبيع، ونحو 8.09 جنيه للشراء.

 وأعلن البنك المركزي انخفاض احتياطياته من النقد الأجنبي إلى 16.3 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، ليصل حجم التراجع إلى 1.7 مليار دولار، مقارنة بما كان عليه الوضع نهاية الشهر الذي سبقه.

وتعاني مصر منذ "ثورة 25 يناير" 2011، من تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي، ولجأت غير مرة، للحصول على دعم دول خليجية وغيرها، عبر آلية الحصول على ودائع بالبنك المركزي المصري لهذه الدول، منها ما كان دون عائد، ومنها ما أتى بعائد يتراوح ما بين 1% و2.5%.

وظلت مصر لعقود، تعتمد على مصادر أربعة رئيسية للنقد الأجنبي، وهي (عوائد قناة السويس، والبترول، والسياحة، وتحويلات العاملين بالخارج).

ويلاحظ أنه منذ نهاية عام 2008، خرجت عوائد الصادرات النفطية من هذه المصادر الأربعة، بسبب التحول الحادث في ميزان التعاملات البترولية، حيث أصبحت مصر منذ ذلك التاريخ مستورداً صاف للبترول.

والملاحظة الثانية في هذا المضمار، أن عوائد السياحة لم  كما كانت عليه قبل "ثورة 25 يناير"، فوفق بيانات البنك المركزي بشأن ميزان المدفوعات للعام المالي 2014/2015، بلغت عوائد السياحة، 7.3 مليار دولار، وهي في مجملها لصالح القطاع الخاص السياحي، باستثناء رسوم دخول المتاحف والمنشآت السياحية التي تشرف عليها الحكومة.

وبالتالي فالتحكم من قبل الحكومة وإمكانية توظيفها بشكل مركز من عوائد السياحة يُعد ضعيفًا، إلا أنها كانت تُلقي بظلال إيجابية على سوق الصرف، لما تمثلة من زيادة في المعروض من النقد الأجنبي.

وكانت عوائد السياحة بمصر، قد تجاوزت حاجز الـ 13 مليار دولار في العام المالي 2009/2010، وهي معدلات يصعب الوصول إليها الآن، في ظل الظروف الداخلية المصرية، أو ما يكتنف المنطقة العربية بشكل عام من حرب، قد تطال الكثير من دولها.

ولم يتبق للقاهرة من مواردها الرئيسة لتدفقات النقد الأجنبي سوى مصدرين فقط، هما إيرادات قناة السويس، وتحويلات العاملين بالخارج، وبالرجوع لبيانات ميزان المدفوعات لعام 2014/2015، نجد أن إيرادات قناة السويس تراجعت بنحو 8 ملايين دولار، بنهاية يونيو/حزيران 2015، مقارنة بما كانت عليه في نهاية الشهر نفسه من 2014.

والجدير بالذكر، أن الهيئة المعنية بنشر البيانات الإحصائية عن أداء قناة السويس، بشكل شهري منتظم، قد توقفت عن نشر ذلك عن الفترة من يوليو/تموز وحتى سبتمبر/أيلول 2015، مما فتح باب التكهنات بتراجع تلك الإيرادات.

ولكن تبقى مشكلة مصر مع النقد الأجنبي بشكل عام، ومع احتياطياتها من النقد بشكل خاص، رهن تحسن أدائها الاقتصادي، وبخاصة فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية، فبيانات البنك المركزي المصري عن أداء ميزان المدفوعات بنهاية يونيو/حزيران الماضي، كانت سلبية، من حيث أن الفائض الذي تحقق بميزان المدفوعات، والبالغ 3.7 مليار دولار، لم يكن من عوائد ذاتية، ولكنه كان بسبب الدعم الخليجي البالغ 6.8 مليار دولار، بنهاية أبريل/نيسان من العام الجاري.

وأكدت بيانات البنك المركزي عن أداء ميزان المدفوعات، على تعمق أزمة الميزان التجاري، حيث زاد العجز بنهاية يونيو/حزيران الماضي، إلى 38.7 مليار دولار، مقارنة بـ 34 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق.

كما نجد أن الصادرات المصرية بشكل عام تراجعت من 26.1 مليار دولار، بنهاية يونيو/حزيران 2014، إلى 22 مليار دولار، أي أن قيمة التراجع بالصادرات بلغ نحو 4.1 مليار دولار، وبما يعادل نسبة 15.7%.

