تتوالى الأحداث على مسيرة السياحة المصرية، لتعمق من أزمتها، وتعوق أي بوادر أمل في استرداد قطاع السياحة عافيته، فبعد تحقيق عوائد اقتربت من 7 مليارات دولار العام الماضي 2014/ 2015، أتى سقوط الطائرة الروسية في سيناء، لتشهد السياحة المصرية حالة من الانهيار في مختلف مؤشراتها، سواء في عدد السائحين الوافدين، أو نسبة إشغال الفنادق، أو العوائد السياحية.
وتأتي أزمة السياحة المصرية في توقيت تعاني فيه البلاد من مشكلات في تدفقات النقد الأجنبي، وتراجع الاحتياطي النقدي للبلاد، ولم يعد لمصر من مواردها الرئيسة للنقد الأجنبي سوى تحويلات العاملين بالخارج، والتي تقترب من 19 مليار دولار.
وما زاد الأمور سوءاً تسجيل تراجع ملحوظ في إيرادات قناة السويس على مدار الأشهر القليلة الماضية، وزيادة التزاماتها من خلال استدانتها من البنوك المحلية خلال الفترة الماضية بالنقد الأجنبي، فضلاً عن تحميلها أعباء قرض توسعتها في أغسطس/ آب الماضي، والتي قاربت من مليار دولار سنوياً كفوائد.
ثمة معضلة للقطاع السياحي في مصر، تتمثل في أنه لم يستطع على مدار السنوات الخمس الماضية، استعادة أدائه قبل ثورة 25 يناير 2011، من حيث العوائد السياحية، والتي قاربت نحو 13 مليار دولار، أو عدد السائحين، والذي وصل نحو 12 مليون سائح سنوياً، فضلاً عن تشغيل العديد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وفي ظل سحب كل من روسيا وبريطانيا رعاياهما من مصر، بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء، وتعليق الرحلات الجوية من البلدين، وكذلك إعلان أكثر من بلد عن عدم مرور طائراتها في المجال الجوي بسيناء، سوف تتكبد السياحة في مصر العديد من الخسائر، والتي يمكن أن نرصد بعضها في ما يلي:
"ما زاد الأمور سوءاً تسجيل تراجع ملحوظ في إيرادات قناة السويس على مدار الأشهر القليلة الماضية"
ثمة قطاعات كثيرة ترتبط بنشاط السياحة، وعلى رأسها قطاع النقل، بكافة أنواعه، وقد حدد وزير السياحة المصري، هشام زعزوع، خسائر مصر بنحو 280 مليون دولار شهرياً في مجال النقل الجوي فقط، وإذا ما استمر وقف الرحلات إلى مصر من قبل روسيا وبريطانيا لمدة ثلاثة أشهر فقط، فسوف تقترب خسائر مصر من نحو 900 مليون دولار، فضلاً عن عوائد محلات بيع الهدايا، والمطاعم، والبواخر، وغيرها من المنشآت، وكذلك الرسوم التي تحصلها المزارات السياحية بالعملات الأجنبية.
" سوف تتوقف المنشآت السياحية عن سداد التزاماتها تجاه البنوك خلال المرحلة المقبلة"
أي تراجع مهما كانت ضآلته في موارد النقد الأجنبي لمصر خلال المرحلة المقبلة، ستكون له آثار سلبية، بسبب الأزمة التي تمر بها البلاد في النقد الأجنبي، فضلاً عن حاجتها خلال عام 2016 لسداد التزامات تقدر بنحو 2.6 مليار دولار لكل من صندوق النقد الدولي ودولة قطر، وسوف يستحق صندوق النقد في مطلع يناير/ كانون الثاني المقبل، أول هذه الالتزامات على مصر بقسط يقدر بـ 650 مليون دولار.
تأثرت البورصة المصرية بصورة كبيرة بعد ما نشر عن معلومات سلبية تخص حادثة الطائرة الروسية، واستمرت خسائرها اليومية، ليهوي مؤشر البورصة الرئيس إلى 6801 نقطة، وهو أدنى معدل هبوط منذ شهرين، كذلك أثرت أزمة السياحة كذلك على السوق السوداء للدولار، فقد وصل سعره إلى 8.75 جنيهات، وثمة توقعات أن يتجاوز هذا السعر خلال المرحلة المقبلة، إذا ما توالت التداعيات السلبية لأزمة السياحة بمصر.
يأتي حادث الطائرة الروسية ليلقي بظلال شديدة السلبية على مناخ الاستثمار في مصر، بعد تصريحات بعض المسؤولين عن التحقيقات الخاصة بالحادث، عن احتمالات كبيرة بأن تكون الطائرة انفجرت بسبب وجود قنبلة على متنها.
وهذه رسالة سلبية، باعتبار مصر غير آمنة، وبالتالي فمناخ الاستثمار لا يشجع المستثمرين الأجانب على اتخاذ قرار الاستثمار بمصر في ظل هذه الظروف، وما زالت مصر تعول كثيراً على دور الاستثمار الأجنبي المباشر، وخاصة في القطاعات الخدمية والإنتاجية، ولكن هذه الأحداث سوف تحول دون تحقيق آمال مصر في هذا المضمار.
في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة بطالة تصل إلى 12.8%، تأتي أزمة السياحة لتضيف عاطلين جددين إلى رصيد البطالة، ويتواكب ذلك مع حالة ركود وغلاء يعاني منها الاقتصاد المصري، مما يؤدي إلى زيادة معاناة العاطلين الجدد، والذين انضموا إلى صفوف العاطلين بسبب أزمة السياحة.
وعلى الرغم من تكرار أزمة السياحة في مصر على مدار عقود، إلا أن الحكومة لم تتبن برامج للحماية الاجتماعية للعاملين بهذا القطاع، سواء من حيث صرف إعانات بطالة، أو وجود برامج لإعادة تدريب هذه العمالة وتحويلها إلى قطاعات أخرى.