ترسيخًا لنظرية تساقط ثمار النمو الفاشلة، والتي كانت أبرز ملامح العولمة المتوحشة، أعلن وزير المالية المصري، هاني قدري دميان، عن اتفاق المجموعة الاقتصادية بحكومة محلب على توحيد سعر الضريبة على الدخل ليكون حدها الأقصى %22.5، في حين أن الاتجاه الذي تبناه دستور 2014، نص على مبدأ الضرائب التصاعدية.
ويتدرج سعر الضريبة على الدخل في مصر الآن، حسب آخر التعديلات ما بين 20% و25% و30%، وتمثل الحصيلة الضريبية في إجمالها نحو 66% من إجمالي الإيرادات العامة، وهو ما يعني أن يأخذ الأمر في الاعتبار في ظل عجز الموازنة الحالي، الذي تبين مؤشراته الحالية خلال العام المالي 2014 /2015، استحالة انخفاضه إلى نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
وحسب تصريح وزير المالية لوسائل الإعلام، فإن هذا الإجراء يأتي في إطار تحسين مناخ الاستثمار بمصر، وكأن الحكومة قد قضت على البيروقراطية والفساد، ووفرت الطاقة واليد العاملة الماهرة، ولم يبق سوى تخفيض الضريبة العامة على الدخل.
ولم يأخذ الوزير في الاعتبار ما ستُمنى بها الضريبة على الدخل من تراجع بالحصيلة، نظراً لتراجع أسعار النفط، إذ كانت تمثل ضريبة النفط وقناة السويس نحو 45% من إجمالي حصيلة الضريبة على دخول الأفراد والشركات.
كما لم يخطر على باله ارتفاع معدلات التضخم، وتآكل رواتب الموظفين، وبخاصة العاملين بالحكومة، فلم يتم مثلاً رفع حد الإعفاء الضريبي لهؤلاء العاملين، ولكن لأنها ضريبة مضمونة التحصيل بنسبة 100%، لخصمها من المنبع، فلم يفكر الوزير في إمكانية تحسين الأحوال المعيشية لهذه الفئة، أسوة بحرصه على مصالح المستثمرين.
التجربة المصرية قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، لم يستفد منها أحد، وعادت السياسات الاقتصادية لما كانت عليه من محاباة للأغنياء على حساب الفقراء بزعم تشجيع الاستثمار، بينما لم تزدد الاستثمارات المحلية ولم يتحرك الاستثمار الأجنبي خارج دائرة النفط والخصخصة، وبذلك فقدت سياسة تشجيع الاستثمار الهدف منها عبر الإعفاءات الضريبية.
كان الأجدى بتخفيض معدلات الضريبة تلك الاستثمارات التي تتيح فرص عمل أكثر، أو تلك الخاصة بتدوير المخلفات، أو التي تستهدف التصدير. أما أن يكون هذا التخفيض شاملاً لكافة الأنشطة الاقتصادية، فلا يعني ذلك إلا عدم وضوح الرؤية.
وعلى ما يبدو فإن السياسة الاقتصادية بمصر تعتمد مبدأ محو كل مطلب أو شعار ارتبط بالعدالة الاجتماعية، التي رفعها ثوار يناير. ولينتظر صانع هذه السياسة آثاراً اجتماعية وسياسية وخيمة.