الرئيسية / مصر / دلالات الاتجاه لتصفية طرة للإسمنت

دلالات الاتجاه لتصفية طرة للإسمنت

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 25-06-2019
  • 99
دلالات الاتجاه لتصفية طرة للإسمنت
  • المصدر: الجزيرة مباشر

رسالة طرة للإسمنت لها دلالات سلبية على مناخ الاستثماربمصر، فكون مصر سوق كبير يصل عدد سكانه إلى 100مليون نسمة، ليس مبررًا للوجود فيه، فثمة اعتبارات اقتصادية لابد أن تؤخذ في الاعتبار

 

شركة طرة للإسمنت بمصر التابعة لشركة هايدلبرغ الألمانية، أعلنت عن وقف إنتاجها، وأنها تدرس تصفية الشركة، بعد تراكم الإنتاج، وزيادة ديون الشركة، حتى بلغت 47.7 مليون دولار، وتم إخطار العاملين بهذه الخطوة.

ويأتي الدافع لسلوك طرة للإسمنت من خلال زيادة حجم المعروض من الأسمنت حتى وصل إلى 85 مليون طن سنويًا، بينما احتياجات مصر بحدود 50 مليون طن. وثمة مجموعة من الدلالات تعكسها هذه الخطوة، التي تتخذ من قبل شركة أجنبية يحكمها الربح والخسارة، وليس الدوافع السياسية أو التسويق الإعلامي.

ومن أهم هذه الدلالات أن الخطوة التي اتخذها الجيش المصري في يناير 2018 بإنشاء مصنع للإسمنت في بني سويف باستثمارات تبلغ مليار دولار، من الخطوات غير المدروسة، وبل ومن السهولة بمكان أن نستنتج أن مصنع الجيش أُقيم بدون دراسة جدوى.. فبيانات سوق الإسمنت ليست خفية على أحد، وكذلك معدلات نمو الاستهلاك معلومة، فالمصنع لم تكن هناك حاجة لإنشائه، وبخاصة أنه في الوقت الذي تم إنشاء مصنع الجيش للإسمنت، كانت الحكومة قد اتخذت قراراها بتصفية الشركة القومية للإسمنت.

استثمار لا تحتاجه البلاد

ولكن في إطار الوضع الاقتصادي المأزوم لمصر من غير المقبول إنفاق مليار دولار في استثمار لا تحتاجه البلاد، في حين أن هناك عجز حقيقي في صناعات تحتاج إليها مصر، وسلع يتم استيرادها بلا داع، مثل السلع الاستهلاكية التي تمثل 27% من هيكل الواردات السلعية.

ويؤكد السلوك الاستثماري للجيش بالتوسع في الاقتصاد المدني، على مزاحمة القطاع الخاص وإجباره على تقليص فرص استثماراته، بل سوف يساعد سلوك الجيش إلى خروج الاستثمارات المحلية والأجنبية للبحث عن فرص استثمار أجدى بدول أخرى.

وتعكس خطوة طرة للإسمنت كذلك حالة الركود التي تعيشها مصر على الصعيد الاقتصادي، فكون شركات الإسمنت تعاني من وجود فائض انتاج يصل إلى حوالي 35 مليون طن -في ظل توسعات الإنشاءات والعقارات التي تستثمر فيها الحكومة بكل ما أوتيت من قوة- يعني حقيقة تباطؤ الاقتصاد المصري، وأن الحديث عن زيادة الناتج المحلي ومعدلات نموه تفتقر إلى الحقيقة.

ورسالة طرة للإسمنت لها دلالات سلبية على مناخ الاستثمار بمصر، فكون مصر سوق كبير يصل تعداد سكانه إلى 100 مليون نسمة، ليس مبررًا للوجود فيه، فثمة اعتبارات اقتصادية لابد أن تؤخذ في الاعتبار، وأن هذا السوق له حدود في الاستهلاك. وبذلك سوف تصل الرسالة إلى كثير من المستثمرين الأجانب الذين قد يفكرون في المجيء للاستثمار في مصر.

وتكشف حالة طرة للإسمنت كذلك أن المستثمرين الأجانب يفكرون فقط في السوق المحلي، وأن الحديث عن اتخاذ مصر قاعدة لتصدير منتجاتهم لأفريقيا وأوربا عبر الاقتصاد المصري، مجرد تصريحات للاستهلاك السياسي والإعلامي، وإلا لتوجهات شركات الإسمنت بهذا الفائض الذي يصل إلى 35 مليون طن للأسواق الخارجية، ولكن على ما يبدو أن اقتصاديات إنتاج الإسمنت في مصر لا تساعد على المنافسة في الاسواق الإقليمية والدولية.

غياب الإدارة الاقتصادية

ثم ممارسات خاطئة للإدارة الاقتصادية في مصر حول اقتصاديات السوق، تتمثل في ترك السوق بلا تخطيط أو إدارة، فالتخطيط في ظل اقتصاديات السوق لا يتم بقرارات إدارية، بل يتم في إطار ما يعرف بالتخطيط التأشيري، أي تقديم المزايا والحوافز التي تدفع الاستثمارات تجاه ما يعانيه الاقتصاد والمجتمع من نقص، والحد من الاستثمارات في القطاعات التي يتمتع فيها الاقتصاد بوفرة في المنتجات.

إن التخطيط السليم للإدارة الاقتصادية، أن يتم تهيئة النشاط الاقتصادي للدخول في إنتاج السلع التي تتميز فيها مصر بميزة نسبية أو تنافسية سواء على صعيد السوق المحلي أو الخارجي، حتى تكون هناك فرصة للشركات العاملة بمصر للاستفادة من الأسواق الخارجية، ولا يكون كل نشاطها فقط بالسوق المحلية.

ولكن الحكومة الحالية تترك مهماتها الرئيسة، وتتفرغ عبر مسئوليها بالتسابق للإعلان عن الحصول على القروض الخارجية، فعلى سبيل المثال نجد وزيرات التضامن الاجتماعي والاستثمار تتسابقان للإعلان عن القروض التي تحصل عليها مصر من الخارج.

 ولا يخلو الأمر من تصريحات لغيرهما من المسؤولين، كما حدث مؤخرًا من قبل خالد عبد الرحمن مساعد وزير المالية لعمليات أسواق المال الذي صرح بأن مصر تخطط لإصدار سندات دولية باليوان الصيني أو الين الياباني أو الوون الكوري الجنوبي في السنة المالية المقبلة التي تبدأ في الأول من يوليو.

لقد توجه النظام المصري لإنشاء صندوق سيادي، ليس الغرض منه حصر للموارد الاقتصادية، من أجل حسن إداراتها وإعادة توظيف غير المستغل منها، أو رفع العائد من الموظف والمستغل من تلك الموارد، ولكن من أجل أن يكون لدى السيسي الذي له صلاحيات غير محدودة في إدارة هذا الصندوق، التصرف بالبيع دون أدنى درجات الرقابة، لإيجاد سيولة، أو الظهور أمام المؤسسات الدولية، بأنه يشجع القطاع الخاص من خلال التخلص من المشروعات العامة.

وفي ظل الأجواء الاقتصادية العالمية خلال الفترة المقبلة، حيث التوقعات المتشائمة بشأن الاقتصاد العالمي ومعدلات نموه، يتوقع خروج شركات أجنبية أخرى من السوق المصري، كما يتوقع تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر من حيث معدلات التدفق، بعد أن تراجعت تلك الاستثمارات على الصعيد العالمي من 1.8 تريليون دولار في 2017 إلى 1.4 تريليون دولار في 2018.