الرئيسية / مصر / المهاجرون المصريون بعد الانقلاب: الخريطة والأبعاد

المهاجرون المصريون بعد الانقلاب: الخريطة والأبعاد

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 11-09-2017
  • 117
المهاجرون المصريون بعد الانقلاب: الخريطة والأبعاد
  • المصدر: المعهد المصري للدراسات

ارتبط أبناء مصر بالنيل ولذلك تركزت الكتلة السكانية على ضفاف النيل، ولم يعرف أبناء مصر الهجرة الخارجية إلا مؤخرًا، بسبب إهدار الموارد الاقتصادية من قبل حكومات ما بعد عام 1952، وغياب مشروع للتنمية خلال العقود الماضية، كما كان ظهور النفط في الدول العربية الأخرى عاملًا مهمًا في إيجاد الطلب على العمالة المصرية.

ولم تتوقف هجرة المصريين للخارج على الدول العربية فحسب بل انطلق المهاجرون المصريون لدول أمريكا وأوروبا، طلبًا للعلم أو سعيًا للرزق، أو البحث عن مناخ آمن بعيدًا عن الممارسات الديكتاتورية، أو الاضطهاد السياسي.

ومن الظواهر البارزة في هجرة المصريين للخارج، أن الأعداد الرسمية تخص أولئك الذين يهاجرون بشكل رسمي ويسجلون أنفسهم في السفارات المصرية بالبلدان التي يهاجرون إليه، ولا تتضمن هذه الأرقام المهاجرين غير الشرعيين، والذين يحرصون عادة على عدم الاقتراب من السفارات المصرية.

والهجرة غير الشرعية بين المصريين في السبعينيات والثمانينيات كانت تتركز في الذهاب إلى ليبيا والعراق  والأردن، حيث كانت عادة ما تضم العمالة غير الماهرة، والتي لم تكن مؤهلة للحصول على عقود عمل للسفر لتلك البلاد، فكانوا يهاجرون عبر الحدود البرية لليبيا، أو عبر تأشيرات سياحية لكل من الأردن والعراق، وكانت هذه الهجرات تضم ما قدر في ذلك التوقيت بنحو 3 ملايين مهاجر.

وكثيرًا ما تعرضت العمالة المصرية المهاجرة للدولة العربية للطرد أو التجاوز في حقوقهم المادية والمعنوية، بسبب الخلافات السياسية بين مصر وتلك البلدان.

مؤخرًا عادت الهجرة غير الشرعية لليبيا على الرغم مما يكتنفها من حرب أهلية، وكذلك تشهد الهجرة غير الشرعية للمصريين إلى أوروبا أعدادًا متزايدة، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر، حتى وصلت تلك الهجرة إلى شريحة عمرية، لم يكن يتصور أن تفكر في الهجرة، فضلًا عن لجوئها للهجرة غير الشرعية، وهي هجرة الأطفال دون سن الـ 18 عامًا، أو هجرة بعض الأطفال الفقراء للبحث عن علاج لأشقائهم المرضى، كما حدث في حالة الطفل الذي هاجر إلى إيطاليا ليبحث لعلاج لأخيه المصاب بأمراض الكبد.

وحسب البيانات المنشورة عن نتائج التعداد السكاني لعام 2017، تبين أن عدد سكان مصر بلغ 104.3 مليون نسمة، منهم 9.5 مليون نسمه يقيمون في الخارج، أي ما يعادل 9.1% من إجمالي سكان مصر، وهي بلا شك نسبة غير قليلة، باعتبار أن عدد كبير من هؤلاء المهاجرين من ذوي التعليم، أو اليد الماهرة، وهو ما يجعل الهجرة خصمًا من أداء التنمية في مصر، وإن كان هؤلاء المهاجرين مصدر للعملات الصعبة للاقتصاد المصري منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين.

حيث اُعتبرت تحويلات المصريين بالخارج أحد مصادر النقد الأجنبي، وهي تأتي في المرتبة الثانية بعد الصادرات السلعية من حيث القيمة، وتتجاوز بكثير باقي مصادر النقد الأجنبي سواء من قطاع السياحة، أو الصادرات، أو رسوم المرور بقناة السويس.


عوامل كثير على الصعيدين السياسي والاقتصادي أدت لهجرة المصريين، إلا أن الاطلاع على أعداد المهاجرين يظهر أن ثورة 25 يناير 2011 كان لها أثر واضح على تراجع أعداد المهاجرين، كما أن الانقلاب العسكري في يوليو 2013 أدى إلى عودة ارتفاع أعداد المهاجرين مرة أخرى، بل وبأعداد أكثر مما كانت عليه من قبل. ومن خلال الرسم البياني التالي يتضح لنا حركة الهجرة خلال الفترة من 2006 – 2017.

