الرئيسية / مصر / العسكر وتدمير الاقتصاد المصري بعد الانقلاب العسكري ـ الجزء الرابع

العسكر وتدمير الاقتصاد المصري بعد الانقلاب العسكري ـ الجزء الرابع

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 30-01-2016
  • 91
العسكر وتدمير الاقتصاد المصري بعد الانقلاب العسكري ـ الجزء الرابع
  • المصدر: المعهد المصري للدراسات

تقديم :

شهد الاقتصاد المصري تحت حكم العسكر بعد انقلاب 3 يوليو 2013، العديد من الممارسات والسياسات الخاطئة، التي كان لها العديد من التداعيات الخطيرة ليس فقط على حاضر هذا الاقتصاد ولكن على مستقبله، وفي هذا الملف نرصد أهم ملامح هذه السياسات وتلك التداعيات :

أولاً: تراجع الصادرات المصرية

يعاني الاقتصاد المصري خلال السنوات الخمسة الأخيرة من تراجع واضح ومستمر في كافة قطاعاته, خاصة بعد حدوث الانقلاب العسكري في يونية 2013م, وعلى الرغم من الدعم الخليجي الكبير لمصر خلال هذه الفترة , والمشروعات القومية الكبيرة التي تزعم حكومات الانقلاب تنفيذها, إلا أن المواطن المصري لم يشعر بأي تغيرات إيجابية في حياته اليومية, بل على العكس تزداد معاناته يوما بعد يوم, ولم يعد الكثير منهم متفائلا بأي وعود بإصلاحات اقتصادية مستقبلية من جانب الحكومة.

ومن أهم القطاعات الاقتصادية التي شهدت انخفاضات واضحًا خلال العامين الأخيرين هو قطاع الصادرات, التي تعد المصدر الأول للعملات الأجنبية للاقتصاد القومي, كما تكمن أهمية الصادرات في قدرتها على خلق فرص عمل جديدة, وإصلاح العجز في ميزان المدفوعات, وجذب الاستثمارات الخاصة سواء المحلية أو الأجنبية, الأمر الذي يساعد على تحقيق معدلات نمو مطردة تؤدي إلى تحسن الاقتصاد بصورة إجمالية.

  • تراجع الصادرات المصرية

من واقع بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء انخفضت قيمة الصادرات بنهاية عام  2014م إلى 26.7 مليار دولار مقارنة بقيمة 28.7 مليار دولار, وذلك بانخفاض بلغت نسبته حوالي 6.8% ,  أما الصاردات خلال النصف الأول من عام 2015م مقارنة بنفس الفترة من عام 2014م فقد انخفضت انخفاضًا ملحوظًا وذلك من 14648 مليون دولار إلى 11225 مليون دولار،  بانخفاض بلغت نسبته أكثر من 23.4%.

ومن أكبر القطاعات التي شهدت انخفاضًا واضحًا هو قطاع البترول الخام ومنتجاته, حيث انخفضت قيمة صادرات البترول من 3471 مليون دولار خلال النصف الأول من 2014م إلى 2112 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الحالي 2015م , وذلك بانخفاض بلغت نسبته حوالي 39.2%. كما انخفضت قيمة الصادرات من الكيماويات والأدوية بنسبة كبيرة بلغت حوالي 44%, وذلك من 1793 مليون دولار إلى 1005 مليون دولار خلال نفس الفترة.

ومن نفس البيانات يلاحظ أن هناك انخفاضًا كبيرًا للصادرات المصرية إلى كافة التكتلات الاقتصادية بالخارج, حيث انخفضت الصادرات لدول الاتحاد الأوروبي بنسبة 33% وذلك من 4661 مليون دولار خلال النصف الأول من 2014م إلى 3124 مليون دولار خلال النصف الأول من 2015م , كما انخفضت الصادرات للدول العربية من 4962 مليون دولار إلى4249 مليون دولار بنسبة 14%, أما أكبر نسبة انخفاض فكانت من نصيب الصادرات لدول آسيا (بدون الدول العربية) , حيث انخفضت بنسبة 38% وذلك من 2692 مليون دولار إلى 1668 مليون دولار خلال نفس الفترة.

ومن الجدير بالذكر أيضا الارتفاع الملحوظ في حجم الواردات خلال عام 2014م مقارنة بعام 2013 حيث ارتفعت من 66.2 مليار دولار إلى 70.8 مليار دولار، بنسبة ارتفاع 7%, في حين كانت نسبة الارتفاع خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة تجاوزت 8.4%.

وبذلك فقد وصلت قيمة العجز في الميزان التجاري خلال النصف الأول من 2015م حوالي 23298 مليون دولار, في حين كانت القيمة لعام 2014 م حوالي 17204 مليون دولار.

ويترتب على العجز في الميزان التجاري تزايد العبء على ميزان المدفوعات والذي قد لا تتحمله احتياطيات مصر من العملات الأجنبية وبالتالي التأثير على سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية, ويترتب على ذلك في النهاية التأثير بشكل كبير على حياة المواطن المصرى والذي يظهر في صورة التضخم أو ارتفاع الأسعار, التي تكاد لا  تعاني منها أسرة في مصر.

