استقالة متوقعة لمحافظ البنك المركزي المصري، هشام رامز، استقبلتها الأوساط الاقتصادية بالقاهرة، أمس الأربعاء، ليحل محله المصرفي طارق عامر، الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، أكبر بنك حكومي في البلاد.
ففي فبراير/شباط 2013، ارتفعت أسهم رامز، كبديل لمحافظ البنك المركزي السابق، فاروق العقدة، المحسوب على نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، خاصة وأن سعر صرف الجنيه بدأ في الانخفاض في تلك الأثناء، ليلامس سقف الـ 7 جنيهات للدولار الواحد، واستحضر الجميع خبرات الرجل (رامز) في الحفاظ على استقرار سعر الصرف والقضاء على السوق السوداء.
ولم يستقل رامز مع الإطاحة بنظام محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، في يوليو/تموز 2013، الذي عينه محافظًا للبنك المركزي، وظل في منصبه يدير أمور السياسة النقدية في البلاد، إلا أن الأوضاع الاقتصادية بعد مرسي، شهدت تدهورًا واضحًا، رغم الدعم الذي قدمته دول الخليج لمصر، وقُدّر بنحو 30 مليار دولار.
وكانت أولى الخطوات التي خدم بها رامز، نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، تخفيض سعر الفائدة، ليساعد على انخفاض تكلفة إقراض الحكومة، التي توسعت في الدين الحكومي بشكل كبير، فتم تخفيض أسعار الفائدة على السندات والأذون الصادرة من البنك المركزي لصالح الحكومة بنحو 2.5%، وهو ما يعني توفير نحو 30 مليار جنيه سنويًا من تكلفة أعباء الدين المحلي.
وبقي التحدي ماثلًا أمام رامز في عدة أمور منها، الوصول لحدود مقبولة بشأن احتياطي النقد الأجنبي، وتوفير هذا النقد للواردات التي تمثل عصب الاقتصاد المصري، والوصول لسعر فائدة يحقق أغراض الحكومة، وفي نفس الوقت لا يضر بالمودعين في ظل ارتفاع معدلات التضخم.
وقد اتخذ الرجل سياسة واضحة فيما يتعلق بسعر الصرف، حيث حرص على تقليص الفجوة بين سعر الدولار في السوق السوداء والجهاز المصرفي، واتخذ عدة قرارات لرفع سعر الصرف في البنوك، حتى فبراير/شباط 2015، ولكن دون فائدة، فظل الفارق بين السوقين مستمر.
فلجأ المسؤول إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الإدارية للتحكم في حركة الدولار للخارج، أو الحد من حركته في الداخل عبر السوق السوداء، فكانت قراراته الخاصة بتحديد سقف التحويلات الشهرية للشركات والأفراد، فكان للأفراد بحدود 10 آلاف دولار، وبحدود 50 ألف دولار للشركات.
ثم تلقى البنك المركزي بعد مؤتمر شرم الشيخ الأخير، ودائعًا لدعم احتياطي النقد الأجنبي بنحو 6.8 مليار دولار، وكانت هذه الأموال وما اتخذه رامز من إجراءات للحد من التحويلات الدولارية للخارج، بمثابة مهدئات للسوق السوداء، وليست مانعة لها.
وكان الرجل قد توعد حائزي الدولار، وطالبهم بسرعة التخلص منه قبل مارس/أذار من العام الجاري، وإلا لن يجدوا مصرفًا لما لديهم من مدخرات بالدولار.
إلا أنه في نهاية المطاف، ارتفع سعر الدولار بالسوق السوداء، رغم سماح رامز مؤخرًا، بتجاوز السعر الرسمي للدولار لـ 8 جنيهات مصرية، وزادت الواردات من السلع والخدمات لتتجاوز 81 مليار دولار، في نهاية يونيو /حزيران 2015، وانخفض احتياطي النقد الدولي إلى 16.3 مليار دولار، ومرشح لمزيد من الانخفاض خلال الفترة المقبلة.
فيما لا زالت معدلات التضخم في مستويات مرتفعة، ودفعت أسعار الفائدة لدى البنوك المصرية بالمدخرين نحو المضاربة على العملات الأجنبية، وانتشار ظاهرة "الدولرة"، أو المضاربة على العقارات، وكذلك تجاه جزء آخر من المدخرين نحو المضاربة بالبورصة المصرية أو غيرها من البورصات الإقليمية والدولية، في ظل خدمات الإنترنت التي سهّلت القيام بالمضاربات في البورصات الخارجية بشكل كبير.
وكانت النتيجة فشل هشام رامز في إدارة ملف السياسة النقدية، ونيل العديد من الانتقادات من قبل رجال الأعمال والاقتصاديين والسياسيين خلال الفترة الأخيرة، مما رشح التكهنات بإقالته أو استقالته.