 نجد أن أعداد المصريين المقيمين بالخارج وصلت إلى ذروتها في عام 2010 وقدر عدد المصريين المقيمين بالخارج بنحو 9.1 مليون نسمة، وهو ما يعادل نسبة 10.3 من إجمال عدد السكان في ذلك العام والبالغ 87.8 مليون نسمه.

وكان عام 2010 هو العام الذي ارتفعت فيه موجات الغضب السياسي والاجتماعي للممارسات الاقتصادية والسياسية السلبية لنظام مبارك، من سوء عدالة توزيع الثروة، وغياب العدالة الاجتماعية، واستحواذ فئة قليلة من الأثرياء بالثروة في مصر، واتساع نطاق احتكار السلع، وانتشار الرشوة، وكذلك التجاوزات الكبيرة من خلال جهاز الشرطة.

وهي الأعمال التي ساعدت على تفجير الشرارة الأولى لثورة 25 يناير 2011، من خلال إضرابات الحركة العمالية وطلاب الجامعات، وفئة الشباب بشكل عام. ولذلك اتجه منحى أعداد المصريين المقيمين بالخارج للارتفاع من عام 2006 وحتى 2010. ولكن مع انطلاق ثورة 25 يناير ونجاحها في الإطاحة برأس النظام، أعطى الأمل للكثير من المصريين المهاجرين بالخارج للعودة إلى مصر، سواء كانوا من أصحاب الأعمال الذين أردوا أن يعودوا لمصر بمدخراتهم في ظل أجواء تتسم بالديمقراطية وسيادة القانون، كثمرة من ثمرات ثورة 25 ينار، أو أولئك الذين عادوا ليكونوا في عداد العاملين بمختلف الأنشطة الاقتصادية بمصر في أجواء عمل تتسم بالكرامة والعمل اللائق والأجر العادل، للهروب من أنظمة عمل تتسم بتجاوزات كثيرة لحقوق العمل.

ولذلك وجدنا أعداد المهاجرين المصريين تشهد تراجعًا ملحوظًا في عام 2011 و2012 على وجه التحديد لتصل إلى 7.3 مليون مهاجر و5.3 مليون مهاجر على التوالي. وذلك للأسباب التي ذكرناها من قبل لقناعة المهاجرين بإمكانية تحسن الأجواء العامة بمصر على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

وقد تراجع أعداد المصريين المهاجرين للخارج خلال هذين العامين بسبب الزخم الذي شهدته وسائل الإعلام من الحديث عن التنمية في مصر، وضرورة الاستفادة من إمكانياتها، والقضاء على الفساد والاحتكار، وتقديم العديد من رموز حكم مبارك للمحاكمة، بل ومبارك نفسه وابنيه، وكذلك العديد من رجال الأعمال البارزين، والذين كانوا صورة واضحة لتزاوج رأس المال والسلطة في عهد مبارك.

 تداعيات للانقلاب


بدءًا من عام 2013، الذي شهد في منتصفه انقلابًا عسكريًا على التجربة الديمقراطية الوليدة، وعلى أول نظام مدني تشهده مصر، منذ عام 1952، حيث صودرت الحريات، وعادت الأحكام العرفية، وتجاوزات الشرطة بلا حدود، بل ووصل الأمر لانتشار التصفيات الجسدية للمعارضين السياسيين، وسيطرة الجيش على مقدرات الحياة الاقتصادية المدنية، وتدهور العديد من المشكلات الاقتصادية الكلية.

وكان من الطبيعي أن تعود الرغبة لدى شريحة ليست بالقليلة من المجتمع المصري للهجرة للخارج، وهو ما عكسته البيانات الخاصة بنتائج تعداد 2017 للسكان، حيث تبين أن عدد المصريين المهاجرين بالخارج قفز من 6 مليون مهاجر في 2006 إلى 9.5 مليون مهاجر في 2017.

لقد زاد عدد المهاجرين خلال الفترة من 2013 – 2017 بنحو 3.5 مليون مهاجر، أي بما يزيد عن 50% عما كان عليه الوضع في 2006. وبذلك فقد تجاوز عدد المهاجرين في عهد الانقلاب العسكري في عام 2017 عدد المهاجرين في عام 2010، والذي كان يعتبر أعلى معدل للهجرة في تاريخ مصر بنحو 9.1 مليون مهاجر.

