قفزت مخصصات الأمان الاجتماعي في مصر إلى 31.2 مليار جنيه في مشروع الموازنة للعام المالي 2023-2024، وهذه المخصصات تشمل معاشات الضمان الاجتماعي وبرنامجي "تكافل" و"كرامة"، للأسر الفقيرة (الدولار يعادل 30.8 جنيها).
وكانت هذه المخصصات في موازنة عام 2022-2023 بحدود 22.2 مليار جنيه، أي أن هناك زيادة بنحو 10 مليارات جنيه.
والفارق بين العامين، أن مخصصات الأمان الاجتماعي بموازنة 2023-2024 تضم نحو 5 ملايين أسرة فقيرة، مقابل 4 ملايين أسرة فقيرة في عام 2022-2023.
أي أن هناك إضافة لنحو مليون أسرة فقيرة، تستفيد من برامج الأمان الاجتماعي، والجدير بالذكر أن وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، أفادت في فبراير/شباط عام 2021 أنه يتم تطوير قاعدة بيانات الأسر الفقيرة، التي ستضم نحو 8.5 ملايين أسرة، وبما يشكل نحو 31 مليون فرد.
وإذا ما تم اعتبار عدد الأسر الفقيرة بمصر ثابتا منذ فبراير/شباط 2021، فإن هناك نحو 3.5 ملايين أسرة فقيرة لم تشملها بعد برامج الأمان الاجتماعي.
لكن هناك متغيرات جديدة في الاقتصاد المصري، فمنذ مارس/آذار 2022، كانت هناك تراجعات كبيرة في القوة الشرائية للجنيه المصري، بسبب تراجع قيمته أمام العملات الأجنبية وكذلك ارتفاع معدلات التضخم.
ومما يؤكد زيادة الأسر الفقيرة في مصر، عما كانت عليه في فبراير/شباط 2021؛ دراسةُ الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022 بعنوان "أثر الأزمة الأوكرانية الروسية على الأسرة المصرية"، وخلصت إلى مجموعة من النتائج المهمة، منها:
وثمة ملاحظة مهمة، تتعلق بالقيمة الشرائية لمخصصات الأمان الاجتماعي بموازنة 2023-2024. فرغم بلوغها 31.2 مليار جنيه، فإنها تساوي قرابة 1.015 مليار دولار، وفق سعر صرف الدولار عند 30.8 جنيها، بينما موازنة 2022-2023 -التي بلغت لنفس البند 22.2 مليار جنيه إذا قوّمت بسعر صرف الدولار في يوليو/تموز 2022- فنجد أنها تبلغ 1.177 مليار دولار عند سعر صرف 18.86 جنيها للدولار. ومن هنا فإن مخصصات موازنة عام 2022-2023 أفضل من حيث القوة الشرائية للعملة المصرية.
ويُتوقع أن مسح الدخل والإنفاق المنتظر من الجهاز المركزي للإحصاء، في النصف الثاني من عام 2023، سوف يشير إلى ارتفاع نسبة الفقر في المجتمع المصري، مقارنة بما أُعلن في عام 2019-2020، وقدرت وقتها بنحو 29.7%.
وفق الأرقام المنشورة في البيان المالي لمشروع موازنة عام 2023-2024، نجد أن أعلى مخصصات الأسرة الفقيرة في معاش الضمان الاجتماعي، هي 563 جنيها شهريا، للأسرة المكونة من 4 أفراد فأكثر، وأن أقل مخصصات للأسرة في نفس المعاش تبلغ 404 جنيهات شهريا لأسرة مكونة من فرد واحد.
كما أن أعلى مخصصات الأسرة في برنامج تكافل هي 530 جنيها شهريا، بالإضافة لمنحة لكل تلميذ في مراحل التعليم المختلفة، الابتدائي 75 جنيها، والإعدادي 100 جنيه، والثانوي 125 جنيها، وبحد أقصى 3 تلاميذ للأسرة الواحدة.
وبالنسبة لمعاش الأسر المستفيدة من برنامج "كرامة"، فتبلغ مخصصات الأسرة الشهرية، 563 جنيها. ونجد أن مخصصات اليوم الواحد للأسرة الفقيرة 18.6 جنيها، أي أنها تتجاوز نصف دولار بقليل في اليوم، وفق أسعار السوق الرسمية لسعر الصرف.
وهنا يطرح السؤال: هل تفي 18.6 جنيها لنفقات أسرة في اليوم، أو حتى لفرد واحد، لتغطية متطلباته من الغذاء لـ3 وجبات في اليوم؟
وإذا ما تم افتراض أن هذه الأسر الفقيرة، باستطاعتها الحصول على دخول أخرى بنحو 4 أضعاف ما تحصل عليه، أي بحوالي ألفَي جنيه تقريبا، فإنها تظل تحت خط الفقر، الذي حددته بيانات مسح الدخل والإنفاق، الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2019-2020، والذي قدر الدخل اللازم للأسرة للوفاء باحتياجاتها الأساسية بـ3218 جنيها.
وحيث أنه قد حدثت متغيرات كثيرة بعد عام 2019-2020، فمن الصعب أن تظل نسبة الفقر على ما هي عليه، كما أن متطلبات الأسرة من الدخل الذي يفي بمتطلباتها الأساسية، قد تصل إلى ضعف ما كانت عليه في عام 2019-2020، أو يزيد.
لا شك أن قضية الفقر من القضايا التي تؤرق أي دولة، ومن أجلها تضع الدول السياسات الاقتصادية، والبرامج المختلفة، من أجل القضاء على الفقر، أو على الأقل التخفيف من حدته، ولا شك أن ما تتضمنه الموازنة من مخصصات للأمان الاجتماعي، يأتي في إطار مبدأ "شيء خير من لا شيء"، لكنه لا يكفي بأي حال من الأحوال، في ظل معدلات التضخم المتصاعدة.
يضاف إلى ذلك أن باقي السياسات الاقتصادية المتبعة، لا تشي بخروج مصر من أزمتها الاقتصادية والمالية، وبالمقابل ثمة توجه من قبل الحكومة لمزيد من التوسع في سياسة الاستدانة رغم فاتورتها المرتفعة.
والانتقاد الأبرز لسياسة الدولة التوسعية في الديون، أنها توجَّه لمشروعات البنية الأساسية، التي قد لا تحتاج إليها البلاد، كما هو الحال في اعتماد مجلس النواب لقرض بنحو 2 مليار دولار لمشروع القطار الكهربائي.
ويأتي ذلك في ظل أزمة دولارية خانقة، تعاني منها مصر، حيث بلغ العجز في الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي، وباقي البنوك المصرية نحو 24.4 مليار دولار في مارس/آذار 2023، كما أن هناك سوقا سوداء ترهق كاهل الاقتصاد المصري، وترفع تكلفة الإنتاج والاستيراد.
ويفترض أن توجه القروض لمشروعات إنتاجية، كثيفة العمالة، لكي توفر فرص عمل أكبر، وتسمح بتحقيق دخول حقيقية للأفراد، بدلا من تلك المساعدات الزهيدة التي تُمنح للأسر الفقيرة، وهذه المشروعات يمكن أن تسهم في سد الفجوة الكبيرة بالميزان التجاري، وميزان المدفوعات.
وقد بلغت فوائد الديون المقدرة في مشروع موازنة 2023-2024 نحو 1.12 تريليون جنيه، بعد أن كانت بحدود 775 مليار جنيه في موازنة 2022-2023، مما يؤثر على توجيه مخصصات الموازنة لتوفير فرص عمل، أو تحسين خدمات التعليم والصحة، وتحسين أوضاع الفقراء.