الرئيسية / مصر / مصر وورطة استثمارات الأجانب بالدين العام

مصر وورطة استثمارات الأجانب بالدين العام

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 02-10-2017
  • 98
مصر وورطة استثمارات الأجانب بالدين العام
  • المصدر: الجزيرة مباشر

من غرائب الأداء الاقتصادي في مصر، في ظل حكومات الانقلاب العسكري، أن يفتخر مسؤولوها بزيادة الدين الخارجي، حيث صرح أحمد كوجك لوكالة أنباء “رويترز” يوم الاثنين 18 من سبتمبر/أيلول الحالي بوصول استثمارات الأجانب في الدين العام إلى 17.6 مليار دولار منتصف الشهر نفسه، وأن هذه الاستثمارات ستصل إلى 20 مليارا بنهاية 2017.

 تكلفة هذا الجزء من الدين الخارجي فقط ستكبد الموازنة العامة للدولة نحو 70 مليار جنيه سنويًا، هذا من دون حساب باقي الديون الخارجية والمحلية التي تجاوزت 4 تريليون جنيه بنهاية يونيو/حزيران 2017، وتصل الفوائد عليها إلى نحو 400 مليار جنيه سنويًا. وإذا صدقت توقعات كوجك بالوصول إلى 20 مليار دولار استثمارات للأجانب في الدين العام المحلي، وكذلك توسع الحكومة في الاستدانة من البنوك المحلية، فستكون أعباء الفوائد على إجمالي الدين العام فقط قرابة نصف التريليون جنيه.

إن هذه التكلفة للتوسع في استثمارات الأجانب في الدين العام الحكومي، سوف تلغي أي أثار للإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة بشأن تخفيض أو إلغاء الدعم ورفع أسعار العديد من الخدمات الحكومية، فضلًا عن تحميل المواطنين مستوى معيشة يتسم بمزيد من الفقر.

تكلفة الموازنة نظير توسع الحكومة في استثمارات الأجانب بالدين العام، تزيد عن مخصصات قطاع الصحة على سبيل المثال، والقضية الأكبر هي كيف تتصرف الحكومة في هذه الديون، سواء كان لتغطية العجز في الموازنة، أو الحفاظ على استقرار سعر الصرف، أو تأمين احتياطي النقد الأجنبي، وستكون النتيجة سلبية بلا شك، فما لم تستخدم هذه الديون في مشروعات إنتاجية محددة، وتلتزم بسداد أعباء هذه الديون ستكون العاقبة أشد سواء، ولن يخرج الاقتصاد المصري من أزمته.

  • حصار اقتصادي

لا تتوقف مخاطر استثمارات الأجانب في الدين العام عند ارتفاع تكلفتها على الموازنة العامة للدولة، وحرمان الفقراء وعموم المواطنين من الإنفاق العام، عبر الخدمات العامة من تعليم وصحة ومرافق أساسية، ولكن تكمن المخاطر في أن هذه الاستثمارات تبحث عن العائد الأعلى والأسرع، وهذا ما توفره أدوات الدين العام (أذون الخزانة + السندات الحكومية)، وعند انخفاض سعر الفائدة في مصر ستخرج هذه الأموال لتبحث عن سوق أخرى، لذلك تصنف هذه الاستثمارات فيما يعرف بـ “الأموال الساخنة”.

وفي هذه الحالة ستعيش مصر أزمة في سعر الصرف، لتؤمن لهؤلاء المستثمرين الخروج بأموالهم، وبذلك ستشل يد الحكومة فيما يتعلق بسعر الفائدة أو سعر الصرف، ففي حالة سعر الفائدة ليس من صالح الاقتصاد المصري استمرار ارتفاع سعر الفائدة واستقراره عند نسبة 20% فهي نسبة عالية وتعيق الاستثمارات، وترفع من تكلفة الإنتاج في مصر.

أما على مستوى سعر الصرف، فإن سعى الحكومة المصري لخفض قيمة الدولار كنوع من الظهور بتحسن الأوضاع الاقتصادية في مصر، سيكون مكسبا إضافيا للمستثمرين الأجانب عند خروجهم، لأنهم دخلوا السوق وأسعار الدولار مرتفعة أمام الجنيه، وعند خروجهم سيحصلون على العملات الصعبة بسعر أقل.

الاقتصاد المصري تحيط به الخسائر من كل جانب، في ظل تواجد الأجانب كمستثمرين في الدين العام، وتضع هذه الاستثمارات صانع السياسة الاقتصادية ومتخذ القرار في مصر في موقف المحاصر، فهو يتحرك بين مجموعة من السلبيات، وعليه أن يختار بين ورطة وجود هذه الاستثمارات والقضاء على الإنتاج المحلي، أو يرفض هذه الاستثمارات ويغامر بالتحكم في سعر الصرف.

  وتعكس الآثار السلبية لهذا الأمر فشل السياسات الاقتصادية المتبعة بعد الانقلاب العسكري، كما يبين عجز أجندة صندوق النقد الدولي، التي تنظر إلى الإصلاح الاقتصادي في صورة تحسن رقمي، من دون الالتفات إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية الضارة التي تعيق التنمية وتضر بالفقراء والطبقة المتوسطة.

  • ذريعة التمويل

يتذرع مؤيدو سياسات صندوق النقد الدولي في مصر، بأن سياسات استقطاب المستثمرين الأجانب في الدين العام من شأنها، أن تخفف من وطأة مزاحمة الحكومة للمستثمرين في الاقتراض من الجهاز المصرفي، وبالتالي سيكون أمام القطاع العائلي والقطاع الخاص، فرصة للاقتراض وإقامة مشروعاتهم.

والحقيقة أن المستثمرين يعانون ارتفاع تكلفة التمويل، ولن يتجه الجهاز المصرفي وصانع السياسة النقدية لخفض سعر الفائدة، إرضاء للمستثمرين الأجانب، فلن يكون هناك سعران للفائدة واحد للأجانب والآخر للمصريين، فضلًا عن أن باقي مكونات السياسة الإنتاجية في مصر تعاني من ارتفاع باقي تكاليف الإنتاج، كارتفاع سعر الوقود والمياه، وزيادة الرسوم الحكومية، فضلًا عن حالة الركود.

وحتى لو افترضنا أن هذه السياسة أتاحت مساحة أفضل للمستثمرين المصريين للاقتراض من الجهاز المصرفي، فإن العائد من النشاط الإنتاجي والاستثماري بمصر الآن لم يعد يكفي لسداد أعبائه، فلو افترضنا أن التكاليف الأخرى للإنتاج بخلاف التمويل ستكون بحدود نسبة 10% من إجمالي التكاليف، فإننا أمام سقف أرباح لا يقل عن 30%، لتكون المشروعات في حالة التشغيل من أجل التشغيل فقط، ولا يحصل المستثمرون على شيء من قيام بالاستثمار. وهي بلا شك نسب مرتفعة، وتتسبب حاليًا في تفاقم حالة الركود بمصر.