  • أسباب تراجع الصادرات

هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى التراجع الملحوظ للصادرات المصرية خلال الفترة الماضية , ويمكن إيجازها في النقاط التالية:

  • استمرار أزمة نقص الطاقة, خاصة نقص الغاز الطبيعي الذي تسبب في تعطل بعض مصانع إنتاج الأسمدة الكيماوية وتأخر الشحنات المصدرة.
  • تخلي الدولة بصورة أو بأخرى عن المساعدات والمساندة التصديرية التي كانت تقدم للمصدرين لمساعدتهم على تحمل الأعباء المادية التي يتحملونها، لكي يتمكنوا من الترويج لمنتجاتهم في الخارج, فعلى سبيل المثال تتراوح هذه المساندة بين (5% – 10%)، في الوقت الذي تعطي فيه دولة تملك كافة مكونات الإنتاج مثل الصين مساندة تصديرية بنسبة 17%.
  • تدهور خطوط النقل التجاري والبري والبحري والجوي بين مصر ودول العالم، مما يؤدي إلى تأخر البضائع المصرية وتلف بعضها خاصة الغذائية.
  • تأخر صرف مستحقات المصدرين لدى صندوق تنمية الصادرات ومصلحة الضرائب، كان له الأثر على قلة التدفقات النقدية للشركات وقلة الإنتاج مما تسبب في قلة وجود المنتج المصري في الأسواق الخارجية.
  •  افتقاد الصادرات لقدرتها التنافسية بين صادرات باقي الدول، وذلك نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج من المياه والغاز والكهرباء مما أدى إلى انخفاض حجم الإنتاج.
  • تدهور مؤسسات الاستيراد والتصدير ، حيث شهدت شركات الاستيراد والتصدير المصرية تدهورًا نسبيًا؛ بسبب قرار البنك المركزي في فبراير 2015 تقييد إيداعات الأفراد والشركات بالدولار في البنوك المصرية بـ 10 آلاف دولار يوميًا، وبحد أقصى 50 ألف دولار شهريًا، مما لا يغطي المبالغ التي يجب على المستورد المصري تحويلها إلى المصدر الأجنبي، وإن كان الهدف من ذلك الإجراء تخفيض الطلب على الدولار لخفض سعره في السوق السوداء، إلا أنه أيضًا صعّب عملية الاستيراد.
  • عدم تفعيل الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها الحكومة خلال الفترة الماضية، للتوسع تصديريا إلى الأسواق الخارجية.
  • ومن أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع حجم الصادرات عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي شهدته البلاد خلال المرحلة الماضية خاصة بعد الانقلاب, الأمر الذي ساعد على تقليص حجم الاستثمارات الاقتصادية, وانسحاب العديد من الشركات العالمية الكبرى, وتصفية العديد من المشروعات, وهو ما أدى في النهاية إلى نقص المنتجات المصرية التي كانت تصدر للأسواق الخارجية.

ثانياً: الفساد ومعدلاته المرتفعة واتساع رقعته

لا تنقطع أخبار الفساد الذي يعم الحياة الاقتصادية في مصر، ولا يقتصر على النخبة ومسئولي الحكومة، ولكن يكتوي به الفقراء وغالبية الشعب الذي يعتمدون في أرزاقهم على بذل الكثير من الجهد نظير أجور لا تسمن ولا تغني من جوع.

وفي ظل الانقلاب العسكري وسيطرة العسكر على مقدرات الحياة الاقتصادية في مصر، ازدادت معدلات الفساد، وأصبحت قضايا الفساد تنال وزراء حكومات العسكر الواحد تلو الآخر، وكذلك باقي مسئولي الحكومة في الإدارات العليا، فضلًا عن ممارسات الفساد من قبل رجال الأعمال، ومجرمي الاقتصاد الأسود، لذلك تدهور تريتب مصر على المؤشرات المختلفة للشفافية ومكافحة الفساد،  وفيما رصد لترتيب مصر في  أهم المؤشرات الدولية للفساد.

1- مؤشر مدركات الفساد (Corruption Perception Index) :بلغ ترتيب مصرفي مؤشر إدراك الفساد (CPI) ، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية 105 من ضمن 180 دولة شملها التقرير في عام 2007، استمر التدهور في عام 2008حيث احتلت المرتبة رقم 115، وتحسن ترتيب مصر نسبيًا في هذا المؤشر في عام 2010 لتصل إلى المرتبة 112 من بين 180 دولة، كما تراجع ترتيبها لتحصل علي المرتبة 118 في عام 2012، ثم المرتبة رقم 114 في عام 2013 من اجمالي 178 دولة شملها التقرير، الامر الذي يعكس مدي انتشار الفساد في مصر واتساع رقعته باستمرار.

2 – مؤشرات تقرير التنافسية العالمية المتعلقة بالشفافية والفساد:

تحتل مصر المرتبة الـ 81 من بين 139 دولة شملها تقرير التنافسية العالمية لسنة 2010/2011، ثم تراجعت لتحتل المركز رقم 118 لعام 2013/ 2014، وتتراجع أكثر لتحتل المرتبة رقم 119 في عام 2014/ 2015 من اجمالي 144 دولة ثم ترتيبها في عام 2015/2016 وصلت الي المرتبة 116 من اجمالي 140 دولة، الأمر الذي يؤثر سلبا علي مناخ الاعمال والاستثمار في مصر.

وفيما يتعلق بالمؤشر الأول من ضمن المؤشرات المرتبطة بالفساد- والتي يتضمنها تقرير التنافسية العالمي – والذي يعرف بـ “تأثير الفساد على المعاملات”، فقد حصلت مصر فيه على 4.08 درجة لتحتل بذلك المرتبة الـ 64 من بين 139 دولة شملها المؤشر في سؤال حول تأثير المدفوعات غير القانونية على تكلفة الأعمال.

كما حصلت مصر أيضاً على 4.08 درجة لتحتل المرتبة الـ 64 من بين دول التقرير، وذلك في ثاني تلك المؤشرات المرتبطة بالفساد في تقرير التنافسية العالمي وهو المؤشر المرتبط بـ “المدفوعات غير الرسمية والرشاوي في الأعمال العامة”.