التوزيع الجغرافي لمهاجرين المصريين


حسب البيانات المنشورة بتعداد 2017، يتبين أن:

الدول العربية لازالت المستوعب الأكبر للمهاجرين المصريين، حيث تستوعب البلاد العربية 6.2 مليون مهاجر وبما يمثل 65.8% من إجمالي المهاجرين المصريين في عام 2017.
تأتي الأمريكتين في المرتبة الثانية، باستيعابهما نحو 1.6 مليون مصري مهاجر، وبما يمثل نسبة 16.7% من إجمالي المصريين المهاجرين.
أوروبا احتلت المرتبة الثالثة باستيعاب 1.2 مليون مهاجر، وبما يمثل 13.2%، ويعود انخفاض حصة أوروبا من استيعاب المهاجرين المصريين، إلى ما تخطط له أوروبا منذ عقود بوقف تيار الهجرة العربية والإفريقية إليها، وتقديمها لاتفاقيات الشراكة مع مصر وغيرها من دول جنوب المتوسط، لخلق أجواء اقتصادية إيجابية تحد من رغبة المهاجرين من تلك البلدان إلى أوروبا.
إلا أنه يلاحظ بعد تمكين الثورات المضادة من دول الربيع العربي، عاد تيار الهجرة غير الشرعية بشكل كبير إلى الدول الأوروبية، بسبب سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك البلدان، وغيرها من دول المنطقة، وهو ما نلاحظ نتائجه السلبية عبر قوارب الموت على شواطئ الدول الأوروبية أو في عرض البحر. وهو ما يعني أن جهود أوروبا للحد من تيار الهجرة العربية إليها من خلال اتفاقيات الشراكة لم تؤت الثمار المرجوة منها.
في المرتبة الرابعة، جاءت الدول الآسيوية واستراليا، باستيعاب نسبة 3.7% من إجمالي عدد المهاجرين المصريين، ثم المنطقة الأفريقية بأقل نسبة من المهاجرين المصريين، بنحو 0.5%. والنسبة الخاصة بالمنطقة الإفريقية تطرح مجموعة من التحديات على مصر، حيث تواجه مصر أزمات حقيقية منذ سنوات بسبب بعدها عن إفريقية اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، مما أدى إلى تهديها في أهم مواردها الطبيعية وهو مياه النيل.


وحتى داخل المنطقة الإفريقية لا يوجد تناسق أو مظهر يدل على إقامة علاقات متوازنة على الصعيد السياسي والاقتصادي لمصر مع الدول الإفريقية، حيث تستوعب جنوب إفريقيا وحدها 85% من المهاجرين المصريين للدول الإفريقية غير العربية، وتعود هجرة المصريين لجنوب أفريقيا بشكل أكبر من غيرها من دول القارة للانتعاش الاقتصادي الذي تشهده جنوب إفريقيا، ولسعي المهاجرين المصريين للحصول على فرص عمل في مجتمع جديد بعيدًا عن المنافسة الكبيرة التي تشهده العمالة المصرية في دول الخليج، سواء من المصريين، أو من العمالة الأسيوية، فضلًا عن سهولة السفر لجنوب إفريقيا عن طريق التأشيرات السياحية، ثم البحث عن عمل والحصول على إقامة هناك .


ويظهر أمر توزيع المهاجرين المصريين في إفريقيا بهذا الشكل غير المتناسب، مع غياب دور الدولة في توظيف ورقة المهاجرين داخل إفريقيا واستثمارها كأحد الأوراق لتقوية علاقاتها بتلك الدول، وبخاصة أن مصر كحكومة تمر بأوضاع اقتصادية سيئة لا تسمح لها، لأن تقدم معونات أو استثمارات مباشرة أو غير مباشر لدول إفريقيا، وبالتالي فإن الاستفادة من إمكانيات الأفراد أو القطاع الخاص كان فرصة لتفعيل وجود المهاجرين المصريين في الدول الإفريقية، من خلال وزارة الهجرة، بالبحث عن فرص عمل للمصريين الراغبين بالهجرة للخارج في إفريقيا، أو تسهيل أعمالهم، وتقوية روابط هؤلاء المهاجرين بالقنصليات أو السفارات المصرية المنتشرة في هذه الدول.

 

العوامل المؤثر في هجرة المصريين


لا يخفى على أحد أن من أهم أسباب هجرة المصريين للخارج، تردي الأوضاع الاقتصادية، وبخاصة بعد انقلاب 3 يوليو 2013، حيث يعاني الكثير من الممارسات السياسية والأمنية بصورة غير مسبوقة، فضلًا عن سيطرة الجيش على مقدرات الحياة الاقتصادية المدنية، ومزاحمة القطاع الخاص، في مجال التشييد والبناء ومشروعات البنية الأساسية، ومجالات التصدير والاستيراد، حتى وصل الأمر لأن ينشئ الجيش مدارس خاصة وصيدليات وكليات الطب، وغيرها من الأمور التي كانت تمثل أنشطة مفتوحة للقطاع الخاص.

