الرئيسية / مصر / حدود الدعم الإيراني لاقتصاد مصر

حدود الدعم الإيراني لاقتصاد مصر

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 26-10-2016
  • 105
حدود الدعم الإيراني لاقتصاد مصر
  • المصدر: الجزيرة

مصر وحتمية المعونات
العلاقات المصرية الإيرانية
حدود الدعم الإيراني
مقابل الدعم الإيراني

الدعم الخارجي للاقتصاد المصري له ملامح واضحة، امتدت منذ عام 1952 وحتى اليوم، وهو ما يستوجب مساءلة سياسية وجنائية عن مصير هذه المعونات، وكيف لم يُستفد منها على مدار عهود عبد الناصر والسادات ومبارك وقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، حيث لم تؤد هذه المعونات إلى أي تغيير ملموس في وضع مصر الاقتصادي.

وشهدت الأيام الماضية حالة من الارتباك للحكومة المصرية، بسبب توقف الإمدادات النفطية من شركة "أرامكو" السعودية خلال أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ما دفع حكومة مصر للإعلان عن استقدام شحنات نفطية من السوق الدولية، وهو ما كلفها بلا شك أعباء مالية لم تكن في الحسبان.

التكهنات بشأن ما حصلت عليه مصر من منتجات نفطية بديلة للإمدادات السعودية ذهبت إلى مصدرين: الأول ليبيا والثاني إيران، وإن كان الأرجح أن مصر حصلت على هذه الإمدادات من إيران بسبب التماهي الذي اتسم به الموقف المصري مع محور إيران روسيا بشأن الأزمة السورية.

وثمة شواهد أخرى تدل على وجود علاقة لم يعلن عنها بعد بشكل واضح بين النظامين الإيراني والمصري، والتي كان أبرزها ما أعلن مؤخرا من مطالبة وزير الخارجية الإيراني بحضور ممثل لمصر في اجتماعات لوزان بشأن مستقبل سوريا.

يضاف إلى ذلك توتر العلاقات المصرية الخليجية وبالتحديد مع السعودية، ما أدى إلى أهمية الإجابة عن سؤال بشأن إمكانية إحلال مصر الدعم الإيراني محل الدعم الخليجي، ومدى قدرة طهران على تقديم دعم مادي للاقتصاد المصري.

مصر وحتمية المعونات

سجل الاقتصادي المصري جلال أمين بكتابه "قصة الاقتصاد المصري" (صفحة 53) أن ما حصلت عليه مصر من معونات خارجية -خلال الفترة من عام 1958إلى 1965 من أميركا وروسيا ودول أوروبية ومن منظمات دولية- تصل نسبته إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن ما اقترضته مصر من الخارج خلال هذه الفترة تصل نسبته إلى 30% من الاستثمارات المنفذة.

وبعد هزيمة 1967، استبدلت مصر المعونات العربية بالأميركية والغربية، وبخاصة بعد نصر أكتوبر/تشرين الأول 1973، حيث قدرت المعونات العربية لمصر بالفترة 1973-1979 بنحو 36 مليار دولار. وبعد اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، توقفت المعونات العربية لتحل محلها الأميركية والغربية، وإن كانت المعونات الأميركية هي الأبرز بحكم ما نصت عليه اتفاقية السلام تلك. وقدرت المعونات الأميركية لمصر من بعد عام 1979-2010 بنحو أربعين مليار دولار. وقد تقلصت هذه المعونات الآن لنحو 1.25 مليار سنويا، منها مليار معونات عسكرية، و250 مليونا لدعم برامج التنمية.

ومع مطلع التسعينيات، استعادت مصر علاقاتها العربية، ما مكنها من استجلاب المعونات مرة أخرى، وبخاصة بعد موقفها من حرب الخليج الثانية والدفع بقواتها البرية  في تحرير الكويت، وهو ما سمح بإسقاط جزء من ديونها لـدول الخليج قدر بنحو سبعة مليارات دولار. وحصلت مصر كذلك على مساعدات نقدية وعينية بعد أن أصابها زلزال 1992. وكان آخر آثار هذه المعونات وديعة بنحو عشرة مليارات أودعت البنك المركزي المصري، واستحوذت عليها حكومة حازم الببلاوي بعد الانقلاب العسكري عام 2013، لدعم الموازنة العامة للدولة.

وبعد الانقلاب العسكري، حصلت حكومات مصر المتعاقبة على ما يقدر في أقل تقدير بنحو أربعين مليار دولار، كما مثلت الإمدادات النفطية الخليجية وبخاصة من السعودية صمام أمان للاقتصاد المصري، حيث كانت هذه الإمدادات تتم عبر اتفاق بشأن تسهيلات ائتمانية تمتد لخمس سنوات، وتقدر بنحو عشرين مليارا من السعودية وحدها.

ولكن موقف مصر في التصويت بـمجلس الأمن مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري والمعارض للموقف السعودي، أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين.

وثمة توقعات بأن تتجه مصر نحو إيران لتستعين بمعوناتها بسبب توقف الدعم السعودي، وبخاصة أن ظروف إيران الاقتصادية تحسنت على الصعيد العالمي بعد أن تم رفع العقوبات الاقتصادية عنها منذ بداية عام 2016.

