الرئيسية / مصر / مصر.. كيف أثرت الأزمة الاقتصادية على الموازنة المالية لهذا العام

مصر.. كيف أثرت الأزمة الاقتصادية على الموازنة المالية لهذا العام

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 27-03-2023
  • 111
مصر.. كيف أثرت الأزمة الاقتصادية على الموازنة المالية لهذا العام
  • المصدر: الجزيرة

تمرّ مصر بأزمة مالية واقتصادية خانقة دفعتها للجوء إلى صندوق النقد الدولي طلبا للتمويل، والسعي للاقتراض من مصادر أخرى، وآخرها ما أعلن من توفير البنك الدولي لقرض بنحو 7 مليارات دولار لتمويل مشروعات خلال السنوات الخمس القادمة.

وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلن وزير المالية الدكتور محمد معيط عن المؤشرات الأولية لموازنة عام 2023-2024، بعد اجتماعه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي لاستعراض تلك المؤشرات قبل تقديمها لمجلس النواب أول أبريل/نيسان، حسبما يقضي الدستور الذي ينص على أن تُقدم الحكومة مشروع الموازنة قبل بداية العام المالي بـ90 يوما، حيث يبدأ العام المالي في مصر في الأول من يوليو/تموز في كل عام.

وأشار الوزير إلى أن المصروفات ستكون بقيمة 2.83 تريليون جنيه، وبزيادة نسبتها 30.5% عن مخصصات العام الماضي، أما الإيرادات فقدرت قيمتها بنحو 2 تريليون جنيه، وبزيادة نسبتها 31%، كذلك أعلن معيط أن النسبة المستهدفة في النمو بالناتج المحلي 5%، على أن يكون الفائض الأولي بالموازنة نسبته 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وأضاف الوزير بعض البيانات التفصيلية لتلك البنود التي تهم رجل الشارع بشكل كبير، حيث بيّن أن الأجور ستشهد زيادة بنسبة 15% عن مخصصات العام الماضي، لتبلغ 470 مليار جنيه، وكذلك يقدر أن تصل مخصصات الاستثمار إلى 512 مليار جنيه، وأن تحصل منظومة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية على مخصصات قدرها 496 مليار جنيه، بزيادة نسبتها 24% عن العام الماضي.

معدل النمو وغياب أثره الإيجابي

وبحسب تصريحات وزير المالية، فإن معدل النمو المستهدف هو 5% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن يلاحظ أن الحكومة المصرية تعلن عادة عن معدلات نمو إيجابية وعالية، دون أن تنعكس بالضرورة بأثر إيجابي على صعيد المؤشرات الاقتصادية الكلية، كما لم تساعد في حل مشكلات مصر الاقتصادية.

فبحسب بيانات وزارة المالية، فإن معدل النمو في عام 2021-2022 بلغ 6.6%، على أن يكون المعدل المستهدف بنهاية 2022-2023 هو 5.5%، في ظل تدهور حالة الاقتصاد المصري في العامين الماضيين، بالنظر إلى ضعف بنية الاقتصاد أمام تقلبات الأوضاع الخارجية، بسبب أزمتي كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا. ومن هنا فإن لم يكن لهذا النمو أثر إيجابي على النشاط الاقتصادي، فإن ذلك يعني أمرين: الأول أنه يتم في الاتجاهات الخطأ، أو أن عوائده تجنيها فئة محدودة من المجتمع المصري، ويحرم منها أغلبية المجتمع.

تأثير التضخم

وكان البنك المركزي المصري أعلن نهاية فبراير/شباط عن معدلات التضخم التي قدرها بـ40%، بينما قدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء معدل التضخم بـ32%، وهي معدلات مرتفعة بلا شك مقارنة بما كانت عليه الأوضاع في موازنة عام 2022-2023.

لذلك هناك زيادة في قيمة مخصصات المصروفات بالموازنة تقدر بـ830 مليار جنيه، وعلى صعيد بند الأجور، وجدنا رصدا لزيادة نسبتها 15%، وهي زيادة أعلى مما تعارف عليه سنويا في الموازنات السابقة، حيث لا تزيد مخصصات الأجور سنويا سوى 10% فقط.

ولكن هذه النسبة للزيادة في الأجور، أو مخصصات الدعم، لا تتناسب مع معدلات التضخم التي يتوقع لها أن تشهد المزيد من الارتفاع، في ضوء التراجع المتوقع للجنيه المصري خلال الفترة القادمة.

وتبقى مشكلة أصحاب الدخول الثابتة في مصر قائمة، في ظل الفجوة الكبيرة بين الأسعار والأجور، فالقيمة الشرائية لأجور العاملين بكافة القطاعات بالاقتصاد المصري، أقل بكثير مما كانت عليه منذ سنوات، بسبب موجات التضخم المتتالية.