أما فيما يتعلق بالمؤشر الثالث والمرتبط بـ “المدفوعات غير القانونية والرشاوي في مجال التصدير والاستيراد”، فقد حصلت مصر فيه على 4.5 درجة لتحتل المرتبة الـ 62 في ترتيب الدول التي شملها التقرير. هذا، ويتعلق المؤشر الرابع بـ “الرشاوي والمدفوعات غير القانونية في الضرائب”، وقد حصلت مصر في هذا المؤشر على 4.3 درجة لتحتل بذلك المرتبة رقم 77 في ترتيب الدول التي شملها التقرير.

وفي حين يرتبط المؤشر الخامس بـ “المدفوعات غير القانونية والرشاوي للحصول على أحكام مميزة من النظام القضائي”، وقد حصلت مصر في هذا المؤشر على 5.5 درجة لتحتل بذلك المرتبة الـ 33، نجد أن المؤشر السادس – آخر تلك المؤشرات المرتبطة بقضية الفساد والشفافية ضمن تقرير التنافسية العالمي – وهو المرتبط بـ “إبرام العقود العامة والمشروعات الاستثمارية”، قد حصلت مصر فيه على 4.6 درجة لتحتل بها المرتبة الـ 39 ضمن الدول التي شملها التقرير.

هذا، وقد أوضح تقرير التنافسية العالمية للعام 2015/2016، أن أبرز المشكلات التي تواجه المؤسسات عند ممارسة أعمالها في مصر تتمثل في: البيروقراطية الحكومية، تليها سوء الاخلاقيات في العمل، والجريمة والسرقة، ثم الفساد.

3-التحرر من الفساد   Freedom From Corruptionأو مكافحة الفساد (Control of Corruption) :

يشير التقرير السنوي الصادر عن مركز هيرتدجHeritage ، لقياس “مدي انتشار الفساد”، وهو مؤشر يتراوح بين 2.5 درجة بالموجب مما يدل علي قوة الدولة في مواجهة ومحاربة الفساد ودرجة 2.5 بالسالب تدل علي عدم القدرة علي مواجهة ومحاربة الفساد،ويعتمد هذا المؤشر على قياس مدى تورط البرلمانيين وموظفي الحكومة ومسئولي الضرائب والجمارك في ممارسات الفساد، قد تمكنت مصر من تحقيق تقدم في قيمة هذا المؤشر، والخاص بمكافحة الفساد، في الفترة 2000-2002، ، ثم انعكس الامر وبدأت مصر تأخذ قيما تتراوح بين (- 0.29) في عام 2002 وتتدهور أكثر لتصل إلي (- 0.57) في عام 2012 الأمر الذي يؤكد ضعف الحكومة في مواجهة الفساد واتساع رقعته مع الزمن. وذلك بسبب انتشار الفساد الحكومي وانتشار الرشوة بين موظفي الحكومة في المناصب المتدنية بشكل أصبح جزءاً من الحياة اليومية، كذلك فساد القيادات العليا والمتمثلة في استغلال النفوذ والوساطة ونهب ثروات الدولة.

  • أسباب الفساد في مصر
  • تفاقم مشكلة البطالة

حسب التقديرات الحكومية تبلغ معدلات البطالة 12.8% في عام 2014، بينما الواقع يشير إلى ارتفاع معدل البطالة ليتجاوز نسبة 15%، وتزيد معدلات البطالة بين الشباب بنسبة تصل إلى نحو 30% في الفئة العمرية (24 – 29 عامًا).

وهو الأمر الذي يجعل من الشباب فريسة لممارسة كثير من الأعمال التي تؤدي إلى الجريمة والفساد، وبخاصة تعاطي وتجارة المخدرات.

  • مشكلة الفقر واختلال هيكل الأجور:

أشارت دراسة للبنك الدولي عن الفقر في مصر، إلى أن ما يقرب من 48.5% ممن يعملون بأجر يقعون ضمن شرائح الفقر المختلفة، إذ يقع نحو 3.2% منهم ضمن شريحة “الفقر المدقع”، ونحو16.5% منهم ضمن شريحة “فقراء”، ونحو 18.8% ضمن شريحة “قريبي الفقر”.

كما أشارت تقديرات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP) ،إلى أن عدد السكان الذين يعيشون في مصر عند خط الفقر المدقع (أقل من دولار في اليوم) يبلغ نحو 1.7 مليون نسمة (أي حوالي2% من حجم السكان)، وهم يعتبرون افقر فقراء مصر. بينما يبلغ عدد السكان الذين يعيشون عند خط الفقر العادي (2 دولار في اليوم) نحو 20% من مجموع السكان، أي أن خمس السكان يقعون عند أدنى مستوى في خريطة توزيع الدخل في مصر.

وقد كرست السياسات الاقتصادية التي اتبعتها حكومات الانقلاب لزيادة معدلات البطالة والفقر، من خلال استمرار الحكومة في استنزاف موارد الجهاز المصرفي، لسد عجز الموازنة، وكذلك الدخول في مشروعات عامة بلا دراسات جدوي، مما أدى إلى تقليص الأموال المتجة للاستثمار وخلف فرص عمل جديدة ومستقرة للعاطلين أو الداخلين الجدد لسوق العمل.

غياب دور الهيئات الرقابية، مما يدرجه كافة الدراسات المعنية بمكافحة الفساد في مصر، أن السلطة التنفيذية تسيطر من خلال القوانين على الأجهزة الرقابية، وأن هذه الأجهزة لا تحظى بالاستقلالية في تعيين أعضائها، أو تحديد رواتبهم، كما تعاني هذه الأجهزة من الخلل التشريعي الخاص بمكافحة الفساد، أو تلك المتعلقة باختصاصاتها في مواجهة الفساد، وتحقيق دورها الرئيس في ممارسة أعمال الرقابة.

وقد حرص الانقلاب العسكري بمصر على تدجين المؤسسات الرقابية، والسيطرة عليها، من خلال الإغداق المالي على العاملين فيها، وتعيين خريجي أجهزة الشرطة والوات المسلحة بها.

