الرئيسية / مصر / استنزاف الموظف المصري في اقتصاد التبرعات

استنزاف الموظف المصري في اقتصاد التبرعات

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 21-05-2017
  • 98
استنزاف الموظف المصري في اقتصاد التبرعات
  • المصدر: الجزيرة

تسويق الفقر
ضرائب الموظفين
حاجة الموظفين للتبرعات
السؤال الغائب

منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 لم تتوقف الدعوات المتكررة لمواطني مصر للتبرع للمشروعات العامة عبر حسابات بنكية وصناديق خاصة، وآخر هذه الدعوات ما جاء في مداخلة عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري بأحد البرامج التلفزيونية الفضائية ذائعة الصيت في الأول من مايو/أيار الجاري يطالب فيها موظفي الحكومة المقدر عددهم بنحو سبعة ملايين موظف بتبرع شهري قيمته جنيه واحد، وذلك من أجل تطوير القرى الأكثر فقرا، على أن تستكمل تبرعات الموظفين بمساهمات من رجال الأعمال.

وعلى ما يبدو فإن قائد الانقلاب العسكري وحكومته انتهجوا طريق طلب التبرعات من المواطنين للهروب من المساءلة أمام الشعب عن كيفية التصرف في الإيرادات العامة، وسوء التصرف في تخصيص الإنفاق العام، فإلى الآن لم يقدم صندوق "تحيا مصر" الذي أنشأه السيسي بيانات عن إيراداته ومصروفاته، وكيف يتم تخصيص الإنفاق وعلى أي معايير يتم اختيار المشروعات وتوجيه الإنفاق عليها.

ويتناسى قائد الانقلاب وحكومته تلك المزايا التي منحت لبعض العاملين بالدولة دون غيرهم، وهم فئة قليلة، مثل العاملين بالجيش والشرطة والقضاء وبعض المؤسسات الإعلامية، وكذلك الإنفاق على مؤتمرات التسويق السياسي عديمة الجدوى في الداخل مثل مؤتمر الشباب الأخير، أو نفقات تحسين الصورة العامة للسيسي وحكومته في أميركا والغرب.

تسويق الفقر

القرى الأكثر احتياجا أو الأكثر فقرا لم تكتشف في عهد الانقلاب العسكري، ولكنها حقيقة أظهرها مسح للبنك الدولي في مطلع الألفية الثالثة لتحديد أفقر ألف قرية في مصر، وسبق لنظام حسني مبارك الادعاء بجعل هذه القرى محط اهتمام مشروع التنمية، خاصة أثناء تلميع ابنه جمال مبارك ومجموعته لتولي القيادة السياسية في مصر.

كما تم الإعلان من خلال أكثر من رجل أعمال أو شركات كبرى عن تبني مشروعات بالقرى الأكثر احتياجا أو الأشد فقرا، ومع ذلك لم يقدم للمجتمع المصري ما هو التطور الذي حدث في هذه القرى، هل تم تقليص عددها؟ هل تغير وضعها التنموي ونقلها للقرى الفقيرة بدلا من القرى الأشد فقرا، أو تحويلها لقرى تنموية مثلا؟

الاعتماد على غياب المساءلة آلية راسخة في الإدارة الحكومية في مصر، وهو ما يمارسه بشكل كبير النظام الانقلابي، فماذا كان العائد من الإنفاق في توشكى وشرق العوينات وتفريعة قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية ودعم الصادرات؟

الحديث عن تنمية القرى الأكثر احتياجا أو الأشد فقرا دون وجود برنامج حكومي يعتمد بشكل رئيس على تمويل الدولة هو مجرد مشروع لتسويق الفقر وليس معالجته أو القضاء عليه، ويجب أن تقدم الحكومة برنامجا يعالج المشكلة كيفيا وزمنيا حتى يمكن القول إن عليها أن تنتقل لقضية أخرى.

لكن أن تظل قضية القرى الأكثر فقرا قائمة لنحو عقد ونصف من الزمن دون علاج أو تقدم يذكر فهذه جريمة، وليست شفقة أو رعاية من الانقلاب العسكري وحكومته لتلك القرى.

إذا كانت الحكومة المصرية جادة في معالجة قضية القرى والمناطق الأكثر احتياجا أو الأشد فقرا فلتجر مسحا جديدا، ولنر خريطة جديدة ستكون نتائجها بلا شك زيادة رقعة الفقر وزيادة الاحتياج جغرافيا وعدديا بفضل السياسات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة التي مورست منذ يوليو/تموز 2013.

ضرائب الموظفين

المطلع على هيكل ضرائب الدخل في مصر يجد أن الضرائب المحصلة على رواتب الموظفين في تزايد مستمر بسبب أنها تقتطع من المنبع ويصعب التهرب منها، خاصة للعاملين في الحكومة والقطاع العام، وقد يحدث بعض التلاعب في القطاع الخاص، ولكن تظل الضرائب على رواتب الموظفين دليلا على عدم عدالة النظام الضريبي في مصر.

فحسب بيانات البيان المالي لموازنة 2017/2016 الصادر عن وزارة المالية المصرية يتبين أن الضرائب على الدخول من التوظف يتوقع لها أن تصل إلى 28.7 مليار جنيه (1.58 مليار دولار) في 2016/2015 مقارنة بـ19.3 مليار جنيه (1.06 مليار دولار) في 2014/2013، أي أنها على مدار نحو ثلاث سنوات زادت بحوالي 9.4 مليارات جنيه (0.52 مليار دولار).

