الرئيسية / مصر / الدين العام يحطم أمل التنمية في مصر

الدين العام يحطم أمل التنمية في مصر

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 11-01-2017
  • 105
الدين العام يحطم أمل التنمية في مصر
  • المصدر: الجزيرة

تدني معدلات الاستثمار
هشاشة الموقف المالي
الدين يلغي إصلاحات الدعم
قروض بلا تنمية

مقومات عدة تعتمد عليها التجارب التنموية، ويعتبر المال من أهم هذه المقومات، إلا أن الملاحظ أن مصر تفتقر إلى الاستقرار المالي بشكل كبير من خلال المؤشرات الاقتصادية المنشورة بالإصدارات الحكومية.

وكان آخر هذه المؤشرات ما تضمنته النشرة الإحصائية للبنك المركزي المصري عن نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث تضمنت أن الدين العام الخارجي لمصر بلغ بنهاية سبتمبر/أيلول 2016 نحو 60.1 مليار دولار، وأن نصيب الفرد من هذا الدين بلغ 618.2 دولارا.

ويتواكب مع زيادة الدين العام الخارجي تصاعد مماثل في الدين العام المحلي، حيث بلغ في نفس التاريخ 2.7 تريليون جنيه، ومعنى ذلك أن الدين العام (المحلي+الخارجي) قد تجاوز قيمة إجمالي الناتج المحلي ببلوغه نحو 3.8 تريليونات جنيه مصري، في حين أن تقديرات الناتج المحلي بحدود 3.2 تريليونات جنيه، وهو ما يعني أن الدين العام يمثل نحو 118% من الناتج المحلي، وذلك حسب تقديرات الربع الأول من العام المالي 2017/2016 (يوليو/تموز-سبتمبر/أيلول).

ديون مصر الخارجية تجاوزت ستين مليار دولار في سبتمبر/أيلول الماضي (رويترز)

ومن المتوقع أن يتجاوز الدين العام لمصر ناتجها المحلي بنسب أعلى من ذلك بنهاية العام المالي في يونيو/حزيران 2017، وذلك لتوسع الحكومة في سياسة الاستدانة الخارجية، فالدين الخارجي في سبتمبر/أيلول 2016 لم يتضمن ما ألزم به صندوق النقد الدولي مصر من تدبير ستة مليارات دولار للتصديق على اتفاق القرض، وكان ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2016 قبل تصديق المجلس التنفيذي للصندوق على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار، وصرف الشريحة الأولى بنحو 2.75 مليار دولار في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

ويعني ذلك أن قيمة الدين الخارجي لمصر الآن تتجاوز حاجز السبعين مليار دولار، وتعتزم مصر إصدار سندات دولية خلال الفترة القادمة تقدر بنحو 2.5 مليار دولار.

والسؤال الذي تجيب عنه هذه السطور: ما هي مظاهر خطورة الدين العام على تحقيق التنمية في مصر؟

تدني معدلات الاستثمار

الاستثمار هو عصب التنمية، وحسب بيانات التقرير المالي لوزارة المالية لنوفمبر/تشرين الثاني 2016، فإن معدل الاستثمار الكلي (عام+خاص) يبلغ 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة ضئيلة لا تفي بإشباع الطلب الكلي، أو استيعاب العاطلين عن العمل، أو الداخلين الجدد لسوق العمل سنويا والمقدر عددهم بنحو 850 ألف فرد.

لذلك تعتمد مصر بشكل رئيس على الاستيراد الخارجي لسد احتياجاتها من الغذاء، أو باقي مستلزمات الإنتاج، أو السلع تامة الصنع.

مصنع لتجميع السيارات في القاهرة (رويترز)

وحتى هذه النسبة الضئيلة من الاستثمار تعتمد بشكل كبير على القروض وليس التمويل الذاتي، فضلا عن مساهمة الاستثمارات الأجنبية، وبدلا من أن توجه الحكومة إيراداتها للاستثمار تجبر على دفع جزء كبير لسداد أعباء الديون من أقساط وفوائد، ففي موازنة مصر لعام 2017/2016 بلغت الفوائد على الدين العام نحو ثلاثمئة مليار جنيه.

وسوف تتجاوز هذه الأعباء حاجز الأربعمئة مليار جنيه في العام المالي 2018/2017 بسبب اتساع رقع الديون المحلية والخارجية، مما يعمل على أن تستغرق عوائد الضرائب بالكامل لسداد فوائد الديون فقط، فالعوائد الضريبية في موازنة 2017/2016 قدرت بـ433 مليار جنيه.

وإذا كانت خدمة الديون من فوائد فقط سوف تستوعب قرابة كامل العوائد الضريبية فمن أين ستقوم الدولة بتمويل الاستثمارات الحكومية، أو زيادة الإنفاق على التعليم والصحة؟

لا بديل أمام الحكومة سوى الدخول في حلقة مفرغة من المديونية، وهو ما يبرهن عليه الواقع، حيث صرح محافظ البنك المركزي بأن قرضي البنك الدولي والبنك الأفريقي في ديسمبر/كانون الأول 2016 بقيمة 1.5 مليار دولار لن يضافا إلى احتياطي النقد، ولكن سيستخدمان لسداد التزامات قروض قديمة وكذلك الوفاء ببعض الاحتياجات من الوقود والسلع التموينية.