ثالثاً: أكذوبة قناة السويس الجديدة

تراجعت إيرادات قناة السويس، التي تمثل مصدرًا مهمًا للدخل القومي في مصر للشهر الرابع على التوالي، مخيبة الآمال التي عقدها المصريون عقب افتتاح التفريعة الجديدة في أغسطس 2015 في تحقيق طفرة في عوائدها .

وأشارت بيانات هيئة قناة السويس، إلى إن إيرادات مصر من المرور خلال المجرى الملاحي العالمي تراجعت بمقدار 40.8 مليون دولار لتبلغ نحو 408.4 مليون دولار في نوفمبر 2015، مقابل 442.8 مليون دولار، في نوفمبر 2014، ويعني هذا هبوط إيرادات البلاد من العملة الصعبة بنحو 40.8 مليون دولار من القناة .

فبعد الانقلاب العسكري في يوليو ،2013 وتحديدًا في 5 أغسطس 2014 أعلن قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي عن البدء فعليًا في إنشاء مجرى ملاحي جديد لقناة السويس وتعميق المجرى الملاحي الحالي وتنمية محور قناة السويس بالكامل بهدف زيادة الدخل القومي المصري من العملة الصعبة وتحقيق أكبر نسبة من العبور المزدوج للسفن على طول المجرى الملاحي وتقليل زمن الانتظار وبالتالي تلبية الزيادة المتوقعة في حجم التبادل التجاري.

وفي 15 سبتمبر 2014 أعلن محافظ البنك المركزي المصري أن حصيلة بيع شهادات استثمار قناة السويس وصلت إلى نحو 61 مليار جنيه مصري منذ بداية الطرح عن طريق البنوك وتقرر إغلاق الاكتتاب في الشهادات بالبنوك كل هذا دون الإعلان عن دراسة جدوى للمشروع وكل ما تم الإعلان عنه أنه مشروع حفر مجرى ملاحى جديد مواز للقناة بطول 72 كم، وفى يوم 6 أغسطس 2015 أقيم الاحتفال بافتتاح المشروع.

القيمة الحقيقية للمشروع: في البداية وقبل كل شيء فإن إطلاق لفظ قناة جديدة على المجرى الجديد الذي حفر من الكيلو 61 حتى الكيلو 95 أي بطول 35 كم ليس منطقي لأن القناة في الأساس لها عدة تفريعات أحدها يصل طوله إلى 40 كم وهي تفريعة بورسعيد وبالتالي ليس من المنطقي أن نطلق على المجرى الأكبر تفريعة والأصغر قناة جديدة.

ومع مقارنة التصريحات والإحصاءات نجد أنه فى 16 أغسطس 2015 أكد قائد الانقلاب العسكري خلال ندوة نظمها الجيش أن دخل القناة يزداد يوما بعد يوم فقال: “القناة دي اتكلفت 20 مليار جنيه وإذا كان على العشرين مليار فأنا بقولكم إن دخل القناة اللي زاد من مرور السفن من 45 إلى 47 سفينة في اليوم وصل لـ60 إلى 63 سفينة في اليوم إذا كان على العشرين مليار اللي احنا دفعناهم احنا جبناهم”. بينما في 12 أكتوبر 2015 أعلنت هيئة قناة السويس أن إيرادات القناة في شهر أغسطس انخفضت بنسبة 4.6% إذ حققت القناة في هذا الشهر 448.8 مليون دولار مقارنة بـ469.7 مليون دولار من الشهر نفسه العام السابق وعبر القناة 1577 سفينة بمعدل 50.8 سفينة يوميًا وليس كما ادعى السيسي بأن العدد زاد ليصل إلى من 60 إلى 63 سفينة.

ومن جانبه ذكر الفريق مميش خلال مؤتمر صحفي في محافظة الإسماعيلية 16 سبتمبر 2014 مشروع التنمية الجديد سيحقق صافي دخل يصل إلى حوالي 100 مليون دولار سنويا”.

فضلا عن أنه ورد في الصفحة 80 من بيان الموازنة العامة لعام  2015 – 2016 ما يؤكد أن الأرباح المتوقعة للقناة لن تزيد كثيرًا بعد افتتاح التفريعة الجديدة حيث ذكر فيه  “أن تقديرات الفائض من هيئة قناة السويس بلغت خـلال العـام المـالى 2015 /٢٠١6 نحو ١٩،٦٩٢ مليون جنيه بنسبة نمو قدرها ٢,٨% عن متوقع العام المالى ٢٠١4 /٢٠١5 فى ضوء التقديرات الدوليـة لنمو حركة التجارة الدولية وقد تم تقدير فائض أرباح هيئة القنـاة فى ضوء تقديرات رسوم المرور المرتبطة بحركة التجـارة الدوليـة المارة بقناة السويس خلال العام المقبل”.

ومن ناحية أخرى فإن السيسي أكد أن التفريعة الجديدة ستساعد على مرور من 60 – 63 سفينة يوميًا بدلًا من 45 – 47 سفينة وجدير بالذكر هنا أن إجمالي عدد السفن التي عبر القناة في عام 2008 أي قبل  حفر التفريعة الجديدة بلغت 21415 سفينة أي بمعدل 59.4 سفينة في اليوم وهو ما يعني أن قدرة القناة بوضعها الحالي تتحمل مرور  59.4 سفينة على الأقل وبالتالي فإن مرور 45 – 47 سفينة في اليوم فقط في الفترة التي سبقت القناة لم يكن نتاج عدم قدرة القناة أو احتياجها لتوسعة ولكن الأمر مرتبط بشكل كبير بحجم التجارة العالمية وبالنظر إلى بعض الإحصائات الرسمية نجد أن إجمالي عدد  السفن التي تعبر كل عام في تناقص منذ عام 2010 حيث بلغت في عام 2010 (17993) سفينة وفي عام 2011 بلغت (17798) وفي عام 2012 بلغت (17298) وفي عام 2013 بلغت (16596) وسجلت ارتفاع طفيف للغاية في عام 2014 حيث بلغت (16.7) ألف سفينة وهو ما يعني أن توسعة القناة لم تكن حاجة ملحة مطلقًا في الفترة الحالية والغريب في الأمر أن السيسي طلب تخفيض مدة المشروع من 3 سنين لسنة واحدة فقط وكأن الأمر متطلب في غاية السرعة حتى ينفق عليها مليارات في وقت تعاني فيه البلاد من عجز شديد في موازنتها العامة.

