الرئيسية / مصر / حقيقة الفائض الوهمي في ميزان المدفوعات المصري

حقيقة الفائض الوهمي في ميزان المدفوعات المصري

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 09-10-2018
  • 102
حقيقة الفائض الوهمي في ميزان المدفوعات المصري
  • المصدر: العربي الجديد

أفرج البنك المركزي المصري مؤخرًا عن البيانات الرئيسة لميزان المدفوعات عن العام المالي 2017 /2018، الذي انتهى في 30 يونيو/ حزيران الماضي، وكالعادة زودت إدارة البنك المركزي الإعلام، عبر موقعها على الإنترنت، برقم يوحي بأن هناك فائضًا بميزان المدفوعات بلغ 12.8 مليار دولار، بينما الحقيقة أن هناك عجزًا، لأن طريقة إعداد أرقام الميزان تعتبر أن القروض الخارجية في جانب الإيرادات، وهي كذلك، لكنها ليست إيرادات ذاتية صافية، بل هي التزامات في حق الدولة.

ثمة بعض المظاهر على تحسن مؤشرات ميزان المدفوعات، لكنها للأسف تأتي جميعها في إطار الإيرادات الريعية، مثل عوائد قناة السويس، وإيرادات قطاع السياحة، وزيادة تحويلات العاملين بالخارج، وهي كلها تعتمد على الخارج بشكل كبير، فضلًا عن غياب دور القطاع الإنتاجي بها.، وتظهر بيانات ميزان المدفوعات مجموعة من الحقائق الكاشفة للأداء غير التنموي للاقتصادي المصري خلال العام المالي الأخير.

حقيقة الزيادة


يتكون ميزان المدفوعات من ثلاثة موازين فرعية، الأول: الميزان التجاري وهو الخاص بالتجارة السلعية، وحقق عجزًا بقيمة 37.2 مليار دولار، والثاني ميزان الخدمات المعني بتجارة الخدمات مثل السياحة وخدمات النقل والسفر، ومن أبرز بنودها عوائد قناة السويس، وهذا الميزان حقق فائضًا بـ 11.1 مليار دولار، أما الميزان الثالث فخاص بالميزان الرأسمالي والمالي، والذي يضم بنوداً عدة أهمها الاستثمارات الأجنبية والقروض الخارجية، وهذا الميزان حقق فائضًا قدّر بـ 21.9 مليار دولار.

وإذا ما جمعنا حصيلة ميزان الخدمات والميزان الرأسمالي والمالي نجد أنهما حققا فائضًا بنحو 33 مليار دولار، وبطرحها من العجز المتحقق في الميزان التجاري البالغ 37.2 مليار دولار، نجد أن هناك عجزًا يبلغ 4.2 مليارات دولار.

وحتى يكون القارئ على بينة، فهناك 10.2 مليارات دولار تحت بند صافي القروض الخارجية، تم إدراجها ضمن إيرادات الميزان الرأسمالي والمالي، وهي وإن كانت تعد محاسبيًا ضمن الإيرادات، إلا أنها التزام في حق الدولة، وهي واجبة السداد وتترتب عليها فوائد وأقساط تثقل كاهل الموازنة العامة.

مصدر زيادة الصادرات


المطلع على البيانات التفصيلية، حسب ما ورد بميزان المدفوعات عن الصادرات السلعية، يجد أن الصادرات البترولية هي المصدر الرئيس للزيادة المتحققة في الصادرات السلعية، إذ بلغت 25.8 مليار دولار مقابل 21.7 مليار دولار العام الماضي، أي أن هناك زيادة 4.1 مليارات دولار، منها 2.2 مليار دولار زيادة في صادرات البترول، وهي في الغالب نتيجة الزيادة المتحققة في زيادة الأسعار خلال الفترة، أما الصادرات السلعية غير البترولية فزادت بـ 1.9 مليار دولار فقط.


وفي الجانب الآخر، نجد أن الواردات السلعية قفزت من 59 مليار دولار إلى 63.1 مليار دولار عام 2017/ 2018، وهو ما يظهر أن الزيادة في الواردات قابلتها زيادة مناظرة أو شديدة الاقتراب منها في الصادرات، رغم كل القرارات التي اتخذتها الحكومة للحد من الواردات، وفرض مزيد من الرسوم الجمركية على الواردات السلعية.

زيادة الإيرادات الريعية


منذ ما يزيد على أربعة عقود من الزمن، والمشكلة الرئيسة لمصر هي أن إيراداتها من النقد الأجنبي تعتمد بشكل رئيس على المصادر الريعية الخارجية، وهو ما نلحظه في أداء ميزان المدفوعات عام 2017 /2018، وإن كان يعكس وجود تحسن في أداء هذه المؤشرات.

