حملت وسائل الإعلام مؤخرًا أنباء عودة نفط شركة “أرامكو” السعودية لمصر خلال فترة قصيرة، وذلك بعد انقطاع دام لنحو 6 أشهر، فُسر قرار الشركة السعودية (بوقف الامدادات وعودتها) على أنه صراع سياسي بين البلدين في نطاق الخلاف حول الملفات الإقليمية، وبخاصة في سورية واليمن، وأيضًا ما شهده ملف تنازل مصر للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير، من أحكام القضاء المصري بعودة الجزيرتين للحكومة المصرية.
وبلا شك أن النفط يمثل سلعة استراتيجية لكل من مصر والسعودية، ولكننا في هذه السطور سوف نلقي الضوء حول قرار “أرامكو” بعودة ضخها للنفط لمصر، وفق ما أُبرم بينهما من اتفاق يمتد لنحو 5 سنوات، بقيمة تمويلية تصل لنحو 23 مليار دولار.
لكن تبقى حقيقة أن مصر أصبحت تعاني من أزمة في الطاقة منذ عام 2008، حيث تحولت منذ ذلك التاريخ إلى مستورد صاف للطاقة، بعد أن كانت أحد الدول المصدرة للنفط والغاز الطبيعي. ويظهر واقع أزمة الطاقة في مصر بشكل أكبر بعد انقلاب 3 يوليو 2013، وذلك من خلال بيانات ميزان المدفوعات لمصر خلال السنوات 2013/2014 – 2015/2016.
توضح بيانات الجدول التالي الميزان النفطي لمصر خلال الفترة 2013/2013 – 2015/2016 (القيمة بالمليون دولار)
المصدر: جمعت البيانات بواسطة الكاتب من خلال البيانات المنشورة على موقع البنك المركزي المصري، لميزان المدفوعات للسنوات المذكورة.
ومن خلال البيانات المذكورة بالجدول عاليه، يتبين أن العجز التجاري لقطاع النفط في مصر في تزايد مستمر، على الرغم من انخفاض سعر النفط في السوق الدولية في يوليو 2014 وحتى الآن، ففي حين كان العجز في عام 2013/2014 (السنة الأولى للانقلاب العسكري) 794 مليون دولار، ارتفع في 2015/2016 إلى 3.6 مليار دولار، ومن المؤكد أن يشهد زيادة أكبر مع نهاية العام المالي 2016/2017، ففي النصف الأول من عام 2016/2017 بلغ العجز 2.1 مليار دولار، وذلك بسبب زيادة أسعار النفط لسقف 50 دولار للبرميل.
لم تعد الطاقة في دولة كمصر يقترب تعدادها السكاني لنحو 95 مليون نسمة، أمر هين، وبخاصة مع تحولها من دولة مصدرة للنفط والغاز إلى دولة مستوردة لهما، والمقصود بأمن الطاقة، هو توفير موارد الطاقة (التقليدية وغير التقليدية) بالكميات والأسعار المناسبة للسوق المصري، سواء على صعيد المنتجين في القطاعات الاقتصادية المختلفة (الصناعة – الزراعة- الخدمات) أو للاستهلاك المنزلي.
ومثل الدعم الخليجي لمصر، بعد انقلاب 3 يوليو 2013، مصدرًا مهمًا لتأمين احتياجات مصر من الطاقة، وبخاصة بعد الاتفاق بين مصر والسعودية بتأمين 700 مليون طن شهريًا من المواد النفطية، ولمدة خمس سنوات، بتكلفة 23 مليار دولار، وبشروط ائتمانية ميسرة.
إلا أن قرار شركة أرامكو السعودية في أكتوبر 2016 بوقف الامدادات النفطية، أوجد حالة من الخلل في منظومة الطاقة بمصر، وهو ما دعا مصر للتوجه للعراق ليُعلن عن اتفاق تحصل مصر بموجبه على مليون برميل من نفط البصرة، وأن هذه الكميات قابلة للزيادة، بل إن هناك مشروعاً استراتيجياً للإمدادات النفطية العراقية لمصر، بمد خط أنابيب من البصرة عبر الأردن ثم مصر، لتأمين الاحتياجات البترولية لمصر.
ولكن منتصف مارس 2017، أعلن عن عودة النفط السعودي لمصر مرة أخرى، وهو ما يمكن تفسيره بأن الاتفاق المصري السعودي جاء كرد فعل على تعاون مصر مع إيران، وهو ما جعل الجانب السعودي يسارع بعودة ضخ الامدادات النفطية لمصر (1).
ويبقى السؤال، هل اعتماد مصر على احتياجاتها من النفط بهذه الطريقة يحقق أمنها النفطي؟ الإجابة تكمن في عدة عوامل، من أهمها ضعف القدرة التمويلية لمصر على توفير احتياجاتها من الطاقة بصورة لا تجعلها تحت الضغوط السياسية، سواء للسعودية أو إيران، أو غيرهما.