وطبقًا لما ورد في بيان وزارة المالية عن العام المالي 2015 – 2016  نجد أن التفريعة الجديدة ستوفر بعد 5 سنوات حوالي 253 مليون جنيه أرباح زائدة وفي المقابل إذا نظرنا إلى المصروفات المطلوب من الدولة تسديدها بعد الـ5 سنوات فإننا ستجدها ملزمة بتسديد 64 مليار جنيه ثمن السندات التي ساهم بها المصريين لعمل المشروع بالإضافة إلى نسبة الفائدة والتي يصل إلى 38.4 مليار دولار خلال الخمس سنوات وهو ما يعني أن الدولة ملزمة بعد 5 سنوات بتسديد 102 مليار جنيه في مقابل تحقيقها أرباح تقدر 253 مليون جنيه وهو ما يعني أن العجز لا بد أن يتم رأبه من الموازنة العامة للدولة التي تعاني في الأساس من عجز كبير.

وجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أن قناة السويس هي أسرع مجرى بحري يربط بين قارة أسيا وأوروبا  وتوفر نحو 15 يوماً في المتوسط من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح وهو ما يعني أن تخفيض عدد ساعات عبور السفن من 22 ساعة لـ11 ساعة على إثر التفريعة الجديدة طبقًا لتصريح الفريق مهاب مميش، ليس ذات جدوى لجذب سفن جديدة خاصةً أن الطريق البديل تزيد فيه المدة حتى تصل لـ15 يوم في المتوسط.

ردود الفعل على المشروع: من الطبيعى أن تأتى مهاجمة هذا المشروع من معارضى الانقلاب لكن أن يهاجم مؤيدى الانقلاب هذا المشروع فهذا على عكس العادة مما يدلل على أن هذا المشروع ليس له جدوى.

ففى 30 يونيو 2015 شارك ساويرس السيسي فى حفل إفطار مجموعة من رجال الأعمال داعمي صندوق “تحيا مصر وبعد سويعات صرح ساويرس قائلا “ما أظنش المشروع اتعمل له الدراسات اللازمة” مشككًا في وجود الدراسات التي تقنعه وغيره من رجال الأعمال الكبار بالمشاركة في الاستثمار فى هذا المشروع مبدياً استعداده للمشاركة في مشروع له فائدة وطائل حقيقي يعود على الناس بالخير وكأنه يلمح بأن العكس صحيح في حالة مشروع التفريعة الجديدة.

وفى يوم 9 أغسطس أكدت حركة شباب 6 أبريل أنه تم حفر عدة تفريعات على مدار السنوات الماضية فى إطار التنمية المستمرة لقناة السويس لكن أحدا من الحكام لم يجرؤ على أن يطلق عليها اسم قناة السويس الجديدة كما فعل السيسي مشيرة إلى أنه لا علاقة له من قريب أو بعيد بالمشروع القومي لتنمية محور قناة السويس الذي كان يهدف لتنمية منطقة القناة وجعلها أكبر مناطق العالم اللوجيستية من خلال إقامة مناطق صناعية وموانئ ومطارات.

رابعاً: الفساد العسكري من مبارك إلى السيسي

بينما يتنادى المصريون الرافضون للانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي حينما كان وزيرا للدفاع ضد أول رئيس مدني منتخب بمصر، محمد مرسي، في الثالث من يوليو/ تموز 2013، للتوحد بقيام موجة ثورية في الـ 25 من يناير/ كانون الثاني 2016، أدرجت منظمة الشفافية الدولية الرئيس المخلوع مبارك ضمن أكثر الشخصيات فسادًا.

وقالت المنظمة إن مبارك متهم بتحويل ملايين الدولارات من أموال الشعب المصري إلى خارج البلاد، فضلا عن عدم وجود إرادة سياسية لمحاكمته أو عائلته أمام العدالة.

وأطاحت الثورة بمبارك وسجن في تهم فساد وقتل المتظاهرين، لكنه برأ من التهم الأخيرة.

ورغم أنها تقدَّر بمليارات الدولارات، ومصر في أمسّ الحاجة إليها؛ لم يتم التعامل مع ملف الأموال المهرّبة والمنهوبة إبان فترة حكم مبارك على المستوى الرسمي بالجدية المطلوبة طوال السنوات الماضية. فلم يتم حصرها أو اتخاذ أي إجراءات قانونية نهائية ضد مَن قاموا بتحويلها، فضلاً عن أن الجهود الشعبية والمدنية لم تُسفر عن أيّ نتيجة ملموسة، في المقابل، يُطالب اليوم رجال أعمال مبارك ومحاموه بالأموال، بعدما حصلوا على أحكام “نهائية وباتّة” بالبراءة.

وأثار الكاتب المصري المثير للجدل والمناصر للحكم العسكري محمد حسنين هيكل زوبعة في فنجان عندما ادعى في مايو/ ايار 2011، أن لديه معلومات موثقة حول امتلاك مبارك، ثروة تتراوح بين 9 و11 مليار دولار.

