الرئيسية / مصر / الركود ينتظر المصيف

الركود ينتظر المصيف

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 19-06-2001
  • 134
الركود ينتظر المصيف
  • المصدر: إسلام أون لاين . نت

منذ عام 1998 والاقتصاد المصري يعيش حالة من الركود تختلف حدتها من فترة إلى أخرى، وقد اتخذت الحكومة بعض الإجراءات للخروج من دوَّامة الركود بدفع متأخراتها من الديون إلى القطاع الخاص، خاصة ما هو متعلق بحقوق المقاولين الذين قاموا بتنفيذ أعمال للدولة خلال الفترة الماضية، وقدرت هذه الأموال بنحو 25 مليار جنيه مصري (6,429,214 دولارًا أمريكيًّا)، كما أن الأسواق المصرية حركها إلى حد ما بعض المناسبات الدينية والعامة، مثل شهر رمضان، والعيدين، وبداية العام الدراسي من خلال ارتفاع مشتريات الأسرة المصرية في هذه المناسبات.

لكن على الرغم من هذا الرواج المؤقت لم تخرج مصر بعد من دوامة الركود، ويدلِّل على ذلك اعتراض البعض من منظمات الأعمال والكتاب الاقتصاديين والتجار على تطبيق المرحلتين الثانية والثالثة من الضريبة العامة للمبيعات، حتى إن البعض سخر من مطالبته بدفع ضريبة المبيعات الجديدة قائلاً: وأين هي المبيعات؟!

ومع البداية الساخنة لصيف مصر هذا العام، حيث تتخطى درجة الحرارة حاجز الـ 40 درجة خلال بعض الأيام - وهو أمر لم يعتَد عليه المصريون، من المتوقع أن تشهد الحياة الاقتصادية شيئًا من الانتعاش؛ لممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بهذا الموسم، وعلى وجه الخصوص النشاط السياحي والعقاري، خاصة مع عودة المصريين المغتربين في موسم الإجازات.

مهرجانات وحرافيش وإخوة عرب!

كما أنه من المتوقع أن تنشط حركة السياحة الداخلية في مصر، خاصة بعد انتهاء موسم الامتحانات بالجامعات والمدارس المصرية في أواخر شهر يونيو 2001، حيث يرتبط ذلك غالبًا في المجتمع المصري بحصول غالبية قطاعات المجتمع على إجازة خلال معظم شهور الصيف، مثل مجلسي الشعب والشورى والقضاء.

وتكاد تقتصر حركة السياحة الداخلية في مصر خلال أشهر الصيف على التوجه إلى الشواطئ في الساحل الشمالي أو البحر الأحمر والغردقة، وتمثل هذا الشواطئ المكان المخصص لذوي الدخول المرتفعة، بينما هناك شواطئ أخرى لذوي الدخول المتوسطة والمحدودة في الإسكندرية ومرسى مطروح ومدن القناة وغيرها.

ويتمثل الإنفاق في هذا النشاط في إشغال الوحدات السكنية بالمدن الساحلية والشواطئ، والتي تظل مغلقة طوال أشهر السنة باستثناء شهور الصيف فقط، وتنشط كذلك الأسواق الخاصة بتقديم الأطعمة ومستلزمات الإقامة.

أما نصيب الأنشطة الترفيهية بهذه الأماكن فيُعَدّ الأكثر ارتفاعًا، وهو ما لوحظ خلال السنوات الماضية من تنافس بين منظمي المهرجانات والحفلات الفنية بهذه الأماكن، وحرص الكثير من أهل الغناء على تقديم إنتاجهم في هذه الحفلات لكثرة الحاضرين فيها.

وكما أن الشواطئ البحرية تحظى خلال الصيف بنشاط زاهر، فإن نيل مصر أيضًا تكون لشواطئه حظ من هذا النشاط من خلال الأندية المنتشرة على ضفافه لأعضاء النقابات والجمعيات المهنية والعامة، وحتى من لم يجدوا حظًّا لدخول هذه النوادي فإن الباعة الجائلين قد أتاحوا لهم فرصة التنزه على النيل من خلال جلسات صغيرة على أرصفة الكباري العامة مقابل تقديم الشاي وبعض المأكولات الخفيفة، ولا شك أن هذا الأمر ينعش اقتصاد بعض فئات الاقتصاد غير المنظم، وهم الباعة الجائلون، أو من يطلق عليهم في الروايات الأدبية (الحرافيش).

الجدير بالذكر أن تقريرًا لمجلس الشورى المصري عن السياحة قد تناول بالنقد ضعف الحركة السياحية الداخلية، وعدم مساهمتها الفاعلة في إيرادات النشاط السياحي الذي يمثل أحد أهم موارد النقد الأجنبي لمصر.