ويقدر مشروع موازنة عام 2017/2016 أن تصل الضرائب على الدخول من التوظف إلى 32.7 مليار جنيه (1.81 مليار دولار).

وفي الوقت الذي تصل فيه الضرائب على الدخول من التوظف إلى 28.7 مليار جنيه في عام 2016/2015 نجد أن الضرائب المحصلة من أرباح شركات المساهمة (القطاع الخاص+قطاع الأعمال العام) تصل إلى 38.1 مليار جنيه فقط.

وثمة مظهر آخر لاختلال الهيكل الضريبي وتحمل الموظفين جزءا لا يستهان به من الضرائب، وهو أن الضرائب على المهن الحرة (المكاتب الاستشارية، المحامون، عيادات الأطباء، الفنانون، لاعبو الكرة.. إلخ) لا تزيد بأي حال على 550 مليون جنيه (30.4 مليون دولار) في العام، وذلك لسهولة إخفاء دخول هذه الفئة والتلاعب في عقود العمل فيما يخص الأجور الحقيقية التي يتقاضونها، فضلا عن أن كثيرا من أصحاب هذه المهن لا يتعاملون بموجب إيصالات استلام لأتعابهم.

حاجة الموظفين للتبرعات

على الرغم من أن السيسي خص موظفي الحكومة من خلال ذكر عددهم بنحو سبعة ملايين فإن هذه الفئة عانت على مدار السنوات الأربع الماضية من أوضاع مادية صعبة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم التي زادت على 30% في عام واحد، كما أن دخول العاملين بالحكومة لا تشهد زيادات تتناسب بأي حال مع معدلات التضخم، وهو ما يعني انخفاض القوة الشرائية لدخولهم، وإدراج شرائح كبيرة من موظفي الدولة تحت خط الفقر، خاصة أولئك الذين يعولون أسرا يزيد عدد أفرادها على أربعة أفراد.

إن توجيه الخطاب إلى هؤلاء الموظفين بالتبرع هو خطاب للجهة الخطأ، فهم في عداد الفقراء وإن كان المبلغ المطلوب التبرع به قليلا، إلا أنه يمثل احتياجا لهؤلاء الموظفين.

وعلى ما يبدو فإن خطاب السيسي أتى في إطار توظيف سياسي حتى لا يسبقه الموظفون بالمطالبة بتحسين أحوالهم المادية والمعيشية مع حلول العام المالي القادم، واعتماد موازنة عام 2018/2017، فتم تصدير هذا الخطاب للموظفين وكأن لديهم ما يقدمونه، وبالتالي لا داعي للمطالبة بتحسين أحوالهم المادية، أو بزيادة في الأجور تكافئ معدلات التضخم.

ومنذ سنوات والعاملون بالحكومة والقطاع العام لا يعتمدون على دخولهم الوظيفية، ولكنهم يلجؤون للعمل فترة ثانية، أو يديرون مشروعاتهم الخاصة بعد انتهاء العمل الحكومي، ومن يعجز عن الحصول على عمل إضافي أو إدارة مشروع خاص لا يكون أمامه سوى الفساد والتكسب من وظيفته الحكومية عبر الرشوة، ولذلك لا يزال ترتيب مصر على مؤشر الشفافية الدولية متأخرا بحدود 32 درجة من مئة درجة هي إجمالي درجات مؤشر الشفافية.

السؤال الغائب

لم يسأل السيسي نفسه لما لم تأت مبادرات التبرع للمشروعات العامة أو لمعالجة الفقر والبطالة من مبادرات شعبية.

إن السبب واضح، وهو تراجع معدلات التنمية واتساع رقعة الفقر من جهة، ومن جهة أخرى انعدام الثقة في القيادة السياسية بالبلاد، وشعور المواطنين بعدم العدالة الاجتماعية، وانحياز النظام للأغنياء وبعض شرائح المجتمع مثل العسكريين والعاملين بالشرطة والقضاء.

لقد خسر الانقلاب العسكري بمصر معركته في بناء جسور الثقة مع المجتمع المدني من خلال إغلاقه الجمعيات الخيرية التي كانت تقدم العديد من الخدمات للفقراء، وقدر عدد الجمعيات التي تم إغلاقها بنحو 1055 جمعية فضلا عن الجمعيات التي تم تغيير مجالس إداراتها أو وضعها تحت التحفظ في الريف والمناطق العشوائية، وكان المتبرعون يرون ثمرة تبرعاتهم على أرض الواقع ويشاركون في إدارة هذه الجمعيات.

وفي ظل مجتمع طبيعي بعيد عن سيطرة العسكر يسعى المجتمع المدني لترويج وتنفيذ حملات التبرعات، ويتمتع هذا القطاع بقدر كبير من الشفافية يسمح بالتعاطي الإيجابي معه من قبل المواطنين، بينما تبقى الدولة معنية بالقيام بوظائفها الرئيسة من أمن ودفاع وعدالة وتمثيل خارجي ووضع السياسات العامة وتحسين مناخ الاستثمار وتهيئة التشريعات.