وأضاف هيكل في حوار مع صحيفة الأهرام القاهرية ” إن من يريد أن يتحدث عن ثروة مبارك في الخارج فأنا لا أقتنع إلا بمعلومات موثقة من مصادر دورية محترمة، وفي الأرقام التي قرأتها بنفسي تقريران: تقرير بمعلومات متوافرة لدى البنك الدولي وهي متوافقة مع تقارير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهي تتحدث عن هذه الأموال الموجودة في الخارج وتقدرها فيما بين9 و11 مليار دولار وهذا في حد ذاته رقم مهول”. وفي وقت لاحق، نكص هيكل على كلامه قائلا إنه ليس خبيرا في الأموال حتى يستطيع أن يحدد قيمة أموال مبارك، زاعما “ما نشرته مجرد معلومات متوفرة لديَّ بالاطلاع على تقارير دولية تؤكد بشكل موثق أن مبارك يمتلك من 9 إلى 11 مليارا في بعض الدول الأجنبية”.

وفي مارس/ آذار 2014، كشف تقرير صادر من مركز أبحاث الكونجرس الأمريكي أن مصر تلقت مساعدات من الولايات المتحدة بقيمة 71.45 مليار دولار بين عامي 1979 و2013، أي خلال 34 عاما. وأضاف المركز أن المساعدات الأمريكية لمصر تشمل 1.3 مليار دولار سنويا في شكل مساعدات عسكرية منذ عام 1987 وحتى الوقت الحاضر.

وحصلت مصر على مساعدات من الولايات المتحدة خلال الفترة من عام 2001 إلى عام 2013 تقدر بنحو 21.3 مليار دولار، منها 15.57 مليار دولار مساعدات عسكرية، و5.714 مليار دولار مساعدات اقتصادية.

وتمثل المعونات الأمريكية لمصر نحو 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز نحو 2% من إجمالي الدخل القومي المصري. وقال هيكل في كتابه ” مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان” إن حرب الخليج في مطلع التسعينيات، منحت مصر مساعدات وهبات بلغت قيمتها 100 مليار دولار، إبان حكم مبارك وإن جماعات المصالح التى أحاطت بـ”الأب” – وهنا يقصد مبارك- وزحفت مع الابن – وهنا لم يسمِ علاء أو جمال- تحولت إلى سرب جراد، أتى على ما جاءت به السياسة، متحررة من الأخلاق، وأن الوعاء الاقتصادى الذى امتلأ بعد حرب الخليج، جرى تفريغه بالنهب بعدها.

وفي السادس من فبراير/ شباط 2013، قالت منظمة الشفافية الدولية إن فساد الجيش في مصر وصل لمستوى “حرج”. وفي الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، أوضحت النتائج الإقليمية لمؤشر مكافحة الفساد في قطاع الدفاع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، أن دول المنطقة، ومن بينها مصر، أنفقت أكثر من 135 مليار دولار على قطاع الدفاع في عام 2014، وهو ما يشكل 7.6% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.

ويعد معدل الإنفاق هذا- تبعًا للتقرير- الأعلى في العالم، قياسًا إلى نسبته من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال رصده لتزايد الإنفاق السري على الدفاع، قال تقرير الشفافية الدولية إنه في مصر: “تعد ميزانية الدفاع التي تقدر بحوالي 4.4 مليار أمريكي سراً من أسرار الدولة .لا تتوافر تلك الميزانية بأي صيغة من الصيغ للجمهور أو للسلطة التشريعية”، مضيفًا أن الجيش المصري منذ عام 1979 سُمِح له قانونًا بالاحتفاظ بحسابات مصرفية تجارية خاصة به.

كما أن ميزانيته مستقلة عن بقية الحكومة. وأنه “يسيطر (الجيش المصري) على جزء كبير من الاقتصاد من خلال أعماله”. وفي 15 أبريل/ نيسان 2015، أصدر مركز كارنيجي الأمريكي تقريرا جاء فيه أنه بعد الإطاحة بالرئيس المدني المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو/ تموز 2013، أثبتت القوات المسلحة المصرية أنها الحَكَم الأخير في النظام الاقتصادي والسياسي في مصر، وأنها المُشرِف والمُراقِب الأول على الاقتصاد المصري، من خلال حماية الأصول الاستراتيجية لشركائها الاستثماريين الأساسيين في حقبات الاضطراب، والسيطرة على عملية مناقصات المشتريات الحكومية الأساسية.

وأشار إلى انهيار ما أسماه بالاتفاق الهش بين نظام مرسي بعدما أذعن إلى العديد من المطالب الأساسية للقوات المسلحة المصرية، عندما حاول مرسي تهميش الجيش في المشاريع الكبرى مثل تطوير قناة السويس ومشروع “توشكا”، وهو مشروع لاستصلاح الأراضي.

وأوضح أن السيسي يواصل جذب دعم واسع من المستثمرين الدوليين والحكومات الأجنبية، ولاسيما السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين حلّتا مكان الولايات المتحدة بصفتهما الراعيَين الأساسيَّين للنظام. وتحت ضغوط إعلامية وسياسية، كشف نائب وزير الدفاع المصري للشؤون المالية آنذاك، اللواء أركان حرب محمد نصر في مؤتمر صحافي عقده المجلس الأعلى في ربيع العام 2012، ، النقاب عن العائدات السنوية للأنشطة الاقتصادية للجيش (198 مليون دولار)، وعن نسبتها في ميزانية الدولة (4.2%)، دون تقديم أي أدلة تدعم مثل هذه الأرقام.

ورغم هذه الأموال التي ذكرها مركز ابحاث الكونجرس وهيكل، إلا أن الباحثين الجادين يجمعون أن اقتصاد مصر سجل في عهد مبارك أسوأ أداء منذ ثورة عام 1952 بسبب الفساد والغلاء وسياسة الخصخصة، ويرون أن الأداء الاقتصادي في السنوات الأخيرة لحكمه مهد الطريق إلى الثورة في يوم 25 يناير كانون الثاني 2011 وتمكنت بعد 18 يوما من إنهاء حكمه الذي استمر 30 عاما.