العلاقات المصرية الإيرانية

منذ عام 1979 دخلت العلاقات الاقتصادية المصرية الإيرانية في حالة من الجمود، بسبب اختلاف التوجهات السياسية للبلدين. وبقيت بعض المشروعات التي كانت دخلت حيز التشغيل بمصر قبل هذا التاريخ مثل "بنك مصر إيران" الذي تشترك الدولتان في رأسماله، أو "شركة غزل مصر إيران".

وقد سعت إيران غير مرة لزيادة رؤوس أموال هذه المشروعات دون جدوى من الجانب المصري. ولا تزيد العلاقات التجارية بين مصر وإيران عن ثلاثمئة مليون دولار سنويا. وكانت إيران نهاية عام 2012 قد استضافت وفدا من المسؤولين ورجال الأعمال المصريين، وذلك خلال ما عرف وقتها بالمنتدى الاقتصادي المصري الإيراني.

وعرضت طهران في هذا المنتدى رغبتها في إقامة استثمارات بمصر، في مجالات السياحة وصناعة السيارات، وإقامة مدن صناعية يستفاد منها في خلق الآلاف من فرص العمل للمصريين.

حدود الدعم الإيراني

عند الحديث عن تقديم دعم لمصر من أي طرف خارجي، لا بد أن يؤخذ في الاعتبار مجموعة مسلّمات، منها أن دولة بحجم مصر وعدد مواطنيها الذي يتجاوز 95 مليون نسمة، من الصعوبة بمكان أن يتحمل طرف تقديم كامل ما تحتاجه من مساعدات جارية أو استثمارية.

الأمر الثاني أن مصر تتمتع بسوء إدارة اقتصادية منقطع النظير، وتاريخها في التعامل مع المساعدات كاف للتحوط تجاه أي مساعدات تقدم لها.

ولمعرفة الأوضاع المالية لإيران ومدى ما تستطيع أن تقدمه لمصر، نجد أن بيانات البنك الدولي توضح أن الناتج المحلي الإجمالي لإيران بلغ 393.7 مليار دولار بنهاية 2015، وهو ما يعد ثاني أكبر ناتج محلي بالمنطقة بعد السعودية البالغ ناتجها المحلي 646 مليارا عام 2015.

والمسلم به أن إيران تعاني شأنها شأن جميع الدول النفطية بسبب أزمة انهيار الأسعار، فضلا عن تورطها في مشروعها التوسعي بالمنطقة وتمويل الحروب في سوريا واليمن والعراق وحزب الله في لبنان، ما سيجعل دخولها في تقديم دعم لمصر عبئا جديدا يحد من تطلعاتها الاقتصادية وطموحات شعبها الذي ينتظر عوائد رفع العقوبات الاقتصادية.

ولذلك يتوقع أن يكون الدعم الإيراني في إطار الدعم لمرة واحدة، قد تصل إلى ما بين خمسة وعشرة مليارات دولار في شكل قروض، أو تقديم تسهيلات ائتمانية لإمدادات نفطية. وفي أحسن سيناريوهات التفاؤل، تستطيع طهران أن تقدم عشرين إلى ثلاثين مليارا لمصر على مدار أربع سنوات.

وسيكون الدعم الإيراني في نفس إطار الدعم الخليجي والدولي خلال الفترة الماضية، بحيث يمثل مسكنات لمشكلات مصر الاقتصادية، ولا ينتشلها من مستنقع الديون والفجوة المالية، وفي الوقت نفسه لا يحقق تنمية.

ويتوقع أن يستمر التلويح بورقة تدفق السياحة الإيرانية لمصر بمعدل مليوني سائح سنويا، في الوقت الذي تعاني فيه السياحة بمصر من أزمة حقيقية منذ ثلاث سنوات، وبخاصة أن السياحة الإيرانية مرتبطة بمزارات آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم في القاهرة، وكذلك حرص السياحة الإيرانية على زيارة المعالم السياحية بالأقصر وأسوان في الجنوب.

أما على صعيد الاستثمارات الإيرانية، فلن تختلف عن غيرها من الاستثمارات الأجنبية العربية والغربية، حيث سيتم التركيز على قطاعات السياحة أو الصناعات التجميعية، ولن تتجه الاستثمارات الإيرانية للاستثمارات الزراعية أو إنتاج المعدات والآلات، أو جلب تكنولوجيا حديثة.

مقابل الدعم الإيراني

لا تعرف العلاقات الدولية شيئا بدون مقابل. ولذلك ستستفيد إيران من تجربة قطر في إقراض مصر، حيث سيكون ذلك من خلال بنك تجاري إيراني، وليس من قبل الحكومة أو البنك المركزي الإيراني، أو من خلال شراء ما تطرحه مصر من سندات دولية بأسواق المال، حتى تستطيع طهران أن تجبر مصر على السداد دون اللجوء لنادي باريس.

وفي حالة نجاح طهران في تقديم الدعم المالي لمصر -والذي كما ذكرنا متوقع أن يبلغ عشرين إلى ثلاثين مليار دولار على مدار أربع سنوات، فستكون هذه ورقة الضغط التي انتظرتها إيران كثيرا للاستحواذ على مصر كقوة إقليمية ظلت عصية عليها، وبقيت معارضة لسياسات طهران بالمنطقة منذ الثورة الإيرانية عام 1979