كما أن رفع سعر الحد الأدنى للأجور إلى 3500 جنيه، بدلا من 3 آلاف جنيه، لا يبدو كافيا في ظل تزايد أعباء المعيشة، وضغطها على ميزانية الأسرة المصرية بشكل كبير، فالسلع الأساسية لم تعد متاحة بالكميات الضرورية اللازمة للأسرة، بسبب ارتفاع الأسعار.

ولعل أسعار اللحوم والدواجن والأسماك والأرز وغيرها خير دليل، وهو ما يضطر الأسرة المصرية إلى الاستغناء عن بعض هذه السلع، أو تقليل احتياجاتها منها بنسبة كبيرة.

وإذا ما اعتبارنا تقويم المصروفات والإيرادات بالدولار في العامين، نجد أن المصروفات في عام 2022-2023 كانت تساوي 109.75 مليارات دولار (سعر صرف الدولار 18.86 جنيها)، وفي موازنة 2023-2024 تصل قيمة المصروفات بالدولار إلى 94.6 مليارا (سعر صرف الدولار 30 جنيها)، أما الإيرادات في عام 2022-2023 فقد بلغت 80.43 مليار دولار، وفي عام 2023-2024 تصل إلى 66.6 مليار دولار.

ومن هنا نجد أن القيمة الحقيقية لمخصصات الإنفاق في موازنة 2023-2024 تقل عما كانت عليه في عام 2022-2023، وبالتالي ستكون إفادتها الاقتصادية والاجتماعية للأفراد متراجعة، على الرغم من الزيادات المعلنة في مخصصات المصروفات والإيرادات بالجنيه المصري.

أعباء زيادة الإيرادات

يهدف مشروع موازنة 2023-2024  إلى زيادة الإيرادات العامة بنسبة 31%، وبالتالي هذه الزيادة ستكون مصدر إرهاق لميزانية الأسر وكذلك الشركات، فزيادة الإيرادات لن تكون سوى من مصادر جلها من الضرائب والرسوم، وقد رأينا منذ أيام مضت سلوك الحكومة برفع أسعار الوقود، وقد تلجأ لرفع المزيد من السلع والخدمات العامة قبل بداية يوليو/تموز القادم.

ومما يفاقم أزمة الاقتصاد المصري في ظل استهداف زيادة الإيرادات بنسبة 31%، أن القطاع الخاص غير النفطي يعاني من ركود منذ سنوات، وتحميله بأية أعباء ضريبية أو رسوم أو رفع في أسعار السلع والخدمات، من شأنه أن يزيد من حالة الركود للقطاع الخاص غير النفطي.

ومن خلال متابعة البيانات الفعلية لتحصيل الإيرادات المستهدفة، لوحظ أنها تكون أقل من المستهدف، ومثال على ذلك البيانات المنشورة من خلال وزارة المالية عن مستهدفات الإيرادات لعام 2020-2021 إذ كانت عند 1.288 تريليون جنيه، بينما البيان المالي لموازنة 2022-2023 يظهر أن المتحقق الفعلي للإيرادات في عام 2020-2021 كان بحدود 1.108 تريليون جنيه، أي أن هناك تراجعا في الإيرادات المتحققة بنحو 180 مليار جنيه مقارنة بالمستهدف في نفس العام.

ويُخشى في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، ألا يتحقق المستهدف في الإيرادات العامة، وبالتالي ينعكس هذا على عدة أمور، منها عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها في بند المصروفات، والأمر الثاني إمكانية زيادة العجز بالموازنة العامة، وهو ما يعني اللجوء للديون الداخلية والخارجية واستمرار أزمة الدين العام للدولة المصرية.

وعادة ما تشير الحكومة المصرية لبرامجها في بيع المشروعات العامة، حيث أعلنت مؤخرا أنها قد تضيف بعض المشروعات لما أعلنت عن بيعه من قبل، وهو 32 مشروعا عاما، سواء كان البيع بصورة جزئية أو كلية.

وتكمن خطورة هذا الأمر على الموازنة في أن عملية البيع للمشروعات العامة تحرم الموازنة من فوائض الأرباح الخاصة بتلك المشروعات، والتي تعود للموازنة. ووفق البيان المالي لموازنة 2022-2023، كانت الأرباح المقدر تحويلها للموازنة من الشركات العامة، بنحو 16.1 مليار جنيه

ختاما، تعد الموازنة العامة للدولة مرآة عاكسة لأوضاع الاقتصاد بشكل عام، وبقدر ما تعاني الموازنة من مشكلات، يواجه الاقتصاد تراجعا في الأداء. فكون الموازنة المصرية مثقلة بأعباء الدين العام لفترات طويلة، ووسط غياب حل جذري لمشكلة الديون، يبدو أن حل قضايا العجز وسداد فاتورة الفوائد وطغيانها على باقي بنود الموازنة، أو حل مشاكل ضعف الإنفاق على التعليم والصحة؛ أمر صعب في الآونة الحالية.