الرئيسية / مصر / المعايير الغائبة في إعداد الموازنة المصرية

المعايير الغائبة في إعداد الموازنة المصرية

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 28-05-2014
  • 105
المعايير الغائبة في إعداد الموازنة المصرية
  • المصدر: الجزيرة


تغييب دور المواطن في صنع القرار
الملامح العامة لمشروع الموازنة
مشروع الخطة الاقتصادية والاجتماعية
مشروع الموازنة ودلائل السلوك الحكومي

تغييب دور المواطن في صنع القرار

تفقد الأشياء معناها حينما تغيب عنها المعايير الأساسية التي تبنى عليها، ومن بين هذه الأشياء الموازنة العامة للدولة.

ومن المعروف تاريخيا أن الموازنة العامة للدولة كانت سببا في نشأة البرلمان، لمحاسبة أولي الأمر عن التصرف في الضرائب، وتؤثر في هذا مقولة عن المجتمع الإنجليزي مفادها "لا ضرائب بدون تمثيل برلماني".

ومن ضمن حالة التغييب لدور المواطن المصري في صنع القرار يأتي مشروع موازنة العام المالي 2014/2015، ليلقي مزيدا من الضوء على حالة التهميش التي يعيشها المواطنون في مصر، فمنذ أربعة أعوام لم تعتمد الموازنة العامة للدولة من سلطة تشريعية أو من رئيس منتخب إلا في عام واحد فقط هو العام المالي 2013/2014 خلال فترة ولاية محمد مرسي.

"
الملاحظ في البيانات والأرقام المذكورة عن مشروع الموازنة أنها أسهبت في تفاصيل بعض المخصصات التي شهدت زيادة في مقدارها، ولكن البيان تجاهل قضية مهمة جدا، وهي وضع الدين العام
"

وعلى الرغم من الكثير من الملاحظات الاقتصادية والاجتماعية التي يحظى بها مشروع الموازنة العامة لمصر في ظل الانقلاب العسكري فإننا سنركز في هذا التحليل على المعايير الغائبة في إعداد الموازنة، مع الإشارة إلى بعض من هذه الملاحظات الاقتصادية والاجتماعية قدر المستطاع، مع الإشارة في البداية إلى أهم ملامح مشروع الموازنة العامة لمصر للعام المالي 2014/2015.

الملامح العامة لمشروع الموازنة

تضمن البيان الصحفي المنشور على موقع وزارة المالية المصرية بلوغ النفقات العامة بمشروع الموازنة لعام 2014/2015 نحو 807 مليارات جنيه مصري، بينما المقدر للإيرادات العامة أن تصل إلى 517 مليار جنيه، وبذلك يكون العجز الكلي بالموازنة بحدود 290 مليار جنيه.

ومن أبرز ما تضمنته النفقات العامة بمشروع الموازنة مخصصات الأجور، والتي بلغت 209 مليارات جنيه، وكذلك مخصصات الدعم التي بلغت 253 مليار جنيه.

والملاحظ على البيانات والأرقام المذكورة عن مشروع الموازنة أنها أسهبت في تفاصيل بعض المخصصات التي شهدت زيادة في مقدارها، ولكن البيان تجاهل قضية مهمة جدا، وهي وضع الدين العام، فلم تتم الإشارة إلى مقداره (داخليا وخارجيا) ولكن تمت الإشارة فقط إلى تكلفة أعبائه بمشروع الموازنة، حيث بلغت أعباء الدين العام 202 مليار جنيه بما يعادل 25% من حجم الإنفاق بالموازنة.

إن بيان وزارة المالية أشار فقط إلى أهمية السيطرة على الدين العام، ومن قبيل الشفافية المفترض توافرها في مثل هذا البيان المتعلق بالموازنة أن يشار إلى قيمة الدين وتكلفة أعبائه، خاصة أن هناك حالة من الإسراف في المديونية العامة الداخلية قامت بها الحكومة بعد 3 يوليو/تموز الماضي.

 كما أن الحكومة تنتظر بفارغ الصبر الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لكي تطلق يدها في الاقتراض من الخارج بعد أن أصبحت المديونية الداخلية لا تحتمل المزيد.

الملاحظ أن فئات مهمشة قد تقلص حجم الدعم المخصص لها، وفق ما جاء ببيان وزارة المالية، ومن هذه الفئات المزارعون، حيث خفض الدعم المخصص لهم من 4.5 مليارات جنيه إلى 3.5 مليارات جنيه، على الرغم من أن الريف المصري يعاني من انتشار الفقر، مما استدعى أن يطلق عليه الباحثون أن الفقر في مصر "ظاهرة ريفية".