وعلى صعيد الواردات، فلم تشهد تراجعًا أو حتى ثباتًا على قيمتها بنهاية يونيو/حزيران 2014، على الرغم من إجراءات التضييق على الواردات من خلال متطلبات الحصول على النقد الأجنبي من البنوك، ولكنها ارتفعت من 60 مليار دولار، مع نهاية الشهر نفسه، إلى 60.8 مليار دولار في الشهر ذاته من العام الجاري.

مزيد من التبعات

الأداء السلبي للعلاقات الاقتصادية الخارجية لمصر، بنهاية يونيو/حزيران الماضي، ألقى بظلاله على أداء بقية الشهور التالية، فحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في نشرته الشهرية عن سبتمبر/أيلول 2015، تبين أن هناك فجوة كبيرة بين إنتاج مصر من البترول واستهلاكها، وهو ما جعل الحكومة مضطرة للاستيراد من الخارج، سواء عبر شحنات ممولة من الخليج أو غيرها.

وتوضح البيانات أن الفجوة بين إنتاج مصر من البترول في مايو/أيار 2015، بلغت 293 ألف طن، وزادت في نهاية يوليو/تموز إلى 477 ألف طن، ولم يكن أداء الغاز الطبيعي أحسن حالًا من أداء البلد في الفجوة البترولية، حيث بلغت الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك في الغاز الطبيعي 281 ألف طن في يوليو/تموز الماضي.

تداعيات تراجع الاحتياطي

تعارفت الأدبيات الاقتصادية على أن يتوفر للدول في الوضع الطبيعي رصيد من الاحتياطيات الأجنبية ما يغطي احتياجات 6 أشهر، وأنه إذا وصل إلى ما دون احتياجات 3 أشهر، فهذا يعني الوصول لمرحلة الخطر، ويتوفر لمصر الآن احتياجاتها من واردات 3 أشهر فقط، وأية تطورات سلبية باحتياطي النقد، فمعناه دخول البلاد مرحلة الخطر.

وثمة أمر مهم يتعلق بمستوى المعيشة، حيث أن استمرار الزيادة في قيمة فاتورة الواردات، دون أن يقابلها زيادة في قيمة الصادرات، فهذا معناه ارتفاع تكاليف المعيشة، وتعرض الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة للسقوط في الشرائح العليا من الطبقة الفقيرة.

ويتطلب هذا الأمر مزيداً من الرقابة الحكومية على الأسعار، إذ أن الأمر يستتبعه زيادة في الأسعار، ولكن هناك من يستغلون هذه الظروف ويغالون في قيمة المنتجات، ولا يراعون فترة الدورة الاقتصادية لحركة واردات جديدة طبقًا للأسعار الجديدة، والتي بدورها تستغرق نحو ثلاثة أشهر.

من شأن الضغوط التي سيخلقها تراجع الاحتياطي على سعر الصرف، أن تزيد تكلفة مدخلات الصناعة المحلية، التي تعتمد على مستلزمات إنتاج مستوردة، مما سيضعف الموقف التنافسي لهذه الصناعات محليًا ودوليًا، والأمر المرشح بقوة بالنسبة لهذه الشركات، أن تتحول من مجال الصناعة إلى التجارة.

وماذا بعد؟

سيناريو تراجع احتياطي النقد الأجنبي لمصر مقروء منذ فترة، ولكن تبقى طرق معالجته، وبخاصة في ضوء ما ذكرناه من تراجع تدفقات النقد الأجنبي، وبالتالي ليس أمامها إلا طريقين في الأجل القصير، الأول: استقدام مزيد من الدعم من دول الخليج، لعودة احتياطي النقد لما فوق حاجز الـ 18 مليار دولار، والطريق الثاني، وهو اللجوء للاقتراض الخارجي.

وكلا الطريقين له تكلفته، واحتمالات نجاحه وفشله، فالدعم الخليجي واستمراره الآن ومستقبلًا، مرتبط باستمرار تداعيات انهيار أسعار النفط، وكذلك الحرب المفتوحة التي تشهدها اليمن، ويستدرج فيها الخليج بشكل كبير.

أما الاقتراض من الخارج، فتبقى مشكلته في أمرين، الأول وهو ارتفاع تكلفة الاقتراض، وبخاصة أن مصر لم تحسم أمرها بعد في الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وأن آخر إصدار لسندات مصر الدولية، كان بسعر 6.25%، والإقدام على مزيد من إصدار السندات الدولية، في ضوء تراجع احتياطي النقد، ومؤشرات اقتصادية أخرى، قد يرفع من تكلفة التمويل على السندات لنحو 7.5%.

وهو ما يعني أن الدين الخارجي لمصر مشرع لزيادات كبيرة، قد تساعد على المزيد من الوهن لأداء الاقتصاد المصري.