الرئيسية / مصر / إخفاق التقديرات الاقتصادية لحكومة مصر

إخفاق التقديرات الاقتصادية لحكومة مصر

  • بقلم: أ. عبد الحافظ الصاوي
  • 25-03-2017
  • 105
إخفاق التقديرات الاقتصادية لحكومة مصر
  • المصدر: الجزيرة

تفاوت كبير
عبء قناة السويس
مأزق السياحة
إخفاقات بلا حساب

يكشف الواقع المعيشي في مصر عن حقيقة تراجع الأداء الاقتصادي، ولا يصلح مع ذلك تقديرات اقتصادية مبالغ فيها، أو يبتغى منها توظيف سياسي أو إعلامي، فالثمن هو فقدان الثقة محليا وعالميا في ما تصدره الحكومة من توقعات بشأن مستقبل الاقتصاد.

ولا أدل على ذلك مما حدث خلال الشهور القليلة الماضية، حيث طرحت مصر سندات دولية بأعلى سعر فائدة في السوق الدولية بنحو 8.5%، وبلا شك أن ارتفاع تكلفة التمويل على مصر لم يأت من فراغ، ولكنه نتيجة تقويم سليم من قبل مشتري السندات للمؤشرات الاقتصادية المصرية.   

وتعد الأيام القليلة القادمة مناسبة دورية لكشف الدور السلبي الذي تمارسه الحكومة بشأن تقديرات اقتصادية مبالغ فيها، حيث ستقدم الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2018/2017 إلى مجلس النواب، وقد أشارت بعض وسائل الإعلام إلى تجاوزها حاجز التريليون جنيه مصري (55.4 مليار دولار).

والعبرة ليست بقيمة الموازنة، ولكن بالعوائد الاقتصادية والاجتماعية التي ستعود على المواطن المصري من موازنة "تريليونية"، فلا بد أن نعي أن معدل التضخم وفق الإحصاءات الحكومية تجاوز نسبة 30% على أساس سنوي، كما أن الدين العام تفاقم بنسبة تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 100%.

 وهو ما يعني أن الحديث عن موازنة "تريليونية" في مصر لا يحمل سوى دلالات سلبية للمواطن عبر انخفاض القيمة الشرائية لما لديه من نقود، أو زيادة الإنفاق من أجل خدمة الدين العام.

وبلا شك أن المواطن المصري قد لا تعنيه كثيرا الأرقام والمؤشرات الاقتصادية بقدر ما يعود عليه من خدمات ومنافع تعينه على أمر معيشته، حيث وعد بظروف اقتصادية واجتماعية أفضل منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، ولكن لم يحصد سوى معدلات تضخم لا قبل له بها، وزيادة معدلات البطالة لتلامس سقف 13%، واتساع رقعة الفقر لتتجاوز نسبة 30% من السكان، فضلا عن حالة الركود التي تعيشها الأسواق المصرية.

وإذا ما كانت الحكومة المصرية اعتادت على تصدير تقديرات اقتصادية إلهائية فإن ما يصدر من حسابات ختامية للموازنة يكشف هذه الممارسات الخاطئة، وكذلك تقرير متابعة الخطة العامة الذي تصدره وزارة التخطيط والمتابعة

   تفاوت كبير

تقرير متابعة الخطة العامة للدولة يكشف عن فجوة كبيرة بين ما تضمنته الخطة العامة والموازنة للعام المالي 2016/2015 وبين النتائج النهاية، حيث يتبين تراجع معظم المؤشرات عما رصدته الحكومة في الخطة العامة والموازنة، وفي ما يلي ندلل على إخفاقات التقديرات الحكومية في مصر من خلال بعض الأمثلة على أبرز المؤشرات التي ترتبط بالخطة العامة والموازنة.

المقدر والفعلي لبعض المؤشرات الاقتصادية للعام المالي 2016/2015 (القيمة بالمليار جنيه مصري)

البيان | المقدار* | الفعلي ** | نسبة التراجع
النفقات العامة | 864.6 | 817.8 | 5.4%
الإيرادات العامة | 622.3 | 491.5 | 21%
العجز الكلي | 251.1 | 339.4 | 35.1 %

*وزارة المالية، المصدر: البيان المالي للعام المالي 2016/2015 ص 39.
** وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، تقرير متابعة الأداء الاقتصادي والاجتماعي للعام المالي 2016/2015.

يذكر أن تقديرات الخطة العامة والموازنة لا تتم جزافا، ولكن من خلال بيانات حقيقية عن الأعوام السابقة، ولدى مصر من الكوادر والكفاءات ما يعفيها من هذه الأخطاء التي تؤثر سلبا على مقدرات مصر الاقتصادية، كما يكرس لتداعيات سلبية سياسيا واجتماعيا لا تتحملها الأوضاع الحالية، ولكن المؤكد أن هذه الأخطاء ترتكب في ظل سوء الإدارة الاقتصادية والسياسية بمصر.

فتراجع كل من النفقات والإيرادات العامة بنسبة 5.4% و21% على التوالي انعكس على أداء عجز الموازنة فزادت قيمته، ونتيجة سوء التقدير للمؤشرات الثلاثة السابقة حرم المواطن من خدمات عامة كانت مدرجة بالخطة العامة للدولة.

والسبب الرئيس في كون الانخفاض الخاص بالنفقات العامة بحدود 5.4% وليس أكثر من ذلك أن حجم النفقات الحتمية في الموازنة لا يمكن تخفيضه، مثل بند الأجور والمرتبات، وخدمة الدين العام.