"
المفترض أن يقدم مشروع الخطة الاقتصادية والاجتماعية العامة للدولة مصحوبا بمشروع الموازنة، باعتبار أن الموازنة هي في حقيقتها البرنامج المالي للخطة
"

أيضا في واحدة من القضايا المجتمعية المهمة -وهي الإسكان الاجتماعي- فقد تم تخفيض قيمة الدعم من ثلاثمائة مليون جنيه إلى 150 مليون جنيه، وذلك في الوقت الذي تصل فيه نسبة الشباب لنحو 60 % من حجم السكان في مصر، وتعد مشكلة تدبير سكن للشباب الجدد ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية شديدة الحساسية.

بقي أن نشير إلى تغير جوهري في ما يتعلق بدعم الطاقة، حيث تم تخفيضه بنحو ثلاثين مليار جنيه، مع التصريح بوجود توجه لرفع أسعار الطاقة في بداية يوليو/تموز القادم، وبذلك ينتظر المصريون موجة تضخمية كبيرة قد تستمر لأربعة أعوام قادمة، هي الفترة التي حددتها الحكومة للتخلص من دعم الطاقة.

مشروع الخطة الاقتصادية والاجتماعية

المفترض أن يقدم مشروع الخطة الاقتصادية والاجتماعية العامة للدولة مصحوبا بمشروع الموازنة، باعتبار أن الموازنة هي في حقيقتها البرنامج المالي للخطة، لكن الملاحظ أن الحكومة والإعلام في مصر يركزان على الموازنة وما بها من زيادات أو نقص في الإيرادات والنفقات من دون الإشارة إلى الخطة، وما تحتويه من برامح اقتصادية واجتماعية تستهدف تحسين حياة المصريين.

ومن عجائب الحالة المصرية أن الخطة العامة للدولة والموازنة يتم إعدادهما في جهتين منفصلتين، فالخطة العامة يتم إعدادها عن طريق وزارة التخطيط، بينما الموازنة يتم إعدادها عن طريق وزارة المالية، والمفترض أن يكون هناك تنسيق بين الجهتين على الأقل، ولكن على ما يبدو أن هذا التنسيق قاصر فقط على ما يخص بند الاستثمارات العامة.

ومما يؤكد ما ذهبنا إليه أن موقع وزارة التخطيط المصرية -حتى كتابة هذه السطور- لم يشر من قريب أو بعيد إلى مشروع الخطة العامة للدولة للعام المالي 2014/2015، في حين نشرت وزارة المالية بيان صحفيا على موقعها عن مفردات لا بأس بها عن مشروع الموازنة العامة للدولة، فعلى أي أساس يعلم المواطن أن ما يتم إنفاقه من خلال الموازنة يصب في صالح تحسين أوضاعه المعيشية؟

إن العبرة ليست في أرقام تزيد أو تنقص، ولكن العبرة بالمردود والعائد من هذا الإنفاق، وهو ما يتضح من سلامة الربط الحقيقي بين مفردات الخطة العامة للدولة، ومخصصات الإنفاق بالموازنة العامة للدولة.

"
كيف يحظى ما تضمنه مشروع موازنة 2014/2015 برضا المواطن المصري، وهي مليئة بالألغام المتمثلة في خفض دعم الطاقة بنحو ثلاثين مليار جنيه مصري؟ مع الإشارة إلى رفع أسعار الوقود مع بداية يوليو/تموز القادم، وكذلك الشروع في فرض ضرائب جديدة تقدر بنحو عشرة مليارات جنيه
"

لا تزال عقلية التخطيط المركزي تسيطر على عقول معدي الخطة العامة والموازنة في مصر على الرغم من الحديث منذ سنوات عبر برامج التدريب -التي تمولها المنح والمساعدات الأجنبية- عن أهمية إعداد الموازنة التشاركية، أو الموازنة بالمشاركة، بحيث تكون الخطوات الأولى لإعداد الموازنة تبدأ من أسفل، من القاعدة العريضة من المجتمع.

ولكن شيئا من هذا لم يحدث خلال إعداد مشروع موازنة 2014/2015، ففي السنة الأولى بعد ثورة 25 يناير عمدت حكومة عصام شرف إلى عقد مجموعة من الاجتماعات، نظرا لغياب البرلمان من خلال الأحزاب السياسية، ورجال الأعمال ومؤسسات الإعلام، وكانت خطوة إيجابية، خاصة في ظل غياب البرلمان.