وأدت سياسة الخصخصة التي انتهجتها حكومات مبارك إلى ما هو أسوأ من نمو طبقات طفيلية وهو “انحدار جزء من مصاف الطبقة الوسطى” نحو الفقر بعد تعرضها للسحق اقتصاديا نتيجة سوء توزيع الدخل. وشهدت السنوات الأخيرة لحكم مبارك تحول الأمور “من سيء إلى أسوأ فيما يتعلق بالفساد والبطالة وسوء توزيع الدخل.

ومثلت معايير خصخصة الشركات إبان حكم مبارك الفساد المنهجي الذي يتجسد في تقييم أصول هذه الشركات حيث كانت تباع بنحو 3% من سعر الأرض المقامة عليها. ومؤخرا، قدر تقرير التحويلات المالية غير المشروعة، الذي أطلقته منظمة النزاهة المالية، حجم الأموال التي خرجت من مصر بصورة غير مشروعة بنحو 39.8 مليار دولار وذلك خلال الفترة من 2004-2013، متضمنة نحو السنوات السبعة الأخيرة في حكم المخلوع مبارك.

وجاءت مصر في المركز 36 من بين 149 دولة رصد التقرير خروج الأموال منها بشكل غير مشروع خلال الفترة من 2004 إلى 2013. وكشف التقرير أن الأموال التي خرجت بصورة غير مشروعة من مصر بلغت أعلى مستوياتها في 2008 لتسجل نحو 6.1 مليار دولار، بينما بلغت 3.6 مليار دولار في عام 2013.

يأتي ذلك بينما تعاني مصر من نقص في احتياطات النقد الأجنبي التي تراجعت بقوة إلى 16.4 مليار دولار في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، مقابل نحو 36 مليار دولار في عام 2010، اخر سنوات حكم مبارك. وقالت المنظمة، ومقرها واشنطن، إنه خلال 10 سنوات، بلغ حجم التدفقات المالية غير المشروعة التي خرجت من الدول النامية 7.8 تريليون دولار. وفي 4 يونيو/ حزيران 2014، أعلنت سويسرا أنها تعمل مع السلطات المصرية لاستعادة نحو700 مليون فرنك سويسري (781.51 مليون دولار) خبأها معاونو مبارك. وجمدت السلطات السويسرية أموالا مرتبطة بمبارك والرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في غضون ساعات من الإطاحة بهما من السلطة في 2011.

خامساً: تفاقم أزمة الطاقة بمصر

نشرت وكالة رويتر يوم الاربعاء 23 ديسمبر 2015، ما يفيد بأن أزمة الطاقة بمصر مستمرة لأجل غير مسمى، وهو ما يعني تراجع الأنشطة الاقتصادية بشكل كبير، وزيادة الركود والبطالة والفقر، فخبر رويتر مفاده بأن مصر تواجه صعوبة في سداد ثمن واردات النفط والغاز الطبيعي في ظل أزمة العملة الصعبة، حيث ألغت الحكومة المصرية مشتريات وطلبت من الموردين تمديد آجال السداد .

فازمة الوقود والطاقة التى تضرب مصر لايوجد تصور على الاطلاق لحلها وفق منهج علمى، فبعد ثورة يناير ازدادت ازمة انقطاع الكهرباء وتعالت الاصوات بان الامر قرين زيادة الدعم الممنوح لقطاع الطاقة فى الموازنة العامة للدولة، رغم ان الازمة لم يكن يشعر المواطن بها من قبل ابان حكم المخلوع مبارك.

وقد لعبت اجهزة الدولة العميقة من المخابرات والشرطة دورا كبيرا فى انهاك كافة قدرات مصالح الدولة خاصة ما يرتبط بالخدمات المقدمة للمواطنين، حتى يشعر المواطن بتدنى الخدمات فى فترة الرئيس مرسى الذى جاء كثمرة لثورة يناير.

لقد خرج قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسى ليعلن للشعب المصري ان حل ازمة الكهرباء يحتاج الى 12 مليار دولار، وعقد اكبر صفقة مع شركة سيمنز بالامر المباشر لانشاء وتجديد محطات الكهرباء، رغم ما يشوب هذه العقود من فساد واضح، اتخذ السيسي قرارًا بفرض حظر النشر فى اتفاقية الضبعة لانشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء.

ومع كل هذه الضبابية، يبدو الامر اكثر غموضا للوصول الى حلول او اقتراحات لحل الازمة وهناك العديد من الاسئلة التى تبحث عن اجوبة، هل مشكلة قطاع الطاقة فى عدم وجود التمويل المناسب لانشاء محطات لتوليد الطاقة؟

ام ان الازمة فى عدم قدرة القطاع على سداد ديون الشريك الاجنبى؟ ام ان اصل المشكلة مرتبط بالدعم الممنوح للطاقة؟ ام اننا لايوجد عندنا المعروض الكافى من محطات توليد الطاقة؟

وماهو المعروض من مصادر الطاقة المختلفة؟ وكذلك المطلوب من الطاقة، وماهو حجم الفجوة او النقص فى الطاقة والسبل المناسبة لتغطية هذه الفحوة؟، هل اطلاق قوى الطلب والعرض لتحديد سعر الطاقة يمكن ان يعيد التوازن الى السوق؟ ام ان الامر يستلزم سياسة تسعير مصادر الطاقة من جديد؟

وهل استخدامنا لمصادر الطاقة المتجددة تكفى لسد فجوة الطلب على الطاقة، ام هل على مصر ان تدخل عصر الطاقة النووية لتوليد الطاقة؟ وهل ستكفى الطاقة النووية او المتجددة لاعادة التوازن الى السوق مرة اخرى؟

ويحرص الانقلاب عل عدم الاجابة على كل هذه التساؤلات التي تحتاج الى دراسة متعمقة، لان الانقلاب يعتمد نظرية تصدير المشكلات للمجتمع واعتبارها الهدف رقم واحد لإدارة الدولة بمصر.

