الرئيسية / مصر / الأسباب الاقتصادية لتراجع الخدمات العامة بمصر

الأسباب الاقتصادية لتراجع الخدمات العامة بمصر

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 15-08-2015
  • 107
الأسباب الاقتصادية لتراجع الخدمات العامة بمصر
  • المصدر: الجزيرة

سوء التخطيط تبعا للحاجيات
ضعف الإنفاق على المؤسسات الخدمية
إهمال صيانة البنية التحتية
الفساد في المناقصات وإدارة المؤسسات

تزايدت في الأيام الماضية في مصر ظاهرة تكرار انقطاع التيار الكهربائي، وتوقف بعض محطات ضخ المياه، أو الصرف الصحي، كما كشفت بعض الحوادث الطارئة بسبب ارتفاع حرارة الجو في مصر سوء الخدمات العامة المقدمة، وعدم امتلاك هذا القطاع لمقومات أساسية في بلد يصل تعداده السكاني لنحو تسعين مليون نسمة.

إن تزايد ظاهرة تراجع أداء الخدمات العامة بمصر في الأيام القليلة الماضية لا يعني أنها كانت أفضل في السابق، فمنذ سنوات والمواطن المصري اعتمد استراتيجية تدبير احتياجاته بنفسه بعيدا عن الاعتماد على الحكومة.

وفي العام 2000 صدر عن منتدى البحوث الاقتصادية دراسة عن الإصلاح المؤسسي في مصر رصدت أن المواطنين عندما فقدوا الثقة في مخرجات التعليم لم يطالبوا الحكومة بإصلاح القطاع، ولكنهم لجؤوا إلى التعليم الخاص، ومن ضاقت به إمكانياته المالية لإلحاق أبنائه بالتعليم الخاص كان فريسة للدروس الخصوصية.

وحسب تقدير بعض الدراسات يدفع المصريون نحو 72% من حجم الإنفاق الكلي على الصحة، كما أن فئات عريضة من الشعب تفتقر إلى خدمة التأمين الصحي، وحتى من يشملهم مشروع التأمين الصحي لا يحصلون على خدمات مُرضية، ويضطرون للذهاب إلى العيادات الخاصة، ويتضرر من سوء خدمات التأمين الصحي شريحة كبيرة من التلاميذ وموظفي الحكومة.

"
المواطن المصري يلمس تراجع أداء الخدمات العامة ويتعايش معها، وتمنعه أسباب كثيرة من مطالبة الحكومة بأداء أفضل، سواء بسبب غياب الحياة البرلمانية والديمقراطية السليمة قبل ثورة 25 يناير، أو سطوة الانقلاب العسكري، وغياب الشفافية والمساءلة
"

ويلمس المواطن تراجع أداء الخدمات العامة ويتعايش معها، وتمنعه أسباب كثيرة من مطالبة الحكومة بأداء أفضل، سواء بسبب غياب الحياة البرلمانية والديمقراطية السليمة قبل ثورة 25 يناير، أو سطوة الانقلاب العسكري، وغياب الشفافية والمساءلة بعد أحداث الثالث من يوليو/تموز 2013. ولظاهرة تدهور الخدمات العامة أسباب متعددة، وسنقتصر على الاقتصادية منها.

سوء التخطيط تبعا للحاجيات

ذكر تقرير التنمية البشرية لمصر للعام 2008 أن شبكة المياه الشروب تغطي 95% من سكان البلاد، ولكن في العديد من المناطق تصل خدمة إمداد البيوت بالمياه لعدة ساعات في اليوم الواحد، وهو ما يعني أن تمديد البنية التحتية لشبكة المياه لم يأخذ في الاعتبار إمكانيات عمل محطات تنقية المياه، من حيث احتياجها للوقود، وكميات المياه اللازمة.

وحتى تخطيط المدن الجديدة لم يسلم من عشوائية المدن القديمة، إذ تم تخطيط شبكات الخدمات لسعة سكانية معينة ولشروط بناء محددة فتمت مخالفتها، لتتحمل شبكة البنية الأساسية أكثر من طاقتها.

ولا يتوقف الأمر على المثال الذي ذكره تقرير التنمية البشرية عن مياه الشرب، ففي قطاع المستشفيات العامة توجد العديد من غرف العمليات، ولكنها لا تعمل بسبب غياب بعض المتخصصين في الجراحة أو التخدير، رغم أنها مجهزة بكل الأجهزة، وهو ما يعني إهدارا للمال العام، وتعطيل العائد من الإنفاق العام، فقرارات إنشاء غرف العمليات بالمستشفيات ينبغي أن تعتمد على توفر كامل البيانات، حتى توضع مخصصات الإنفاق في مكانها الصحيح، ولتحقق عائدا في أقرب وقت، وبأعلى كفاءة.

ومن أبرز مظاهر سوء التخطيط في المؤسسات الخدمية بمصر أن مواجهة الطوارئ والأزمات غير مدرجة، وهذا مجرب في العديد من الحوادث مثل حريق قطار الصعيد الذي راح ضحيته نحو ألف مواطن في العام 2002، أو حوادث غرق السفن والعبارات، وحتى موجات الحر التي تمر بها مصر، وتسببت في إصابة العديد من المواطنين بضربات شمس كشفت أن المستشفيات العامة غير مجهزة لاستقبال مثل هذه الأعداد ومواجهة الطوارئ.