هشاشة الموقف المالي

في أغسطس/آب 2016 بلغ احتياطي النقد الأجنبي 16.5 مليار دولار، وارتفع في سبتمبر/أيلول من العام نفسه إلى 19.5 مليار دولار، أي أن الزيادة المتحققة تصل إلى ثلاثة مليارات دولار، وإذا نظرنا إلى بيانات نفس الفترة عن الدين الخارجي نجد أنه كان في أغسطس/آب 55.7 مليار دولار، وارتفع في سبتمبر/أيلول إلى 60.1 مليار دولار، أي بزيادة نحو 4.3 مليارات دولار.


مصر ما زالت تعاني من فجوة تمويلية دولارية (الأوروبية)

ومعنى ذلك أن الحكومة مستمرة في تكوين احتياطي للنقد الأجنبي من الديون الخارجية، وهو ما يكرس لوضع تمويلي يعرض اقتصاد البلاد لمزيد من التقلبات، بل والضغوط السياسية والاقتصادية.

ولعل ما تعرضت له مصر من خلال وقف الإمدادات النفطية السعودية في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بسبب اختلاف المواقف السياسية خير دليل على أن هشاشة الموقف المالي لمصر تعرضها لضغوط اقتصادية وسياسية.

ومما يضعف موقف التنمية في مصر أن الفجوة الدولارية ما زالت كبيرة، وتظهر المؤشرات عدم نجاح الحكومة في القضاء عليها، فبيانات نشرة البنك المركزي عن نوفمبر/تشرين الثاني 2016 تبين أن صافي الأصول الأجنبية بالسالب سواء لدى البنك المركزي أو باقي وحدات الجهاز المصرفي، ففي سبتمبر/أيلول 2016 بلغ صافي الأصول الأجنبية بالبنك المركزي – 57.1 مليار جنيه مصري، ولدى باقي البنوك – 54.6 مليار جنيه.

وهذا يعني بأبسط المعايير الاقتصادية أن وضع الفجوة الدولارية في مصر مستمر ولفترة طويلة، وأن سعر الدولار مقابل الجنيه لن يشهد أي استقرار في الأجلين القصير والمتوسط إذا استمرت مصر في اتباع نفس السياسات الاقتصادية.

الدين يلغي إصلاحات الدعم

تتجه الدولة لإلغاء الدعم من الموازنة العامة للدولة عبر تخفيضه على الوقود وباقي الدعم السلعي على الرغم من الفجوة الكبيرة بين الأجور المتدنية والأسعار المرتفعة، مما ساعد على زيادة معدلات الفقر بالمجتمع المصري لتتجاوز 30%.

مستويات المعيشة تراجعت في السنوات الأخيرة (الأوروبية)

ويظهر البيان المالي لموازنة 2017/2016 أن مخصصات الدعم السلعي والاقتصادي بحدود 120 مليار جنيه.

وبافتراض أن الدولة قررت إلغاء هذا الدعم بالكلية في موازنة 2018/2017 فإن الأعباء التي تفرضها سياسة الحكومة بالتوسع في الدين العام (المحلي والخارجي) سوف تفوق مخصصات الدعم، بما يعني أن الحديث عن أي وفورات لما يسمى الإصلاح الاقتصادي غير حقيقي.

قروض بلا تنمية

يذهب الاقتصاديون إلى أن الديون أيا كان مصدرها لا ينبغي أن توجه لغير مجالات الاستثمار، وأن يفرض على المشروعات المستفيدة منها الالتزام بسدادها، وأن تحقق عائدا اقتصاديا واجتماعيا إيجابيا.

ولكن الواقع في مصر مختلف تماما، فعلى الرغم من قفز الدين العام على مدار الثلاث سنوات الماضية بنحو الضعف فإن الواقع المعيش اقتصاديا شديد السلبية، فمعدلات التضخم في زيادة مستمرة، وكذلك البطالة والفقر، وزيادة الواردات وتراجع الصادرات.

فبيانات البنك المركزي تبين أن الدين المحلي ارتفع منذ انقلاب يوليو 2013 بنحو 1.23 تريليون جنيه، كما زاد الدين الخارجي خلال نفس الفترة بنحو 16.9 مليار دولار، ويتوقع بشكل كبير أن يقفز الدين العام بمعدلات أكبر في الفترة القادمة.

ومع هذه الزيادة في الدين العام ارتفع معدل التضخم حسب الأرقام الرسمية إلى 14% مقارنة بـ6.7% قبل الانقلاب العسكري، كما ارتفع معدل الفقر من 26% إلى نحو 30%، ولا يزال معدل البطالة أعلى من 13%.

ومما يكرس لتعويق الدين العام للتنمية في مصر أن أدوات الرقابة على هذه الديون شبه معدومة، فضلا عن أن بعض الديون أتت من خلال ضغوط خارجية كما فعل صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بإلزام الحكومة بتدبير ستة مليارات دولار حتى تستوفي شروط الموافقة على منحها القرض.

ومن خلال واقع الديون في مصر يصبح الحديث عن تحقيق تنمية حاليا أو مستقبليا نوعا من الخيال لا تبرهن عليه حقائق ولا تعكسه شواهد من حياة الناس.