والوضع المالي لمصر يعاني من معضلة كبيرة، تتبدى مظاهرها في تسارع وتيرة الحصول على الديون الخارجية، حيث قدر الدين الخارجي لمصر بنحو 74 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2016، فضلًا عن استمرار مديونية مصر تجاه شركة النفط الأجنبية والتي تقدر بنحو 3.6 مليار دولار، ولم تنجح مصر على مدار السنوات الثلاث الماضية في حل أمر مديونية شركات النفط الأجنبية، فهي مديونية متجددة وقابلة للزيادة، فكلما أعلنت مصر عن سداد بعض شرائح هذه المديونية، لم تمض أشهر معدودة، حتى تعلن عن عودة المديونية إلى ما كانت عليه.
الأمر الثاني، أن مصر ستظل رهن احتياجاتها التنموية والمتمثلة في حتمية زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتطلب مزيد من الطاقة، أي استيراد كميات أكبر من النفط والغاز، فمصر حققت معدل نمو منخفض في عام 2015/2016، قدر حسب احصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء بنحو 2.6%.
ومع ذلك كان العجز في الميزان النفطي 3.6 مليار دولار، فما بالنا إذا عزمت مصر على تحقيق معدلات النمو المعلن استهدافها وهي 5%، فمعنى ذلك أن يتضاعف عجز الميزان النفطي ليتجاوز 7 مليارات دولار، وهو أمر غير مستطاع في ظل أزمة مصر من النقد الأجنبي.
الأمر الثالث، أن ما أعلن خلال الفترة لماضية من اكتشافات جديدة للغاز الطبيعي سواء في شمال مصر أو على شواطئ البحر المتوسط، لا يزال بعيد المنال، ولم تظهر نتائجه بعد، كما لم تظهر له بوادر في استراتيجية مصر لتأمين احتياجاتها من الطاقة، فلو كانت هذه الاكتشافات يمكنها تأمين احتياجات مصر من الطاقة، لما تبنت مصر مع العراق خيار انشاء خط أنابيب من البصرة عبر الأردن لمصر للحصول على الاحتياجات النفطية.
تظهر بيانات النشرة المعلوماتية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء عن يناير 2017، حالة من الاضطراب في وضع الطاقة في مصر، حيث تزيد معدلات الاستهلاك، وتتراجع معدلات الإنتاج، ففي ديسمبر 2015 بلغ استهلاك مصر من النفط والغاز 6.2 مليون طن، ولكنه ارتفاع في ديسمبر 2016 إلى 6.4 مليون طن. أما على صعيد الإنتاج فقد تراجع إنتاج النفط والغاز في ديسمبر 2016 إلى 5.5 مليون طن، بعد أن كان في ديسمبر 2015 نحو 5.5 مليون طن.
ووفق هذه البيانات فإن ما يتم استيراده شهريًا في المتوسط حسب بيانات شهر ديسمبر من عامي 2015 و2016، يبلغ نحو 900 ألف طن من النفط والغاز. وذلك في ظل عدم الوفاء باحتياجات قطاع الصناعة من الغاز الطبيعي بالشكل الكافي، حيث أعلنت غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصاناعات المصرية أكثر من مرة عن توقف مصانع الحديد بسبب نقص الغاز الطبيعي.
لا يختلف أداء الحكومة المصرية في قطاع الطاقة عن باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، حيث يتسم الأداء بغياب استراتيجية تتوافق وامكانيات مصر واحتياجاتها، فليست العبرة بوجود من يمد مصر باحتياجاتها من النفط والغاز، سواء كان المصدر سعوديًا أو عراقيًا، أو غيرهما، إنما العبرة بتوفير النفط والغاز بعيدًا عن الضغوط السياسية، وبما يؤمن احتياجات القطاعات الإنتاجية بشكل كاف، ويضمن للمستثمر حالة من الاستقرار، فالطاقة هي أحد أهم المتغيرات في معادلة الإنتاج.
وإذا ما استمرت الحكومات المصرية في أدائها بقطاع الطاقة على ما هي عليه، فلن يتحقق لها مستهدفاتها الخاصة بجذب الاستثمارات الأجنبية، أو تحقيق معدلات النمو الاقتصادي التي تتضمنها الخطة العامة للدولة.
وعلى ما يبدو فإن مُتخذ القرار في مصر بعد الانقلاب العسكري 2013، يعتمد نفس آلية متخذ القرار في حكومات مبارك، تجاه قضية الطاقة، فمنذ مطلع الألفية الثالثة، حذر خبراء الطاقة من الاستمرار في تصدير النفط والغاز المصريين، وطالبوا بقصر الإنتاج المصري على الوفاء باحتياجات السوق المحلي، بسبب فقر مصر مستقبلًا في مجالي النفط والغاز، ولكن في كل المحاولات ذهبت التحذيرات أدراج الرياح، في ظل توازنات ومصالح سياسية واقتصادية مرتبطة بالنخب الحاكمة، وطبيعة المؤسسات المهيمنة على مؤسسات صنع القرار (2).
——————————
الهامش
(1) مع الأخذ في الاعتبار التحولات الدولية، وخاصة بعد وصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، واللقاء الذي تم بينه وبين ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في 14 مارس 2017، والذي في أعقابه تم الإعلان من جانب المسؤولين المصريين عن عودة أرامكو إلى مصر (رويترز).