ضعف الإنفاق على المؤسسات الخدمية

تظهر بوضوح مشكلة التمويل في الموازنة العامة بمصر في ارتفاع العجز، وسيطرة الإنفاق الحتمي على هيكل الموازنة من أجور ومرتبات وفوائد للدين ومخصصات الدعم، بما لا يدع مجالا للتوسع في زيادة الإنفاق على الخدمات العامة لتحسين أدائها، سواء من حيث الإنفاق الاستثماري لقطاعات الخدمات المختلفة، أو لتحسين الأجور والمرتبات داخل المؤسسات الخدمية لضمان عدم تسرب الكوادر إلى القطاع الخاص أو عملها بكفاءة أقل.

إن مخصصات فوائد الديون العامة فقط -دون سداد الأقساط- تبلغ 244 مليار جنيه (31.1 مليار دولار)، وهو ما يفوق مخصصات الأجور لنحو 6.5 ملايين موظفا حكوميا تصل مخصصات أجورهم إلى 2.018 تريليون جنيه (257 مليار دولار)، كما تفوق فوائد الديون مخصصات التعليم والصحة والاستثمارات العامة، فموازنة التعليم تبلغ 105 مليارات جنيه (13.4 مليار دولار)، والصحة 48.7 مليار جنيه (6.2 مليارات دولار)، والاستثمار 75 مليار جنيه (9.5 مليارات دولار).

إن الفرصة البديلة للتخلص من عبء الدين العام هي توزيع مخصصات فوائد الديون، فضلا عن أقساط الدين لتحدث طفرة في حجم الإنفاق على الخدمات العامة، وتحسين مرافقها في مجالات التعليم والصحة ومياه الشرب والصرف الصحي، والمواصلات العامة.

"
رغم الإنفاق التراكمي على البنية الأساسية بمصر، وكذلك في الأصول المالية للهيئات الخدمية العامة، التي تصل إلى آلاف المليارات من الجنيهات، لا تشكل مخصصات الصيانة سوى جزء هزيل في النفقات العامة بالموازنة السنوية
"

إهمال صيانة البنية التحتية

رغم الإنفاق التراكمي على البنية الأساسية بمصر، وكذلك في الأصول المالية للهيئات الخدمية العامة، التي تصل إلى آلاف المليارات من الجنيهات، لا تشكل مخصصات الصيانة سوى جزء هزيل في النفقات العامة بالموازنة السنوية.

وتشير أرقام البيان المالي للعام المالي 2015/2016 إلى أن مخصصات الصيانة في 2011/2012 بلغت 3.1 مليارات جنيه (395 مليون دولار)، وارتفعت إلى 3.5 مليارات (446 مليون دولار) في 2012/2013، ثم تراجعت بنحو مئة مليون جنيه (12.7 مليون دولار) في 2013/2014 لتصل إلى 3.4 مليارات جنيه (434 مليون دولار).

هذا الضعف في مخصصات الصيانة يعكس مفهوما سلبيا لدى صانع السياسة المالية، ومتخذ قرار تخصيص الإنفاق، فالأصول المالية للهيئات الاقتصادية وحدها تصل إلى نحو تريليون جنيه (255 مليون دولار)، ومع ذلك تخصص لها مبالغ هزيلة للصيانة.

إن مخصصات 2015/2016 لبند الصيانة والمقدرة بنحو 5.3 مليارات جنيه (676 مليون دولار) تظل متواضعة على افتراض تنفيذها، رغم أنه وقعت زيادة في المخصصات عن العام الماضي بنحو 1.9 مليار جنيه (242 مليون دولار)، أي بزيادة ناهزت 55.8%.

وفي ظل هذه الأرقام من الطبيعي أن تُعرض حياة الآلاف من مستخدمي قطارات السكك الحديدية للخطر، بسبب تهالك هذه القطارات، وحاجتها لصيانة مستمرة، أو لا يجد المواطن الفقير دواءه في المستشفيات العامة، أو أن تتردى خدمات التعليم في المدارس العامة، والتي لا يجد فيها تلاميذ الريف والمناطق النائية مقاعد بقاعات الدراسة، فضلا عن غياب معامل الكمبيوتر والعلوم.

إن أبرز الخدمات التي تأثرت بضعف مخصصات الصيانة أو غيابها في مصر هي محطات إنتاج الكهرباء، إذ ظلت لفترات طويلة لا تخضع لعمليات الصيانة الدورية، مما أثر على أدائها الإنتاجي في السنوات الأربع الماضية، وأدى إلى تكرار انقطاع التيار.

الفساد في المناقصات وإدارة المؤسسات

من أسوأ مظاهر الفساد الممارسات التي تتم أثناء تنفيذ مشاريع المنشآت العامة، مما يؤثر على جودتها وعمرها الافتراضي، وذلك بدءا من قانون المناقصات والمزايدات والتعديلات التي تمت عليه مؤخرا بعد الانقلاب العسكري، إذ تم رفع سقف الإرساء بالأمر المباشر للمسؤولين الحكوميين، مما يفتح مجالا للعمولات والرشى للمسؤولين.

كما تم التغاضي عن المواصفات السليمة وإهمال إبرام عقود الصيانة، أو التأمين على المنشآت، فضلا عن المحسوبية في تعيين الكفاءات المطلوبة لإدارة تلك المؤسسات. كل هذه الأمور يتأثر بها المواطن في النهاية وتتمثل في حصوله على خدمات رديئة، تكون نتيجتها مستوى معيشيا غير مُرض، وتعرض حياة الكثيرين للخطر.

وفي ضوء ما ذكر، لا يلجأ المواطن للمؤسسات الخدمية العامة إلا تحت وطأة ضعف ذات اليد، ولا ينتظر كفاءة في تأدية الخدمة في تلك المؤسسات نظرا لما ترسب لديه من صورة سلبية بأن الخدمات العامة بلا مضمون مرضٍ