ويتوقع أن يستمر تيار الهجرة للخارج خلال المرحلة المقبلة ما لم تشهد مصر تحسننًا على الصعيد السياسي والأمني، ومجال حقوق الإنسان، فالمهاجرين بعد انقلاب 3 يوليو 2013، منهم أعداد لا بأس بها من معارضي الانقلاب العسكري، والمضارين منه، حيث خرجوا بأسرهم، وبعضهم استطاع أن يخرج بما تبقى له من أموال لم تصادرها حكومة الانقلاب العسكري.

ولكن فئة الشباب على وجه التحديد لديها رغبة في الهجرة، بغض النظر عن كونهم من المعارضين أو غير المعارضين للوضع السياسي في مصر، والدافع للهجرة لديهم مرتبط بسوء الأوضاع الاقتصادية، وصعوبة البدء في حياة مستقرة، بسبب قلة فرص العمل، أو أن العائد من العمل لا يكفي لمتطلبات إنشاء أسرة جديدة من تكاليف السكن أو الزواج.

وإذا ظل مفهوم الحكومة الحالي تجاه التنمية بأنها مجرد التوجه بالاستثمارات القليلة المتاحة أو من خلال الاستدانة لتشييد مشروعات سياحية وعقارية لا تحقق قيمة مضافة عاليه، أو تستهدف في خلق فرص عمل، فسوف يساعد ذلك على استمرار رغبة الشباب وغيرهم للهجرة من مصر.

فما تبناه الانقلاب العسكري بعد 3 يوليو من تصورات لتشغيل الشباب أو استيعابهم بشكل عام في سوق العمل، كان مخيبًا للآمال، مثل صدمة تدفع الكثيرين منهم للتفكير بالهجرة، فالمتاح للشباب وفق تصور حكومات ما بعد الانقلاب العسكري ما بين قائدي سيارات النقل أو العمل على عربات بيع الخضروات، أو القبول بوظائف في قطاع الخدمات، تعد في إطار الوظائف الدنيا.

ولكن ثمة عقبات جديدة تواجه تمكين الراغبين في الهجرة من الخروج من مصر، ومنها الأوضاع السياسية والاقتصادية في دول الخليج، والتي تستوعب كما ذكرنا نحو 65% من المهاجرين المصريين، فالدول النفطية العربية بشكل عام ومن بينها الدول الخليجية، تواجه أزمة اقتصادي بسبب أزمة انهيار أسعار النفط. وثمة إجراءات تقشفية تعيشها الدول النفطية العربية، واتجاه للاستغناء عن العمالة الأجنبية، والشروع في تنفيذ ما أطلق عليه إستراتيجية توطين الوظائف.

هذه الأجواء دفعت البعض من المهاجرين وبخاصة من الشباب إلى البحث عن مناطق جديدة للهجرة في دل آسيا، وبعض دول أوروبا الشرقية، أو أمريكا الجنوبية، وفي حالة نجاح تجارب البعض في هذه البيئات الجديدة، قد تمثل نقطة تحول في التوزيع الجغرافي للمهاجرين المصريين، كما حدث في حالة جنوب إفريقيا.

 

ضرورة المشاركة


لا يُعد مستقبل البلاد أيًا كانت حكرًا على فئة بعينة، وبخاصة إذا كانت تلك الفئة هي الجيش الذي تنحصر خبراته في مجالات الدفاع والتسليح والتدريب، وتغيب عنه مقدرات ومقومات الحياة المدنية بكل مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فما يتطلبه الوضع في مصر ليكون بمثابة معالجة حقيقية لمواجهة الهجرة بأعداد كبيرة من أبنائها، هو عودة الحياة الديمقراطية مرة أخرى، ووجود ممارسة سياسية حرة، وتفعيل لدولة المؤسسات وسيادة القانون، ليكون الجميع مشارك في صنع مستقبل البلاد، وإدارة مواردها الاقتصادية (الطبيعية، والمالية، والبشرية).

وإذا كان هناك من يحرص على ما تبقى لهذه البلد من إمكانيات فليقرأ الأرقام الخاصة بالمصريين المقيمين بالخارج قبل وبعد ثورة 25 يناير، وكذلك بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013، وسيتبين له أن غياب المشاركة المجتمعية في صنع القرار بمصر، هو الدافع الأكبر لهجرة المصريين، لما ترتب على غياب المشاركة في اتخاذ القرار من ممارسات ديكتاتورية، وتفريط في الموارد الاقتصادية للبلاد، فضلًا عن غياب الرؤية الاقتصادية والتوسع في الديون العامة، مما يجعل التفكير بالبقاء بمصر إهدار للوقت، وضياع للأمل (1)