من جانب آخر، فإن عدم الوصول إلى تقدير صحيح للنفقات والإيرادات العامة بالموازنة لم يؤد فقط إلى زيادة قيمة العجز الكلي، ولكنه أحرج الحكومة في تحقيق مستهدفاتها تجاه هذا العجز بجعله بحدود 10% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث وصل هذا العجز فعليا إلى 12% و11.4% و12.5% على التوالي خلال السنوات الثلاث الماضية.

عبء قناة السويس

وبعد أن كانت قناة السويس تمثل أحد أهم روافد الإيرادات العامة للموازنة العامة للدولة وكذلك واحدة من أهم إيرادات النقد الأجنبي لمصر منذ عودتها للعمل بعد انتصار أكتوبر/تشرين الأول 1973 تحولت بعد أغسطس/آب 2014 إلى عبء على الموازنة العامة للدولة من خلال مشروع التوسعة الذي تم تنفيذه دون وجود دراسة جدوى.

وقد حمل المشروع الموازنة بأعباء سنوية تزيد على ثمانية مليارات جنيه نظير سندات حصلت عليها الحكومة لمشروع التوسعة بنحو 64 مليار جنيه مصري، وفي أغسطس/آب 2019 ستتحمل الموازنة المصرية رد 64 مليار جنيه لحملة السندات.

ليس هذا فحسب، ولكن الخطة العامة للدولة وضعت مستهدفا لإيرادات القناة بالعام المالي 2015/2016 يصل إلى 5.5 مليارات دولار، بينما بيانات البنك المركزي المصري عن ميزان المدفوعات لنفس العام تظهر أن إيرادات القناة تراجعت إلى 5.1 مليارات دولار، في الوقت الذي ذهبت فيه تقديرات وكالة رويترز في مارس/آذار 2017 إلى أن إيرادات القناة في 2016 كانت بحدود خمسة مليارات دولار فقط

وإذا ما استبعدنا ما يتعلق بمصر داخليا في ما يتعلق بشأن قناة السويس فإن منظمة التجارة العالمية خفضت من توقعاتها بشأن نمو معدلات التجارة الدولية إلى 1.7% في سبتمبر/أيلول 2016 بعد أن ذهبت في أبريل/نيسان 2016 إلى أن هذه المعدلات ستكون بحدود 2.8%، ومع ذلك نجد أن الخطة العامة لمصر لعام 2017/2016 تستهدف زيادة إيرادات قناة السويس إلى 5.6 مليارات دولار.

   مأزق السياحة

دفع قطاع السياحة في مصر ثمنا غاليا للانقلاب العسكري، حيث انخفضت عائدات القطاع بمعدلات غير مسبوقة، ومع ذلك لا يرى المخطط المصري مدركات الواقع، ففي خطة الدولة للعام المالي 2016/2015 كان المستهدف أن يحقق قطاع السياحة 12 مليون سائح، وإيرادات سياحية تسعة مليارات دولار.

ولكن الواقع أسفر عن نتائج معاكسة تماما، إذ تشير بيانات ميزان المدفوعات عن نفس العام إلى تحقيق إيرادات بلغت 3.7 مليارات دولار من خلال 7.3 ملايين سائح.

وإذا ما اعتبرنا أن عام 2016/2015 شهد حوادث تفجير الطائرات الروسية والمصرية فإن المخطط المصري يجب أن يكون استوعب الوضع الراهن عند وضعه لمستهدفات خطة عام 2017/2016.

 ولكن وجد أن المستهدف لعدد السياح في الخطة بحدود تسعة ملايين سائح، في حين أن بيانات ميزان المدفوعات عن النصف الأول من عام 2017/2016 تشير إلى تراجع العائدات السياحية إلى 1.5 مليار دولار مقارنة بـ2.7 مليار دولار لنفس الفترة من عام 2016/2015.

إخفاقات بلا حساب

في المجتمعات الديمقراطية لا تمر الخطة العامة للدولة وموازنتها مرور الكرام، وليست مجرد تسويد صفحات، أو استهلاكا لوقت البرلمان أو المواطن، ولكن هناك رقابة تذهب بالحكومات وتقيلها.

ولكن في مصر تأمن السلطة التنفيذية بشكل كبير على مسؤوليها من أي محاسبة أمام مجلس النواب، خاصة بعد الانقلاب العسكري في عام 2013، فضلا عن غياب دور المجتمع المدني في محاسبة أو مراقبة أعمال الحكومة، فلم يحدث أن تمت محاسبة لحكومة أو وزير في مصر بسبب الإخفاقات التي تتعلق بالأداء الاقتصادي، فمثلا مرت أزمة المديونية الخارجية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك دون حساب على الرغم من الثمن السياسي والاقتصادي الذي دفع نظير توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي مطلع التسعينيات، كما تمرر الآن أزمة المديونية المحلية دون حساب.

الأمثلة على إخفاق التقديرات الاقتصادية كثيرة، وما ذكر في هذه السطور كان على سبيل المثال لا الحصر، واقتصر على البيانات المدونة في وثائق حكومية، ولم يتناول تصريحات وزراء أو قائد الانقلاب العسكري بشأن وعودهم الاقتصادية التي لم تتحقق.

وستظل هذه الممارسات السلبية من تقديرات اقتصادية غير حقيقية طالما غابت الديمقراطية عن المجتمع المصري، ولكن القضية الأهم هي أن الأجيال القادمة هي من ستدفع الثمن لوجود حكومات بلا حساب