على الجانب الآخر، ينتظر الموسم السياحي المصري في الصيف الإخوة العرب الذين يشكلون الجزء الأكبر من حركة السياحة في مصر خلال هذه الفترة، بينما تشكل السياحة الأوروبية المكوِّن الرئيسي لموسم السياحة في مصر خلال أشهر الشتاء.

وتشير بيانات عام 2000 إلى أن السائحين العرب في مصر قد بلغ عددهم نحو مليون سائح بمعدل تراجع نسبته 1% بالمقارنة بعام 1999. ولكن من الواضح أن مصر تأمل في حضور عربي كبير خلال هذا الصيف، خاصة في ظل الظروف السياسية العربية الطيبة التي تربط مصر بالدول العربية، وهناك عامل آخر يشجع على قدوم العرب لقضاء الصيف بمصر هو ازدهار نشاط الجامعات الخاصة التي يدرس بها عدد كبير من أبناء الدول العربية، مما يشجع ذويهم على قضاء الصيف معهم بالقاهرة.

وتتسم السياحة العربية بالقاهرة بأنها تحرص على الحياة الأسرية التي تفضل الإقامة في الوحدات السكنية الخاصة بعيدًا عن الفنادق، كما تحرص الأسر العربية على التسوق من المحال التجارية المصرية، خاصة تلك التي تتسم بالطابع "الفاخر"، ويزداد الإقبال على الشراء في فترات "الأوكازيون" الصيفي.

وتأتي أهمية السياحة الداخلية والعربية لمصر في هذا الموسم؛ نظرًا لتأثر الموسم السياحي الشتوي بالأحداث الدامية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل السلطات الصهيونية، فقد قدَّر وزير السياحة المصري أن الفترة من يناير وحتى إبريل 2001 قد تأثرت فيها السياحة المصرية سلبيًّا بمعدل 4.4% من حيث عدد السائحين.

وتأتي هذه الأحداث في الوقت الذي كانت تأمل فيه السياحة المصرية تحقيق قفزات كبيرة، حيث أشارت تقديرات عام 2000 إلي تخطي مصر حاجز الـ 5 مليون سائح، كما أن السياحة تحقق المصدر الأول للنقد الأجنبي في مصر بنسبة 26.9% من إجمالي الإيرادات، يليها الصادرات الصناعية بنسبة 23.7%. وقد بلغ عائد النشاط السياحي لمصر في العام المالي 1999/2000 نحو 4.3 مليار دولار.

العقارات الفاخرة أهم أسباب الركود

منذ سنوات والنشاط العقاري في مصر يشكِّل واحدة من القضايا المهمة التي تحظى بالجدل؛ حيث استحوذ على قدر كبير من أموال البنوك، ولم يستطع تسويق ما تم بناؤه من فيلات وشاليهات سياحية، وهذا ما جعل الجهاز المصرفي يُحِدّ من ضخ أموال في هذا النشاط.

وقد برَّر بعض الخبراء إصدار قانون التمويل العقاري المصري من أجل إيجاد حل لهذه الاستثمارات الراكدة، حيث كان هذا القطاع باكورة الأنشطة التي شهدت ظاهرة الركود، بل إن البعض يشخِّص الممارسات الخاطئة في قطاع الاستثمار العقاري الفاخر بأنها أحد أهم أسباب الركود في مصر.

إلا أن موسم الصيف يشهد حركة من الرواج في قطاع الإسكان الاقتصادي والمتوسط، حيث يرجع العاملون بالخارج ويتجه اهتمامهم إلى الحصول على وحدة سكنية، خاصة الشباب المقبل على الزواج؛ لذا نجد أن شركات الاستثمار العقاري تبدأ حملتها الإعلانية مبكرًا.

ولا يتوقف النشاط العقاري على الوحدات السكانية الجديدة؛ إذ تشهد المدن العمرانية الجديدة تعاملات كبيرة على الوحدات القائمة بها، وأغلبها حصل عليها أصحابها منذ سنوات ويقومون ببيعها الآن مستفيدين من فارق الأسعار؛ لذا فإن وزارة التعمير والإسكان المصرية قد سعت للحد من هذا النشاط، وهو المضاربة على العقارات بفرض رسم 10% من الثمن الأصلي للوحدات السكانية أو الأراضي التي تباع بهذه الطريقة داخل المدن العمرانية الجديدة. كما يتجه جزء من التعاملات في النشاط العقاري إلى المناطق العشوائية المتاخمة للقاهرة والمدن الكبرى بمصر.

التوقعات تشير إذن إلى أن النشاط السياحي والعقاري من المرجح أن يحققا شيئًا من الرواج خلال موسم الصيف، ولكن تبقى المشكلة في تحريك عجلة الإنتاج والتسويق - خاصة الخارجي - لكي تزيل بعض التشوهات السلبية التي أضرت بالأسواق المصرية، والتي كان من بعض مظاهرها اتجاه بعض المصانع إلى تسريح جزء من عمالتها أو تخفيض مرتباتهم أو العمل بطاقات إنتاجية أقل.