وتعانى مصر من ازمة الطاقة نتيجة اسباب متعددة، منها ما يرتبط بتزايد الطلب على الطاقة نتيجة زيادة فى عدد السكان وانشاء مناطق سكنية جديدة وزيادة المشروعات الصناعية دون التوسع في إنتاج الطاقة.

ومن اهم مشاكل الطاقة التى تواجهها مصر الان هى استيراد الغاز الطبيعى وديون الشركات الاجنبية العاملة فى مصر، وتراجع انتاج الغاز الطبيعى فى مصر، وتراجع استثمارات الشركات الاجنبية، بعد زيادة الديون المصرية لشركات البترول العالمية الى 6 مليار دولار.

وسعت الهيئة المصرية العامة للبترول لسد تلك الديون عن طريق الاقتراض من البنوك لسداد المتأخرات للشركات الاجنبية، وكانت مجموعة من البنوك قد اقرضت الهيئة 3 مليار دولار فى ديسمبر عام ٢٠١٤ ومؤخرا فى ابريل الماضى.

وكان رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول قد طلب تأجيل سداد المديونية الدولارية، حيث ان كافة الايرادات الدولارية توجه لدفع قيمة واردات الغاز الطبيعى لمحطات توليد الكهرباء.

لكن السؤال المحورى الذى يحتاج الى دراسة متعمقة كيف اصبح قطاع البترول مديونا؟ فالمديونية لم تعد فقط ديون واجبة السداد للشركات الاجنبية بل وكذلك الديون بالدولار الامريكى للبنوك المصرية التى اقترضتها وزارة البترول لتوفير المنتجات البترولية للسوق المحلى.

لكن من المهم ان نشير هنا الى ان الهيئة فى عهد الرئيس مرسى تمكنت من دفع 1.2 مليار دولار للشركات الاجنبية فى يوليو 2012، ففي مارس 2013 دفعت الحكومة مليار دولار من مستحقات الشركات الأجنبية، وأن مليار آخر تم سداده قبل يونيو 2013، اى انه فى عهد الرئيس الذى جاءت به الثورة تم سداد قرابة 3.2 مليار دولار من ديونها بما يمثل ثلث الديون المستحقة.

رغم ان الرئيس مرسى لم يتسلم نفطا من الخارج ولم يتسلم 30 مليار من الخليج كما حدث مع السيسى.

  • انتاج الطاقة بمصر

تمتلك مصر 51 محطة توليد كهرباء تنتج 25 ألف ميغاواط، في حين تزايد الطلب على الكهرباء خلال الأعوام الثلاثة التي أعقبت ثورة يناير ليصل إلى 30 ألف ميغاواط، مما يتطلب تخفيف العبء بشكل يومي بما نسبته 5000 ميغاواط.

وأقصى ما نستطيع تشغيله هو 22 الف ميجاوات وعجزت الحكومة عن صيانة محطات التوليد مما ادى الى عجز دائم ومزمن فى محطات توليد الكهرباء.

وتدنت نسبة مساهمة السد العالى الى 6.3٪ من اجمالى إنتاج الطاقة، ويمثل انتاج الطاقة من المصادر المتجددة نسبة 10.7 ٪ من خلال الطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية وتفقد مصر 13.7 ٪ من اجمالى الطاقة. وتعتمد محطات الكهرباء على المازوت والغاز الطبيعي كمدخلات للانتاج.

وتمتلك مصر تسع مصافى للبترول، ولكن الانتاج من البترول الخام اخذ فى الانخفاض مما ادى الى انخفاض دخل الشركات الاجنبية ونتيجة لمشكلة الديون، اضطرت شركات النفط العاملة فى مصر الى تصدير حصتها من النفط الخام مباشرة إلى طرفٍ ثالث، بدلا من بيعها إلى الهيئة المصرية العامة للبترول، وأدى هذا إلى حرمان معامل التكرير من المواد الخام، إضافة إلى زيادة الواردات من البترول من الخارج.

وعلاوة على ذلك، فإن الطلب المتزايد الناجم عن أزمة الوقود المستمرة قد أدى إلى تفاقم المشكلة حيث قامت الهيئة المصرية العامة للبترول بإعادة توجيه الموارد النفطية للاستهلاك المحلي، بعد أن كانت معدة في الأصل لتصديرها إلى السوق العالمية.

  • حجم الاستهلاك

يتمثل الطلب على الطاقة في الاستهلاك المنزلى او قطاع الصناعة، وقد تزايد الإستهلاك المحلي للكهرباء بشكل عام، حيث ازداد بحوالي 95.4%، من عام 2000 – 2010م.

ولابد من تنويع مصادر الطاقة بمصر، فيمكن الاستعانة بالطاقة من مصادر الطاقة المتجددة وان كانت مصادر الطاقة المتجددة يمكن فقط ان تكفى للانارة فى الشوارع والطرقات وهى لا تتجاوز 7% من حجم الاحتياجات الكلية للطاقة فى مصر.

خلاصة الامر، أن مصر لا تعانى من مشكلة الانتاج بقدر ما تعانى من نقص التمويل ولكن السؤال الذى يطرح نفسه بقوة لماذا تحول قطاع البترول الى قطاع خاسر وليس قطاعا مربحا؟ او بمعنى اخر لماذا عجزت حكومات مبارك والانقلاب العسكرى عن سداد الديون الاجنبية.

والمجال لا يسع للحديث عن الفساد فى اتفاقيات البترول التى وقعت مع الشركات الاجنبية والتى جعلت حصة مصر من بترولها صفرا من انتاجها، وفيما يبدو ان الانقلاب يأخذ مصر الى الصفر فى كل المجالات من اوسع الابواب.