فمثلًا زادت إيرادات قطاع السياحة خلال العام إلى 9.8 مليارات دولار، مقابل 4.3 مليارات دولار العام الماضي، أي أن الزيادة في إيرادات السياحة تزيد عن 100%، وكذلك الأمر بخصوص عوائد المرور بقناة السويس البالغة 5.7 مليارات دولار مقابل 4.9 مليارات دولار، أي أن هناك زيادة 800 مليون دولار.

أما المصدر الثالث والمهم للإيرادات الريعية فهو تحويلات المصريين بالخارج، والبالغة 26.3 مليار دولار، مقابل 21.8 مليار دولار، أي أن هناك زيادة بنحو 5 مليارات دولار. ورغم هذا الأداء الإيجابي للمؤشرات الريعية، إلا أنها تأتي فيما يعرف بالمتغير التابع، وأن ظروف وعوامل خارجية تتحكم في أدائها، وهو ما يعرض الاقتصاد لمخاطر التقلبات الاقتصادية والسياسية الخارجية.

مشكلات مزمنة


في ظل تطلعات مصر للاستثمارات الأجنبية، لتغطية الفجوة التمويلية المزمنة، نجد أن أداء الاستثمارات المباشرة تراجع هذا العام ليصل إلى 7.7 مليارات دولار، مقابل 7.9 مليارات دولار العام الماضي، أي أن التراجع بنحو 200 مليون دولار، فضلًا عن أن غالبية هذه الاستثمارات تأتي في قطاع استخراج النفط، وهو قطاع العائد منه يصب في صالح المستثمرين الأجانب أكثر منه في صالح الاقتصاد، خاصة بعد العقود والاتفاقيات التي أبرمتها مصر مؤخرًا.

وكان التراجع كذلك من نصيب الاستثمارات غير المباشرة، التي وصلت إلى 12 مليار دولار بنهاية يونيو/ حزيران 2018، مقابل 15.9 مليار دولار في العام الماضي، ويأتي التراجع بسبب الأوضاع التي تشهدها أسواق الدول الناشئة من مشكلات اقتصادية، وعرض هذه الدول أسعار فائدة أعلى من مصر، فأدى ذلك إلى خروج الاستثمارات غير المباشرة (الأموال الساخنة) لأسواق دول أخرى.

ولذلك عمّقت هذه الخطوة من أزمة مصر التمويلية، إذ تم الاعتماد على هذه الاستثمارات لتحقيق نوع من الاستقرار في سعر الصرف، ومن جهة أخرى بدأت السياسة النقدية تتخفف من الاقتراض من البنوك، وهو ما أعطاه مساحة للحركة لتقديم القروض للقطاع الخاص، لكن مع خروج أموال الأجانب من هذه الاستثمارات، عادت البنوك مرة أخرى لتزيد من حصتها في الاستثمار بالدين الحكومي.

وكرست السياسة النقدية لمصر بالاعتماد على الديون، والاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، لزيادة الأموال الخارجة من مصر لعائد على تلك الاستثمارات (مباشرة وغير مباشرة)، إذ بلغ العائد المتدفق إلى الخارج على استثمارات الأجانب 7.1 مليارات دولار، مقارنة بنحو 5 مليارات دولار في العام الماضي. أي أن الزيادة في هذا البند وحده 2.1 مليار دولار.

حقائق كاشفة


كشف ميزان المدفوعات لعام 2018/2017 عن مجموعة من الحقائق الاقتصادية، وهي في مجملها سلبيات مزمنة في أداء الاقتصاد، ولم يشفع لأداء الاقتصاد برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أبرمته الحكومة مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، إذ لم يلمس للنشاط الإنتاجي أثر واضح في أداء الاقتصاد، فالصادرات اعتمدت بشكل كبير على الزيادة في الصادرات البترولية، كما أن الزيادة بالصادرات السلعية قابلتها وبنفس القيمة تقريبًا زيادة مناظرة في الواردات السلعية.

كذلك بقيت الفجوة التمويلية لمصر كما هي، رغم تطبيق سياسات تقليص الدعم، وزيادة الضرائب، ورفع أسعار السلع والخدمات العامة، وزيادة الديون، وهو ما يعني أن مصر لم تتعلم الدرس من تجربة 1992/1991، فما تم فيما يسمى إصلاحات اقتصادية، اكتفى بتغيرات في المؤشرات المالية والنقدية، بغض النظر عن تكلفتها المالية والاقتصادية، ولم تتوجه بعد السياسات الاقتصادية للنشاط الإنتاجي الذي هو عصب أي إصلاح اقتصادي حقيقي بمصر.