الرئيسية / مصر / الخصخصة في مصر بلا هدف تنموي

الخصخصة في مصر بلا هدف تنموي

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 23-01-2016
  • 107
الخصخصة في مصر بلا هدف تنموي
  • المصدر: الجزيرة

في ظل مشكلات متعددة في الأوضاع الاقتصادية والمالية لمصر، غابت الرؤية للإصلاح الاقتصادي، وخرجت رئاسة الجمهورية لتعلن عن تبني خطوات جديدة في إطار الخصخصة تنال بعض البنوك والشركات الرابحة. وكان بيع بنك الإسكندرية سقطة كبيرة استغربها العديد من المصرفيين والاقتصاديين، أن تفرط دولة في ملكية بنك!

ولا يحتاج الأمر إلى اجتهاد في قراءة الدافع لإقدام النظام على بيع بنوك وشركات رابحة، فليس هناك سوى أزمة التمويل التي تمسك بعنق صانع السياسة الاقتصادية في مصر، بسبب اعتماد سياسة تسيير الأمور يوما بيوم، وغياب الرؤية والحلول الجذرية، والتركيز على الحلول المرتبطة بالجانب المالي أو النقدي وإهمال ما يتعلق بالإنتاج.

فأرقام المؤسسات الحكومية توضح مظاهر هذه الأزمة بجلاء تام، حيث أشارت بيانات البنك المركزي إلى وصول العجز بميزان المدفوعات خلال الربع الأول من عام 2015/2016 إلى 3.7 مليارات دولار، كما بينت وزارة المالية أن عجز الموازنة في نفس الفترة بلغ 12.5 مليار دولار.

كما أصبح الإعلان عن نجاح الحكومة في الحصول على قروض خارجية هو الخبر الاقتصادي الأبرز. وحتى زيارة الرئيس الصيني المقرر لها أن تتم في الشهر الجاري، ذُكر أنها تتضمن حصول مصر على قرض بنحو 1.7 مليار دولار، لدعم عجز الموازنة واحتياطي النقد الأجنبي.

تبديد الحصيلة في الإنفاق الجاري
ممارسات الفساد
مخاطر المرحلة المقبلة

تبديد الحصيلة في الإنفاق الجاري

برنامج الخصخصة في مصر، الذي طبق في مطلع التسعينيات، جاء رضوخا لشروط اتفاق صندوق النقد الدولي، وبدأ بالتخلص من مشروعات المحلية ثم توسع في النصف الثاني من التسعينيات. إلا أن السنوات الخمس من مطلع الألفية الثالثة كانت الأكثر جرأة على بيع مشروعات قطاع الأعمال العام.

"
بعد مرور نحو ربع قرن على بدء برنامج الخصخصة المصري، تعاني مصر من معدل بطالة مرتفع كان قبل ثورة 25 يناير بحدود 10% بينما كان معدل الفقر 22%، ووصل معدل البطالة الآن إلى 13% بينما ارتفع معدل الفقر إلى 26%
"

الفلسفة التي ينطلق منها برنامج صندوق النقد أن خروج الدول من النشاط الاقتصادي يعطي القطاع الخاص مساحات أوسع من المشاركة في التنمية، ومن جهة أخرى يخفف من الأعباء المالية عن الدولة، من تدبير استثمارات وتغطية الخسائر ورواتب العاملين وخلافه.

لكن التجربة في مصر أسفرت عن واقع مختلف، حيث لا يزال القطاع الخاص عاجزا عن الوفاء بمتطلبات التنمية في مصر. فمع مرور نحو ربع قرن على بدء برنامج الخصخصة المصري، تعاني مصر من معدل بطالة مرتفع كان قبل ثورة 25 يناير بحدود 10% بينما كان معدل الفقر 22%. ووصل معدل البطالة الآن إلى 13% بينما ارتفع معدل الفقر إلى 26%.

ولم تتغير أجندة القضايا والمشكلات الهيكلية للاقتصاد المصري من عجز مزمن بالموازنة والميزان التجاري، وميزان المدفوعات، وزيادة الدين العام (المحلي والخارجي)، وتراجع معدلات أداء الخدمات العامة في التعليم والصحة، وكذلك تدني كفاءة سوق العمل التي احتلت فيها مصر المرتبة 137 من بين 140 دولة شملها مؤشر التنافسية في عام 2015.

وحسب البيانات المنشورة على موقع وزارة المالية والمنقولة عن الجهاز المركزي للمحاسبات، عن كيفية التصرف في حصيلة الخصخصة حتى نهاية يونيو/حزيران 2006، تبين أن هذه الحصيلة بلغت 50.049 مليار جنيه، تم تحصيل 48.148 مليار جنيه، وأن بقية المبلغ مستحق بأقساط على المشترين

وبالنظر إلى جميع بنود التصرف في حصيلة الخصخصة، نجد أنها وُجهت لبنود الإنفاق الجاري، ولم يتم إعادة توظيف أيٍّ منها في استثمارات جديدة، تعوض الدولة عما تم بيعه. فما سدد لوزارة المالية، بينت الوزارة أنه تم توظيفه في سداد أقساط وفوائد الدين العام.