ونظرًا لأن الدستور المصري يمنع إقالة محافظ البنك المركزي، فيُتوقع أن يكون طلب من رامز التقدم باستقالته، لعدم الرغبة في بقائه بمنصبه، في ظل التدهور الجاري في كافة آليات السياسة النقدية.
وثمة قضية مهمة، نال رامز جزءً كبيرًا من الاتهام بها من قبل أكاديميين اقتصاديين، وهي توسعه في طباعة النقود، التي أثّرت بشكل كبير في ارتفاع معدلات التضخم، حيث قام خلال فترة ولايته كمحافظ البنك المركزي، بطباعة نحو 97 مليار جنيه، والجدير بالذكر أن هناك حالة إفراط في طباعة النقود من قبل البنك منذ ثورة 25 يناير/كانون ثانٍ 2011.
ولكن السؤال المهم الذي يحاول هذا المقال التحليلي الإجابة عليه، هل الفشل كان بسبب سوء السياسات النقدية المطبقة، أم أن الإمكانيات حالت دون أن يحقق رامز نجاحًا؟
أسباب الفشل
هناك مجموعة من الأسباب تضافرت في الوصول لنتيجة فشل الرجل، منها ما يتعلق بإدارته للملف، ومنها ما يتعلق بالمناخ العام والإدارة الاقتصادية في مصر، وكذلك تراجع أداء الاقتصاد المصري، ومن هذه الأسباب ما يلي:
كانت السياسة التي تعمل بها الإدارة الاقتصادية في مصر، أحد الأسباب المهمة لفشل رامز في إدارة السياسة النقدية بشكل سليم، وكان الأخير جزءً من هذه السياسة الفاشلة، ففي الوقت الذي فرض فيه مجموعة من الإجراءات الخاصة بالتضييق على حركة الدولار في السوق الموازية، لم ينسق مع المستوردين أو المنتجين، للوصول لأفضل الطرق لكي لا يؤدي أي إجراء إلى مزيد من سيطرة السوق السوداء من جهة، ومن جهة أخرى التأثير السلبي على حركة التجارة والصناعة التي تضررت بالفعل، حيث انخفضت الصادرات السلعية المصرية على مدار العام الماضي بنحو 20%.
وثمة خلاف واضح بين رامز ووزير المالية الحالي، فيما يتعلق بسياسات الاقتراض الخارجي، وإدارة ملف إصدار السندات الدولية لمصر، فضلًا عن الخلافات بشأن إدارة الدين المحلي، والتي تستلزم وجود تنسيق بين الطرفين.
وبلا شك أن هذا الخلاف أدى إلى تفاقم أزمة الدين العام المحلي، ليتجاوز تريليوني جنيه في يونيو/حزيران 2015، وتبقى قضية تدبير تمويل للدين الحكومي في رقبة محافظ البنك المركزي، والذي يواجه تحديًا آخرًا يتمثل في توفير التمويل لصالح قطاع الأعمال حتى لا تتزايد معدلات البطالة والفقر.
ولم تكن الظروف الاقتصادية العامة مواتية لكي يحقق رامز حالة نجاح، فالرجل حوصر بتراجع تدفقات النقد الأجنبي، وزيادة المتطلبات الحكومية والقطاع الخاص، خلال الفترة الماضية من النقد الأجنبي، فضلًا عن ضغوط الوفاء بالتزامات مصر الخارجية، والتي مثلت فيها الاستحقاقات لدولة قطر قاسمة ظهر البنك المركزي المصري، حيث استردت الدوحة نحو 7 مليارات دولار على مدار عام ونصف.
ولم تكن التطورات الخاصة بالواردات المصرية خلال الفترة الماضية، طبيعية، ولكنها تزايدت بشكل كبير، لتمثل ضغطًا هائلًا على الطلب على الدولار، في ظل تراجع مصادر النقد الأجنبي لمصر، وبقيت قضية ترشيد الواردات لافتة لا تعبر عن الحقيقة.
فقفزت الواردات المصرية من 48 مليار دولار في يونيو/حزيران 2010 إلى 80 مليار دولار في الشهر نفسه من العام 2015، ومما يُؤسف له أن غالبية هذه الواردات، عبارة عن عدد آلات ومستلزمات إنتاج، وأن الواردات الغذائية تمثل 20% فقط من إجمالي الواردات المصرية.
يبقى في الختام الإشارة إلى دور القدرات الشخصية، وأخطاء الإدارة في فشل رامز، ولكن هذا لا يمنع من أن ضغوط عجز الإمكانيات الاقتصادية للبلاد، واختلال هيكل ناتجها المحلي وكذلك هيكل تجارتها الخارجية ساهم بشكل كبير في فشل السياسة النقدية لمصر، مما تسبب في استقالة محافظ البنك المركزي هشام رامز، ليخلفه طارق عامر، بموجب قرار جمهوري.