وكيف يحظى ما تضمنه مشروع موازنة 2014/2015 برضا المواطن المصري، وهي مليئة بالألغام المتمثلة في خفض دعم الطاقة بنحو ثلاثين مليار جنيه مصري؟ مع الإشارة إلى رفع أسعار الوقود مع بداية يوليو/تموز القادم، وكذلك الشروع في فرض ضرائب جديدة تقدر بنحو عشرة مليارات جنيه.

أيضا تم تخفيض مخصصات الاستثمارات العامة بنحو عشرة مليارات جنيه، وهو ما يتعارض مع توجه الحكومة لتبني خطة تحفيزية للاقتصاد المصري، للعمل على تخفيض أعداد العاطلين، وتحقيق معدلات نمو في الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز نسبة 3%.

ومما يذكر للسلطة التشريعية المنتخبة في عهد محمد مرسي عقد مجلس الشورى العديد من جلسات الاستماع لممثلي الأحزاب السياسية، والإعلام، ورجال الأعمال، وتمت مناقشة كافة الجهات العامة التي تمولها الموازنة على الهواء، ومن خلال نقل تلفزيوني مباشر، وتم تقليص العديد من النفقات، وأجريت بعض الإصلاحات على قوانين الموازنة تؤدي إلى مزيد من الشفافية، إلا أنها للأسف ألغيت بعد الانقلاب.

مشروع الموازنة ودلائل السلوك الحكومي

اعتاد المواطن المصري على أن تنفي الحكومة الكثير من الأشياء، ثم تقدم على تنفيذها في ما بعد، ولعل ما تضمنه مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2014/2015 يمثل واحدا من الدلائل الواضحة على السلوك الحكومي.

ففي الوقت الذي يؤكد فيه وزير المالية على أن ما يتم بخصوص تخفيض سعر صرف الجنيه أو تخفيض مخصصات الدعم يأتي في إطار الإصلاحات الهيكلية، ولا علاقة له بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، إلا أنه يؤكد في تصريح آخر على أن علاقة وزارته مع صندوق النقد تأتي في إطار الدعم الفني حسب المادة الثامنة من اتفاقية إنشاء صندوق النقد الدولي.

"
مما يزيد من حالة عدم الشفافية في الموازنة المصرية عدة أمور، منها ما يتعلق بالصناديق الخاصة التي أعيت كل من أشار إلى مناقشة مواردها ومعرفة حجم أموالها، دون وجود إجابة شافية تقدم للرأي العام، ولم يجرؤ أحد على اتخاذ قرار بضم هذه الصناديق للموازنة العامة للدولة
"

ومما يلفت النظر في هذا المجال أن المسؤولة عن برامج العدالة الاجتماعية بوزارة المالية هي شيرين الشواربي، والتي كانت تعمل خبيرة لسنوات طويلة بمكتب البنك الدولي بالقاهرة، ولذلك اتخذت أولى خطواتها للدعم النقدي في ضوء خريطة الفقر التي أعدها البنك الدولي منذ سنوات عن القرى الأكثر فقراء في مصر.

ومما يزيد من حالة عدم الشفافية في الموازنة المصرية عدة أمور، منها ما يتعلق بالصناديق الخاصة التي أعيت كل من أشار إلى مناقشة مواردها ومعرفة حجم أموالها دون وجود إجابة شافية تقدم للرأي العام، ولم يجرؤ أحد على اتخاذ قرار بضم هذه الصناديق للموازنة العامة للدولة.

 كذلك لم يكن متصورا أن يأتي تطبيق قانون الحد الأقصى للأجور للعاملين بالحكومة وقطاع الأعمال العام بهذا الكم من الاستثناءات، مما فرغه من مضمونه، وجعل وزير المالية الحالي قدري ديمان يصرح بأن مردود هذا القانون يوفر فقد مائتي مليون جنيه، وأنه يطبق فقط على نحو ثمانمائة ألف موظف.

 وطالب الوزير بضرورة مراجعة هذا التطبيق، ولكن ليس من أجل إدراج شرائح جديدة وتطبيق صحيح، إنما من أجل إعفاء شرائح خضعت للتطبيق، ويرى الوزير أن القانون الحالي مخالف للدستور، ويؤدي إلى فقد الجهاز الحكومي الكفاءات.

أما الأمر الأكثر أهمية فهو ما يتعلق بموازنة الهيئات الاقتصادية العامة وشركات قطاع الأعمال العام، والتي تعتبر موازنة مستقلة تفوق مخصصات الموازنة العامة للدولة، وتعمل الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام وفق قوانين خاصة في الأجور والمكافآت وتوزيع الأرباح، مما جعلها محط نظر ومراجعة لكي يعاد ضمها مرة أخرى للموازنة العامة للدولة