أما ما يخص صندوق إعادة الهيكلة، فصرفت هذه الأموال على دراسات، وكذلك على تعويض عجز المرتبات في بعض الشركات التي يتم تأهيلها للخصخصة..

ممارسات الفساد

لا تخلو صفقة للخصخصة في مصر من شبهة فساد. ولعل القضايا المتعددة التي صدرت فيها أحكام من القضاء المصري ببطلان عقود خصخصة الشركات خير دليل، وقد قُدم أكثر من مسؤول إلى القضاء، وحكم بسجنه ودفع تعويضات، لكن القضية أن المردود الاقتصادي أو التنموي الذي تعللت به الحكومة عند الترويج للخصخصة لم يتحقق.

فعندما تمّ بيع شركة إسمنت أسيوط، وكانت شركة رابحة، علل وزير الاستثمار آنذاك بأنه يجب ألا يُنظر إلى وضع الشركة من الجانب المحاسبي فقط، ولكن لا بد أن يؤخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية، لأن الشريك الأجنبي سوف يدخل تكنولوجيا تقلل من معدلات الانبعاث الحراري.

وحقيقة الأمر أن مصر خصخصت قطاع الإسمنت بالكامل حتى وقع في يد القطاع الخاص، ومارس الأجانب عمليات احتكار بحق السوق المصري، وفرض عليهم جهاز تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار غرامة قدرها 200 مليون جنيه، وذلك في أغسطس/آب 2008، وهو مبلغ زهيد بحق عشر شركات تحقق أرباحا طائلة تصل إلى نحو ثلاثة أضعاف تكلفة الإنتاج. فعندما كان طن الإسمنت يكلف نحو 200 جنيه، كان يباع في مصر بنحو 600 جنيه.

"
لا تخلو صفقة للخصخصة في مصر من شبهة فساد، ولعل القضايا المتعددة التي صدرت فيها أحكام من القضاء المصري ببطلان عقود خصخصة الشركات خير دليل
"

والملاحظ أن بعض المستثمرين المصريين الذين اشتروا شركات في إطار برنامج الخصخصة، لم يمارسوا أدوارا تتفق وجوهر البرنامج الذي أعلنت عنه الحكومة، وقام هؤلاء المستثمرون بإعادة بيع هذه الشركات لمستثمرين أجانب محققين أرباحا طائلة، كما فعل محمد نصير في شركة الهاتف المحمول الأولى وبيع حصته لشركة فودافون، على الرغم من حصوله على قروض من البنوك المصرية لشراء الشركة من الحكومة. ونفس الأمر نفذه نصير مع شركة كوكاكولا المصرية، حيث بيعت حصته لشركة كوكاكولا الأم. كذلك فعل سميح ساويرس بشأن شركة الإسمنت التي بيعت لشركة لافارج الفرنسية بعد ستة أشهر من شرائها من الحكومة.

مخاطر المرحلة المقبلة

الإقبال هذه المرحلة على خصخصة بنوك أو حصة منها أو شركات رابحة يكرس لمفهوم الحلول الآنية، على الرغم من عدم نجاعتها، أو قدرتها على حل المشكلة التمويلية القائمة. وقد لا تكتفي الحكومة بما أعلنت عنه الرئاسة من خصخصة بنوك وشركات، ولكن قد تتجه لبيع أراضٍ للهيئات الاقتصادية مثل اتحاد الإذاعة والتلفزيون، كما صرح وزير المالية السابق ممتاز السعيد -الذي يشغل الآن عضوية بنك الاستثمار القومي- بضرورة التصرف في هذه الأصول لسداد نحو 200 مليار جنيه، مديونيات متعثرة على هذه المؤسسات.

فالحكومة تختار الطريق السهل، فبدلا من محاربة الفساد في الجهاز الإداري الحكومي وكذلك داخل الهيئات الاقتصادية والخدمية، تلجأ إلى البيع لتحصل على مبالغ لا تسمن ولا تغني من جوع لسد الفجوة التمويلية، أو أعباء الدين العام.

إن للخصخصة طرقا عدة ليست بالضرورة أن تلجأ الحكومة للبيع، بما يمكنها من تحقيق توازن اقتصادي وتقويم اعوجاج القطاع الخاص، وبخاصة بعد انتشار الفساد في مصر، مثل تأجير خطوط الإنتاج، أو بيع حق الانتفاع، أو خصخصة الإدارة؛ أما أن تعرف الحكومة طريقا واحدا للخصخصة وهو البيع، فهذا إفلاس للإدارة الاقتصادية برهنت عليه التجارب السابقة